الظاهر والباطن
توقفت كثيراً عند مفترق الطرق للمسؤولين السودانيين حول الموقف من اتجاهات العلاقة بين “الخرطوم” و”واشنطن”، هل هي حية ترجى أم ميتة تنسى، وقياساً على صحف أمس الأول فوزارة الخارجية وبدا لي هذا غريباً، تعتقد أن الأمر غير مبشر، هذا من منطلق تصريح لمسؤول رفيع فيها نعت السفير الأمريكي الأسبق أو السابق بالغباء! فيما كان وفي ذات الوقت وعلى منحى متطابق أو صعيد متصل كما يقول رواة الأخبار، كان رئيس المجلس الوطني البروفيسور إبراهيم أحمد عمر العائد من الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد أن الأمور تمضي للأحسن بين البلدين، فيما ارتفعت مانشيتات عليها اسم الكونغرس الأمريكي وليس مقروناً هذه المرة بمهدد أو عقوبات، وإنما بوعد لزيارة “الخرطوم”، وهذا تطور يستحق النظر.
وضح جلياً ومن واقع التصريحين أن مطالع الرجلين مختلفة، ومقاماتهما التنفيذية والسياسية، وواضح أن كلاً منهما ينظر للأمر من زاوية مختلفة، وأن مفارقة طريفة ربما تكون قد قامت، إذ كان مسؤول الدبلوماسية في الخارجية أكثر تطرفاً، فيما كان البروف إبراهيم أقرب إلى اليقين وحسن التفاؤل، مما أربك بشكل ما الساحة التي تلقت التصريحين، والراجح أن الأمر طال واشنطن نفسها التي حتماً تقف الآن مذهولة مما سمعت، فلا هي تعرف هل هي مبغوضة حسب الرؤية لنائب وزير الخارجية السوداني، أم أنها مرجوة وفقاً لتعليق رئيس البرلمان!!
مثل هذه الأمور حتماً يتم الوقوف عندها، لأن الإشكال الكائن سيكون حول آليات عافية العلاقة بين “الخرطوم” و”واشنطن” وأين تمضي وتتجه.
الشاهد أن لا ركيزة واضحة أو مؤشر ما يمكن التعويل عليه، خاصة من جانب السودان، وبالنسبة للولايات المتحدة فالأمور أكثر وضوحاً وحسماً، هي تتحرك وفق محددات وثوابت، واضح أن المقاطعة والخصام هو الأصل فيها، وأعني الإدارة الأمريكية، ومع هذا فإن تسمح بنسمات سريعة التلاشي ترسلها وهي في الأغلب غير ملزمة لها، وبالمقابل فإن السودان يبدو مرتبكاً ويغلب طبع انطباعي على وزن الأمور، ولهذا وخلافاً لما هو متوقع، أعتقد أن كلا الرجلين (البروف والوزير) قد صدقا وأثبتا.
بالنسبة للمجلس الوطني والبرلمان، فإن زيارة وفد من الكونغرس أو التواصل معه عمل إيجابي وناجح، وبالنسبة للوزير المناوب بالخارجية فإن الحقائق الدبلوماسية لا تشي بشيء مبشر، وكلا الموقفين يؤكدان ببساطة أن قياس عافية وصحة هذا الملف بحاجة لميزان أكثر حداثة وأن الأمور ستظل هكذا عصا وجزرة، وتقلبات مؤثرات ورياح إلى أن نخلص إلى نهاية ما، وهو ما لن يحدث إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المنتظرة، لأن كل الإدارة الحالية منصرفة وتجمع أوراقها ومذكراتها وأقصى ما يمكن أن تفعله ترك الباب موارباً للإدارة المقبلة في البيت الأبيض.