تقارير

مفاوضات أديس.. هل تفلح الجولة الحالية في طي الملفات العالقة؟

يغادر، اليوم الخميس، وفد الحكومة المفاوض إلى أديس أبابا لابتدار جولة جديدة من المفاوضات، وكانت الولايات المتحدة قد دعت، أول أمس، جنوب السودان لإبرام اتفاق نفطي مع الخرطوم وإلا ستتفاقم الأزمة الاقتصادية في هذه الدولة الوليدة.
وشدّد المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان وجنوب السودان “برنستون ليمان” في مؤتمر عقده في واشنطن بالقول إن «على جنوب السودان أن يتصدى على الفور لأحد أكبر تحدياته من خلال مقاربة شجاعة وبرغماتية في مواجهة أزمته الاقتصادية الحالية». غير أن “ليمان” وصف الجدول الزمني المقترح بـ: «المتفائل للغاية» لأن مثل هذه الأشغال تستغرق بين أربعة أو ستة أعوام. وقال الدبلوماسي الأمريكي: «يجب التوصل إلى اتفاق مع السودان لتأمين مداخيل لحكومة جنوب السودان».
ودعونا نتساءل هل يستطيع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية إنقاذ جولة المفاوضات الحالية لإحراز تقدم في الملفات العالقة وحسمها بصورة نهائية بعد الاتفاق على المنهج الجديدة والإستراتيجية التي وافق عليها الطرفان في الجولة الماضية، لا سيما وأن المهلة التي حدّدها مجلس الأمن الدولى تسير نحو نهاياتها في الثاني من أغسطس المقبل، خاصة وأن الطرفين فشلا في معظم الجولات الماضية التي ظلت تترنح من فشل إلى آخر.
وكانت قد سادت حالة من التفاؤل الحذر مفاوضات أديس أبابا التي شهدتها العاصمة الأثيوبية على مدار الشهور الماضية بين السودان، الذي يترأس وفده الفريق الركن مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” وزير الدفاع، وجنوب السودان الذي يترأس وفده “جون كونغ”، فيما بقي الملفان الأمني والاقتصادي العقبة الأبرز في طريق نجاح هذه المفاوضات.
ورغم استمرار المفاوضات فترة ليست بالقليلة حاول فيها كل طرف أن يتمسك بمواقفه دون أن يتزحزح عنها قيد أنملة، إلا أن إحساس كل بلد منهما بأنه «لا جدوى من حرب جديدة» جعلت المفاوضات في النهاية تتسم بالمرونة، وهو ما ألقى بظلال من التفاؤل على فريق المفاوضين من الجانبين، آملين معها أن تكون الجولة المقبلة التي تبدأ فور انتهاء القمة الأفريقية، حاسمة لكل النقاط العالقة، حسب إفادات المسؤولين في البلدين.
وفي هذا الإطار، أعرب وزير الخارجية السودانية “علي أحمد كرتي” عن أمله في أن تسهم هذه الجولة في إزالة الخلافات بين البلدين بشأن الموضوعات المختلف عليها، المتعلقة بالحدود والملف الاقتصادي.
وقال “كرتي” إن الجانب السوداني الذي شارك في مفاوضات أديس أبابا الأخيرة لمس تقدماً، وقد انعكس ذلك في تصريحات الفريق الركن مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” وزير الدفاع، حيث أكد أن التفاوض بلغ مراحل إستراتيجية وتم الاتفاق على العديد من النقاط المختلف عليها.
بالمقابل، قال نائب رئيس جنوب السودان “رياك مشار”: «إننا عدنا إلى طاولة المفاوضات وكلنا أمل في تحقيق تقدم حقيقي لتجاوز كل النقاط العالقة، التي كانت محل خلاف كبير بين فريقي التفاوض».
ووفقاً لحديث المفاوضين، ينبغي أن تدار هذه الجولة بإستراتيجية جديدة أو هكذا فهم المتابعون، حينما أكد وزير الدفاع “عبد الرحيم محمد حسين” أن الجولة القادمة سيكون فيها قرار مجلس الأمن  رقم (2046) تحصيل حاصل بعد أن بدت علامات الهدوء والارتياح على ملامح رئيس اللجنة السياسية الأمنية، ووزير الدفاع الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين”، لدى عودة الوفد من العاصمة الأثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي، ربما كان ذلك الهدوء هو نتاج طبيعي لحالة الرضى عن مخرجات جولة التفاوض القصيرة، التي التأمت بين دولتي السودان وجنوب السودان، فرغم أن الجولة استمرت لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة فقط، إلاّ أن مخرجاتها تضمنت اختراقاً واضحاً في ملف القضايا العالقة بين الدولتين، والاتفاق على منهج وإستراتيجية جديدة، فيما يرى محللون أن النجاح الذي لازم هذه الجولة، يعود بصورة أساسية للتوجيهات الرئاسية لرئيسي الوفدين، بجانب التفويض الكامل الذي مُنح لقيادة الوفدين أيضاً.
ويتضح من هنا أنه تحقق للوساطة الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة “ثامبو أمبيكي” ما رمت إليه، حينما طلبت من الوفدين الرجوع لإجراء مشاورات وصفتها حينها بـ(العميقة) مع القيادة العليا في الدولتين، وبدا أكثر حرصاً للوساطة الأفريقية على القيد الزمني الأممي، الذي حدّده قرار مجلس الأمن (2046) بالثاني من أغسطس المقبل، إذ إنه وبالتزامن مع عودة الوفدين أجرى رئيس الآلية “ثامبو أمبيكي”، لقاءً مع الرئيس “عمر البشير” بغرض إعطاء مزيد من الدفع لمسار التفاوض وشرح المنهج الإستراتيجي الجديد الذي توافقت عليه الخرطوم وجوبا.
ووفقاً لمتابعين، فإن زيارة “أمبيكي” في هذا التوقيت من شأنها إلقاء مزيد من الضوء على الخريطة الجديدة، وتذكير القيادة العليا في البلدين بضرورة إحراز تقدم واضح في الملفات، حتى يتم تضمينها في التقرير الذي سيرفعه الرجل إلى مجلس الأمن مطلع أغسطس المقبل. لكن في الوقت ذاته، فإن زيارة رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى “ثامبو أمبيكي” تعني عدم وجود أي لقاء مباشر بين الرئيسين “عمر البشير” و”سلفا كير ميارديت” في الوقت الراهن، وهو ما أكده وزير الدفاع، في تصريحات صحفية، أمس، بمطار الخرطوم، بعدم وجود ترتيب لعقد قمة رئاسية بين “البشير” و”سلفا كير” في الوقت الراهن، لكنه لم يستبعد أن يتم اللقاء حال مضت الخطوات التفاوضية بصورة إيجابية.
وكان وفدا الطرفين، السودان وجنوب السودان، قد اتفقا في الجولة القصيرة السابقة التي استمرت لمدة يومين على منهج إستراتيجي جديد، يساعد على مخاطبة عمق القضايا العالقة، بعد أن أخذا تفويضاً كاملاً من القيادة السياسية في البلدين للمضي في المنهج التفاوضي لبناء علاقات إستراتيجية قوية بين البلدين، وتكون هادية للخطوات التفاوضية المقبلة. وأعلن الوفد الحكومي أن استئناف التفاوض سيكون خلال الأيام المقبلة.
وقال رئيس اللجنة السياسية الأمنية وزير الدفاع، الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين”، في مؤتمر صحفي بمطار الخرطوم، عقب وصول الوفد من أديس أبابا: إن الطرفين اتفقا بعد مشاورات ثنائية مغلقة مع رئيس وفد جنوب السودان “باقان أموم” على منهج جديد يعتمد على تعزيز الإرادة السياسية، والالتزام بالشفافية والوضوح وإبداء حسن النية، والتزام الجانبين بطريقة مطلقة بعدم اللجوء للقوة في تسوية أي خلاف، ووقف العدائيات، وتأكيد مبدأ سيادة كل دولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل بلد، وتعزيز وترقية العلاقات الثنائية وإرساء علاقة متميزة بين الدولتين، بالإضافة إلى تأكيد مبدأ المساعدة المتبادلة في معالجة القضايا الأمنية لإرساء علاقات خاصة بين البلدين، وأن يكونا عمقاً استراتيجياً في القضايا الأمنية والإستراتيجية، والقيام بمبادرات سياسية بتبادل الزيارات السياسية، فضلاً عن التنسيق الأمني والسياسي، وأوضح وزير الدفاع أن المهلة التي حددها مجلس الأمن القصد منها إبعاد شبح الحرب، وقال إن المنهج الذي توافق عليه الطرفان يحقق هذا المقصد، وبالتالي “نكون وصلنا لمضمون القرار”. لكن رغم الاختراق الذي حدث في الجولة القصيرة المنصرمة، يرى محللون أن الاتفاق الذي حدث ليست له علاقة باقتراب المهلة التي حدّدها مجلس الأمن بغرض الحفاظ على المعنويات العامة للجانبين بعد ستة أشهر من التفاوض. ويقول المحلل السياسي “الحاج حمد محمد خير” لـ(المجهر) إنه غير متفائل بما تم من اتفاق لأنه يعطي حالة من الفشل المتواصل في الجولات السابقة، وأن زيارة “أمبيكي” للخرطوم لمقابلة الرئيس “عمر البشير” ليس لها معني، باعتبار أن الرجل يعمل لصالح دوائر أمريكية، بحسب “محمد خير”، ويطالب المحلل السياسي وفد السودان، كدولة محترمة، أن يرفض الطريقة التي يدير بها الاتحاد الأفريقي المفاوضات الحالية، ويقلل من إمكانية حدوث عقد قمة بين الرئيس “عمر البشير” ورئيس دولة جنوب السودان “سلفا كير ميارديت”، لافتاً إلى أن الرئيس كان قد سبق وشارك الجنوب في احتفاله بالانفصال، ماذا جنى من تلك الخطوة؟ ولم يُخفِ الرجل تشاؤمه من الجولة الحالية؛ باعتبار أنها تكرار لذات الحديث الممجوج، خاصة وأن اللجنة السياسية الأمنية بين الدولتين لم تراوح مكانها بعد، ويتهم دولة جنوب السودان بأنها تتكئ على مبلغ (ملياري دولار) تلقتها من الوكالة اليهودية وإسرائيل، وهي تفاوض وظهرها محمي من اليهود، على حد تعبير الرجل، ويرى أن المخرج للدفع بالمفاوضات هو انفتاح الحكومة على دول الاتحاد الأوروبي لتتحرك وتدفع بالتفاوض إلى الأمام لكسر جمود المفاوضات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية