أخبار

(الدوام للقفر)

{ ماتت الأحداث وانزوى عادل الباز بعيداً في الرصيف يلوك الصمت ويجتر الحزن ويضحك في زمن البكاء.. وكثيراً ما يبحث الصحافيون عن الأعذار التي (تبرر) فشلهم في تحقيق مشروعاتهم الصغيرة، مطبعة وصحيفة وورق وحبر، وحائط يجمع شتاتهم، وسلطة لا تنام نهاراً وتسهر ليلاً لتصحح ما يكتبه الصحافيون في مطبوعاتهم، والحبر والورق في تلاشٍ حتمي، وقد تمدّد جهاز الحاسوب وبات بديلاً للورق (الأغبش) وقلم البِك.. لكن أين الصحافة التي نتوق إليها؟ وأي مستقبل ينتظر مهنة أصابتها (لعنة الأزمة الاقتصادية) فيما أصابت من قطاعات؟!
وعادل الباز، في مرثية حزينة يصدراً بياناً عن شركة (نسق) بتصفية (الأحداث) قهراً وكرهاً وإذعاناً لمقتضيات الواقع الذي تعيشه بلادنا من بدايات أزمة لم تبلغ بعد ذروتها، والصحافة أخذت في الاحتضار والتلاشي والموت المعلن.. وبعض صحف الخرطوم ماتت قديماً ولم يبق إلا الوجه الشاحب، وبضع وريقات يتم توزيعها عبر الاشتراكات الحكومية!!
{ هل (أدركت) سناء حمد، وزيرة الدولة بالإعلام السابقة مصير الصحافة (المكتوبة) مبكراً وجهرت بدعوة استنكفها البعض منا وازدراها آخرون، جهرت بضرورة أن (تتجمع) الصحافة في كيانات كبيرة.. ولوحت سناء بقطع من الحلوى والبسكويت الجاف واللبن، وداعبت بها شفاه الصحافيين لإغرائهم بمال حكومي ودعم سيذهب إليهم من الخزينة العامة إن هم (تجمعوا) في شركات كبيرة.. والحكومة في منظورها واعتقادها وثقافتها إن (الكثرة) تجلب المنفعة وفي التعدد تمزقاً، وهي تقرأ قصة الغنم القاصية التي يأكلها الذئب.. ولكن دعوة سناء حمد تبددت في الفضاء ولم تفلح في توحيد (الرأي العام) و(الرائد) و(السوداني) فكيف تجمع (ألوان) حسين، و(أخبار) أحمد بلال، و(أيام) محجوب.. وحتى (مردوخ) السودان الجديد صديق ودعة لم يؤلف بين (الأخبار) و(الصحافة) وكلتاهما تحت أبطيه بماله وثروته!!
{ ماتت (الأحداث) الصحيفة، وتبقى (الأحداث) الفكرة والمشروع الثقافي لعادل الباز، فقد (تناسلت) أفكاره من سنابل في حقبة ديمقراطية ما قبل الإنقاذ إلى (الصحافي الدولي) ومحطات أخرى متعثرة حتى (الأحداث)، التي أغرقتها الأزمة الاقتصادية في لجة بحرها (المرّ)، لتعلن عن إفلاسها جهراً، ومتى كانت الصحافة غنية؟
{ غداً تموت صحف أخرى، وتجف أقلام، و(تهيم) الوجوه في الأزقة ولا يجد الصحافيون حتى ظل وبائعة شاي تحتمل طول بقائهم بالقرب منها واحتلال (بنابرها) وهم ينعون بعضهم البعض، ومثلما (تطرد) الصحف هذه الأيام أقلامها غداً (ستطرد) بائعات الشاي روادها السابقين مثلما طرد أحد الولاة صحافياً يتولى منصباً مرموقاً في الجسد النقابي.
ووزير المالية علي محمود يتعهد بخفض الضرائب وإعفاء بعض الرسوم، ولكن سياسات الوزير (يهزمها) بنك السودان الذي سيحتفل بطريقته الخاصة إذا جفت كل أنهار الصحافة في السودان وأصبحت الخرطوم (خرساء)، حينها تنام الحكومة قريرة العين على (مخدات) الطرب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية