بعد.. ومسافة
الخبر الأهم
مصطفى أبو العزائم
أهم أخبار هذا الأسبوع دون منازع، كان خبر زيادة تعرفة مياه الشرب في ولاية “الخرطوم”، وذلك لأنه خبر اجتمعت فيه – تقريباً – كل عناصر الخبر الصحفي، أي كل الخصائص المطلوبة لتجعل من حدث ما خبراً تتناقله الركبان، و(هنا أم درمان) و(سونا) وكل صحف “الخرطوم” وفضائياتها وإذاعاتها الخاصة أو المتخصصة.
كل وسائل الإعلام وكل وسائطه إن لم تعرض خبر زيادة تعرفة مياه الشرب كانت ستكون مثل الذي (يعرض برّة الزفة)، والخبر هو أسرع سلعة أو مادة معرضة للتلف إذا لم يتم نشره في حينه، وذات هذا الخبر – أي زيادة أسعار المياه تضمن ما يهم ويمس مصالح كل الناس بلا استثناء، وقد جاء توقيت الإعلان عنه مرتبطاً بحوار وطني عميق – أو هكذا يجب أن يكون – يبحث كيفية خروج بلادنا من أزماتها المتشابكة، وهو خبر ضخم يثير اهتمام أكبر عدد من متلقي الأخبار، وربما كانت له نتائج منظورة وخفية، وقد جاء بعد مقدمات وأخذ ورد ومؤتمر صحفي ضخم للسيد والي “الخرطوم”، وكبار المسؤولين بهيئة مياه ولاية “الخرطوم”، تم فيه تقديم حشد من المعلومات روعي فيها الدقة والصحة والموضوعية والصدق.
لا خلاف حول ارتفاع تكلفة إنتاج مياه الشرب، ولكن هناك سؤالاً مهماً، هو: (هل المياه سلعة أم خدمة؟) والإجابة على هذا السؤال تحدد أهمية ومبررات الزيادة.
وكالة السودان للأنباء، هي إحدى مؤسساتنا الإعلامية النشطة التي لا تترك شاردة ولا واردة في بلادنا وفضاءاتها، إلا وأمسكت بها تمحص وتتحرى لتنشر، وقد اتصل بي الزملاء في هذه الوكالة التي لا تنام، يستطلعون رأيي حول الزيادات الأخيرة التي طالت تعرفة مياه الشرب.. وهي زيادة – في تقديري الشخصي- طالت (كوز الموية) بنسبة غير متوقعة، وقد أشرت لممثل (سونا) أن الزيادات بعين المنطق والموضوعية والتكلفة وبكل ما يتصل من تطوير في هذا المجال، تكون زيادات مقنعة، هذا إذا اعتبرنا أن الماء تباع وتشترى، لكن إذا اعتبرنا أن الماء خدمة أساسية هي من أوجب واجبات الحكومة ومن أعظم مسؤولياتها، فإن الزيادة غير منطقية ولا مبررة، لأن واجب الحكومة تقديم الخدمات، لا إدارة الأزمات على حساب المواطن.
تمثلت أمام عيني الصورة الخيالية ونصف الواقعية التي رسمها أستاذنا الكبير “فضل الله محمد” عندما كتب (الجريدة) التي تغنى بها الأستاذ الموسيقار “محمد الأمين”، وهو يتساءل شعراً: (سارحة مالك.. يا حبيبة.. ساهية وأفكارك بعيدة.. بقرا في عيونك حياتي.. وانتي مشغولة بجريدة) إلى أن يقول: (أي حاجة تمر بخاطرك قصة أو أخبار جديدة.. عندي ليكي خبر أهم.. جايبو بي أشواق شديدة.. أسمعي وطاوعيني مرة.. أيوه ما تخليك عنيدة)
تمثلت لي تلك الصورة الخيالية ونصف الواقعية وأهل الصحافة والإعلام ينقلون الوقائع والخبر الأهم وهيئة مياه “الخرطوم” وتشريعي الولاية وكل طاقمها الفني يمارسون العناد ويغمضون أعينهم عن نتائج هذا الفعل غير السياسي.