تحقيقات

حوادث مستشفى (أم درمان).. يكتظ بآلاف المرضى

عقب إغلاق حوادث الخرطوم
(70%) من الكادر الطبي لـ(مستشفى أم درمان) مستحقاتهم من عائدات (مستشفى البقعة)
ارتفاع نسبة العمليات الجراحية من (20%) إلى (30%) شهرياً.. بعد تفكيك (مستشفى الخرطوم)
(مستشفى أم بدة) يتم تسييره من (مستشفى أم درمان).. ولولا (البقعة) لأغلق (مستشفى أم درمان) أبوابه!
تحقيق ـ هبة محمود
بدا ظاهر الأمر اعتيادياً، ونحن نخطو خطواتنا نحو (مستشفى أم درمان) العريق، فالصورة لوهلتها الأولى، كانت هي الصورة المألوفة عنه، حركة دؤوبة كحال معظم المستشفيات الحكومية الكبرى، ولكن باطن الأمر كان خلاف ذلك، كان يتحدث عن تردٍ عام في الخدمات، ونقص في الكوادر الطبية، وضغط وازدحام كثيفين من قبل المرضى ومرافقيهم، خاصة في قسم الحوادث الذي ضاقت جنباته بهم، فذهبوا يفترشون النقالات والكراسي والأرض، وهو ما كشفت عنه جولة (المجهر) التي استمرت ست ساعات داخل المستشفى.
 مصادر من العاملين بالمستشفى كشفت للصحيفة،  عن جملة من المشاكل الإدارية التي يواجهها المستشفى، في الوقت الذي تقف فيه وزارة الصحة الولائية مكتوفة الأيدي، فبالإضافة إلى وضع العنابر السيئ، وبطء إجراءات إسعاف المرضى، يقوم المستشفى بالإنفاق على مستشفى أم بدة، فيما يتقاضى أكثر من (70%) من الكادر الطبي لمستشفى أم درمان، مستحقاتهم من عائدات مستشفى البقعة!!   

رغم المساحة الواسعة التي يمتد عليها مستشفى أم درمان، إلا أنها لم تشفع له لينعم ببعض الهدوء، إلا من مساحات قليلة يشغلها أطباء في بداية الخدمة، أما جميع الأقسام والعنابر والممرات الداخلية، وخاصة الحوادث، تشهد ازدحاماً متزايداً بالمرضى ومرافقيهم، سيما بعد تجفيف مستشفى الخرطوم، في إطار ما عرف بسياسة (نقل الخدمات الطبية إلى  المستشفيات الطرفية)، وهي السياسة التي تبناها وزير الصحة ولاية الخرطوم الدكتور “مأمون حميدة”، بذريعة تقديم خدمات طبية جيدة للمواطنين في أماكنهم، ولكن يبدو أن واقع حال هذه المستشفيات الطرفية، التي يتحدث عنها الوزير، والتي سبرنا أغوار أحدها في (المجهر) الأسابيع الماضية، وهو مستشفى (بشائر)، الذي كشفت جولتنا بداخله عن مدى عجزه وعدم جاهزيته، ويؤكد واقعه أكذوبة نقل الخدمة للأطراف.
في انتظار الفحوصات
المواطنون أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بحقيقة نقل الخدمات إلى المستشفيات الطرفية، فباتوا يقصدون المستشفيات الكبيرة رغم المعاناة التي يواجهونها خلال إجراءات سلحفائية تزيد آلام المرضى، وتبعث على إعياء مرافقيهم، وداخل حوادث مستشفى أم درمان تتجلى صعوبة تلقي الخدمة بصورة واضحة للعيان.
 إحدى المريضات تدعى “سلوى محمود” طفقت تسرد لـ(المجهر) معاناتها منذ لحظة دخولها في التاسعة والنصف صباحاً، وحتى بعد منتصف النهار، ولم تعلم حتى تلك اللحظة مما تعاني، فقد قضت سحابة نهارها، وهي تزرع الممرات جيئة وذهاباً، بين معامل المستشفى والمعامل الخارجية، خاصة أن كثيراً من الفحوصات المطلوبة منها لم تتوفر داخل معامل المستشفى، ورغم أن المريضة قادمة من منطقة “غرب أم درمان” وجغرافياً تعد مستشفى “أم بدة” هي الأقرب لها، إلا أنها يممت وجهها شطر حوادث مستشفى أم درمان، فازدادت شقاء على تعاستها. تركناها حائرة وانتقلنا لموقع آخر.
(المجهر) وسط الزحام
الزحام الذي يضرب مستشفى أم درمان ورصدته (المجهر) أثناء تجوالها داخله، أرجعه مصدر مسؤول بالمستشفى إلى تجفيف حوادث مستشفى الخرطوم، وأثره البالغ على زيادة التردد على  طوارئ أم درمان، خاصة فيما يتعلق بزيادة نسبة العمليات الجراحية إلى (30%) شهرياً بدلاً عن (20%) قبل تفكيك مستشفى الخرطوم والنسبة مرشحة للارتفاع بوتيرة متصاعدة، وأكد المصدر لـ(المجهر) عدم وجود أسِرة فارغة بالحوادث، الأمر الذي دعا المرضى لافتراش النقالات والأرض والكراسي. وأضاف مصدرنا: نسبة العمليات داخل الطوارئ ازدادت بنسبة تفوق الـ(60%) بسبب عجز مستشفى (أم بدة) عن تغطية مناطق غرب أم درمان، لضعف إمكانياته، وزاد: ما لا يعلمه الكثيرون أن مستشفى أم بدة يتم تسييره من مستشفى أم درمان، بشيك شهري تتراوح قيمته ما بين (50) ألف جنيه إلى (150) ألف جنيه، في الوقت الذي كان يتوجب الإنفاق عليه من قبل وزارة الصحة، وتخفيف العبء على المستشفى فإذا به يزيده أعباء، سيما أننا نواجه نقصاً في الكوادر الطبية بمختلف تخصصاتها، ورغم هذا النقص – يضيف محدثنا – تم نقل أكثر من (100) كادر طبي من طاقم المستشفى للعمل بـ(أم بدة) ويتقاضون مخصصاتهم من مستشفى أم درمان.
لولا (البقعة) لأغلق المستشفى أبوابه !
مصادر عليمة بالمستشفى كشفت لـ(المجهر) عجز تسيير مستشفى أم درمان السنة الماضية بنسبة (15%)، ولفت مصدر مطلع إلى أنه لولا وجود مستشفى (البقعة الخاص)، التابع لمستشفى أم درمان، لأغلق المستشفى أبوابه، حيث إن (70%) من الأطباء و(السسترات) والممرضين، يتم الإنفاق على رواتبهم من عائدات (مستشفى البقعة).
وأكدت المصادر أن التسيير الذي يأتي للمستشفى، لا يغطي سوى نفقات النفايات والأوكسجين وغذاءات المرضى وعربات الشفط، الأمر الذي حدا بإدارة المستشفى رفع رسم تذكرة الدخول إلى مبلغ (6) جنيهات بدلاً عن (3) جنيهات، بغرض تسيير المستشفى، لكن تدخل مسؤول رفيع بالدولة زار المستشفى أمر بإعادة رسم التذاكر إلى (3) جنيهات.
المصدر المسؤول عبر عن استيائه من الأوضاع، قائلاً: “إذا رفعت وزارة الصحة يدها عن مستشفى أم درمان وتركته لمجلس الأمناء، لكان أفضل”.
تذمر المرضى سيد الموقف
ضعف الكادر الطبي بمستشفى أم درمان يتجلى بصورة واضحة وتحديداً داخل الحوادث، التي يمكن القول إنها تعاني نقصاً كبيراً جسدته تكدسات المرضى وذويهم في انتظار تكرم الأطباء بالكشف عليهم، وما لحظته (المجهر) عبر جولتها تلك السلحفائية العرجاء التي يسير بها نظام العمل داخل قسم العظام بالحوادث، فالتذمر كان هو السمة العامة، حيث إن معظم الجالسين من مرضى ومرافقين، شطرهم الانتظار لنصفين، وبصوت عالِ لأحد المرافقين، ذهب يقول: (البلد دي لو ما عندك فيها قروش تموت).
أحد المرافقين بث شكواه عبر (المجهر) من الطريقة العقيمة التي يسير بها العمل، وقال: منذ أكثر من ساعتين، ونحن في انتظار عمل صورة أشعة للاطمئنان على ساق ابني، عقب تعرضه لحادث، ولكن العاملين أنفسهم يساهمون في بطء سير العمل، فقد ذهبوا لتناول الإفطار وغابوا فترة طويلة، الأمر الذي ساهم في ازدحام المكان.         
 
داخل قسم العظام بالحوادث، بالكاد تجد قدمك موطئاً لها لشدة تزاحم المرضى، فهم وقوف وجلوس وفي المنتصف، فضلاً عن ذلك الاصطفاف على (كاونتر) لدفع الحساب، ومع ذلك فإن العاملين يذهبون لتناول وجبة الإفطار، ويغيبون لفترات طويلة غير آبهين بالمرضى، علماً بأن هناك مرضى محمولين على نقالات وفي انتظار صور الأشعة.
مصدر مسؤول بالمستشفي رافق (المجهر) عبر جولتها وعزا هذا الازدحام بقوله إن ـ مستشفى أم درمان ـ يعد الآن المستشفى العاصمي الأقرب عقب تجفيف مستشفى الخرطوم ونقل الخدمة للأطراف، وقال: إن عدد الأطباء داخل الحوادث قليل، خاصة أطباء العظام والموجودون أغلبهم نواب، بجانب وجود غرفتين فقط للأشعة، وأضاف: يبدو أن هناك مشكلة في أطباء العظام حتى على مستوى المستشفيات الخاصة، فمعظمهم هاجروا إلى خارج البلاد، والموجودون والممتازون منهم قلة، أمثال “شرف الدين الجزولي”، ومثل هؤلاء تحتاج مقابلتهم انتظاراً طويلاً، أما الموجودون بالمستشفيات الحكومية، فحدث ولا حرج.
العناية الطبية المفقودة في العنابر
على دفتر ملاحظات جولتنا بين ردهات حوادث مستشفى أم درمان، ذهبت والدة أحد الأطفال المصابين لتسكين آلام ابنها وهي تذرف دمعها، بأن قامت بجلب مشروب (مازا)، ليلهيه قليلاً ويعوض ما نزفه من دماء جراء إصابته في وجهه، وبعد أن أعياهم انتظار مقابلة الطبيب، فكان واقع حالها يجسد ضيق ذات يدها، الذي أرغمها على الانتظار لساعات، وقلبها يردد (حاجة آمنة إتصبري)، فثمة أشياء لا يجدي معها سوى الصبر نفعاً، رغم مرارته.
خارج مبنى الحوادث كانت جميع عنابر المستشفى تئن تحت وطأة الإهمال، الروائح الكريهة تزكم الأنوف، وداخل (عنابر الجراحة رجال)، تتدنى  الخدمات الطبية بصورة ملحوظة، فشقيقة أحد المرضى عبرت لـ (المجهر) عن استيائها من عدم العناية الطبية اللازمة، وقالت: (شقيقي مصاب بالمخ وفي غيبوبة، وهنا الطبيب عشان يجيك يسل روحك).         
وفي الجزء الشرقي من هذه العنابر، سجلت مشاهدتنا، مظهر القطط التي وجدت مرتعاً خصيباً، لها فأبت إلا أن ترافق المرضى في عنابرهم، وفي بعض الأوقات تجدها تستلقي على أسرتهم، ناهيك عن (كولرات المياه) الصدئة، التي أكل عليها الدهر وشرب، وكل ذلك يحدث تحت مرأى ومسمع وزارة الصحة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية