هل تقوى ولاية كسلا على محاربة ثالوث الفقروالمرض والعطش في محلياتها الشمالية؟
(المجهر) تقف على التفاصيل
كسلا – سيف جامع
تعيش المحليات الشمالية لـ(ولاية كسلا) حالة تردٍ مريع في الخدمات، وتعاني من إخطبوط ثلاثي خطير، تمثل في “الفقر، المرض والعطش”، مما أثر في تنمية المنطقة تأثيراً مباشراً، وانعكس على تكوين إنسانها ، حضارياً واجتماعياً، ولعل التكوين الاثني غير المتنوع ،ساهم كذلك في تعقيد إيجاد الحلول المناسبة للمشكلة، التي تعتبر في الأصل اقتصادية ،بسبب موجات الجفاف والتصحر التي عانت منها المنطقة، في الثمانينات وبداية التسعينات ،حينما تشرد ونزح الآلاف من قراهم ،ونفقت الحيوانات، وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الفقر وصلت بالمحليات الشمالية إلى (80%)، وتعتبر هذه المحليات ،ذات وضع خاص نسبة لتأثرها بالحرب ،والتي خلقت واقعاً مريراً على سكانها، بأن حدت من نشاطهم الاقتصادي ،وزادت من حجم البطالة والمهن الهامشية، كما أثر زحف الرمال وانتشار (شجرة المسكيت) على مشروع (دلتا القاش)، مما أدى إلى تدني الإنتاجية ونقص علف الحيوان.
ودفع هذا الواقع المرير والي ولاية كسلا “آدم جماع آدم” ، إلى إطلاق مؤتمر تطوير وتنمية المحليات الشمالية ،شهدته (محلية أروما) ، بتشريف مساعد رئيس الجمهورية “م. إبراهيم محمود حامد” ،ووزير الحكم المحلى “د. فيصل حسن إبراهيم”، حيث ناقش المؤتمر، على مدى أربعة أيام ،عدداً من أوراق العمل ركزت على قضية تطوير وتنمية المنطقة. وجرى خلال الجلسات نقاش مستفيض حول واقع إنسان الولاية، وطالب بعض المشاركين ومقدمي الأوراق بتطوير الإنسان أولاً ، وتعزيز فرص التعليم، والاهتمام بالخدمات الصحية.
الخطوة الجريئة التي بدأها والي كسلا لتنمية المحليات الشمالية ، لا تخلو من بعض التحديات مثل توفير التمويل اللازم واستقطاب الجهد الشعبي، هكذا تحدث بعض قيادات المنطقة، وطمأن الوالي “آدم جماع” المواطنين بأنه قادر على تحمل المسؤولية بالولاية، وأن هدفه الإنسان قبل كل شيء، وقال الوالي: “أن التعليم هو أول ما نبدأ به” ، وأضاف “أن إنسان المحليات الشمالية مثال في الصبر والتحدي، ونبه إلى أن واقع المنطقة التمسه منذ تسلمه لسلطة الولاية، وأضاف “همي هو كيف الخروج من تدني التعليم والصحة وتوفير متطلبات الحياة للمواطنين “، وقال : نريد مكافحة الحصبة وشلل الأطفال وتوفير الرعاية الصحية الأولية للمواطنين، وتعهد الوالي بإعادة الزراعة لسيرتها الأولى، مشدداً على أن الزراعة في صدارة اهتمامه ، ، لأنها واحدة من أسباب محاربة الفقر.
وخلال المؤتمر كشف مختصون عن إغلاق 12 مدرسة في محليتي (همشكوريب) و(تلكوك) ، بسبب نقص المعلمين، وأشاروا إلى أن نسبة عجز المعلمين في المحليتين (75%) و(55%)، لكن الوالي رأى أن عودة الداخليات والمدارس التجمعية، سيكون حلاً لقضية المعلمين، وقد أتيحت فرص متعددة للمواطنين الذين قدموا مقترحاتهم حول تطوير وتنمية المحليات الشمالية، حيث ركز الجميع على ضرورة تطوير التعليم وجعله محفزاً ، من خلال توفير المياه الصالحة للشرب، ونادى آخرون بالاستعانة بخبراء لتغيير الإنسان أولاً، فيما عاب بعض من المتحدثين على نخب الولاية انفصالهم عن مجتمعاتهم وانتقالهم إلى المدن ،مما ساهم في توسيع دائرة الانغلاق.
وكان وزير الحكم الاتحادي “د. فيصل حسن إبراهيم” قد خاطب الجلسة الافتتاحية، معلناً أن في عام 2020م سيجد كل طالب فرصة في التعليم، لان المياه والزراعة تحتاج للمتعلمين، وطالب المواطنين بالالتحاق ببرنامج محو الأمية، مؤكداً أن برنامج الصحة أساس خطة الدولة.
مبادرة الوالي لتطوير محليات كسلا وجدت قبولاً وسط المجتمع، واعتبرها المراقبون أنها الأولى من نوعها ، بأن تلتفت حكومة الولاية لإنسان المحليات الشمالية، ورحب ناظر عموم قبائل الهدندوة، “سيد محمد الأمين ترك” بالمبادرة، وقال إننا منذ قدوم الوالي التمسنا التنمية ووجدنا أياديه بيضاء، وأكد أنهم سيكونون يد الوالي اليمنى لتنفيذ المبادرة، لكنه أشار إلى أن المبادرة إذا لم تجد الدعم من الجميع سيكون مصيرها مثل المؤتمرات السابقة.
وفي استطلاع (المجهر) للمواطنين أكدوا أن عدم وجود وسائل دخل والفقر المنتشر بالمنطقة، أدى إلى عدم اهتمام الأهالي بالتعليم، مشيرين إلى أن انتشار القرى وتوزعها يهزم إنشاء المدارس، وطالبوا بقيام مشاريع إنتاجية ضخمة وإعادة تطوير مشروع (دلتا القاش) ،الذي لا يستفيد منه سوي القائمين على أمره.
وشكا المواطنون من أن المحليات تعاني من نقص حاد في المعلمين وتسرب الطلاب مما يهدد العملية التعليمية، ودعا أهالي المنطقة الى اعتماد برنامج الغذاء والتعليم مقابل توفير مياه الشرب. وفي فاتحة المؤتمر قدم فيلم وثائقي استعرض كافة مشاكل المنطقة من الأمراض وانعدام المياه والكهرباء، في بلد تشرق منها الشمس، لكنها حينما تغيب لا نرى أحداً بحسب تعليق المذيع، فضلاً عن التخلف الصحي، وذكر من خلال الفيلم أن مستشفى (المشير عمر البشير) الذي شيد بـ(محلية همشكريب) ظل مبنى جميلاً بلا معنى أو مضمون منذ افتتاحه.
وتنتشر بتلك المحليات (أشجار الدوم) التي يعتمدون عليها في الغذاء وتشييد المنازل وصناعة (البروش)، حيث دعا الأهالي إلى تصنيع الدوم وتحويله إلى منتج اقتصادي يحقق عائداً مجزياً للمواطنين.
معتمد محلية ريفي أروما “عجيل عوض عجيل” ، أشار إلى أن حكومة الولاية بدأت بمشروعات التنمية بإطلاق برنامج كهربة الشرق، والمرحلة المقبلة هي مشروع مياه “ادر هبيب”، الذي سيحل مشكلة المياه بالمنطقة، وأوضح أن (60) قرية تعتمد على زراعة الجروف، وهذا العام لا يوجد فيضان، كما أن الأمطار شحيحة و(القاش) أيضاً منسوبه ضعيف.
ومن جانبه قال معتمد محلية شمال الدلتا “عمر المادح” ، إن المستشفيات تعاني من نقص الاختصاصيين والأطباء، ونوه إلى أن المؤتمر قصد به لفت النظر لهذه المناطق، وناشد المعتمد المنظمات المحلية والدولية والحكومة بالمركز ،لتخصيص الكثير من الأموال لهذه المحليات التي تأخرت بسبب الحروب، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب الاهتمام بالإنسان لأنه رأس الرمح في النهضة والتطور.
واعتبر رئيس اللجنة العليا للمؤتمر ـ وزير الشؤون الاجتماعية بالولاية “محمد موسى طاهر” ، أن تدهور (مشروع القاش) أدى إلى تدهور المنطقة، فقد كان الإنسان غنياً ويعتمد على مشروعه الزراعي لكن الحال تغير، مبيناً أن هنالك إقبالاً على التعليم، لكن توجد إشكالات في الإمكانيات، ورفض المعلمون العمل في الريف ومعظمهم تقدموا باستقالاتهم أو انتقلوا إلى المدن، لذلك فان التعليم في الريف لابد أن يقوم به أبناء المنطقة.
وعكس معتمد (محلية تلكوك) واقعاً مريراً عن محليته التي قال إنها تعاني من نقص مياه الشرب، وإن طبيباً واحداً يتولى علاج ربع مليون مواطن بمحليته، وأشار إلى أن زراعة الألغام أيام الحرب حدت من حركة الرعاة، ولفت إلى أن المحلية تتمتع بثروات ضخمة مثل حجر الاسمنت والذهب والرخام والثروة الحيوانية والزراعية، إلا أنها تشكو الفقر.
ويرى مدير الإدارة الصحية، بمحلية أروما ، “سعد محمد” أن هنالك نقصاً حاداً في الكادر البشري الصحي، بالإضافة لعدم توفر وسائل الحركة للوصول للقرى النائية، مشيراً إلى أن هنالك انتشاراً كبيراً للأمراض مثل (الانيميا والسل والحمى الصفراء).
ويؤكد مدير الخدمة الوطنية بولاية كسلا أنهم سابقاً شرعوا في معالجات، بتوفير أطباء الخدمة الوطنية للعمل في تلك القرى، لكن الولاية حينها لم تستجب لدفع الأجور، التي حددناها بواقع (3) آلاف جنيه لكل طبيب . ووافق بعض الأطباء على العمل، لكن المشكلة أن الجهات التي ينبغي أن تدفع الأجور لم تلتزم.
ورغم أن المبادرة طموحة ، وجاءت كنقطة ضوء في طريق مظلم ، كليل قرى الشرق، إلا أن التحديات كبيرة أمامها أبرزها استقطاب التمويل اللازم لمشروعاتها الضخمة في مجالات الصحة والتعليم ومياه الشرب، ويرى المهتمون بالأمر أن التمويل ليس مشكلة كبيرة ، بقدر كيفية وضع مصفوفة لتنفيذ هذه المشروعات الاسعافية ، في وقت وجيز، وينظر المؤتمرون إلى عدة خيارات للتمويل منها الجهد الشعبي، وجهود المنظمات، بالإضافة للدعم الحكومي.