التغييرات في هيئة قيادة القوات المسلحة لماذا وكيف؟؟
عين على الجيش في صيف سعده
هل يتعافى الاقتصاد من أمراضه بفتح نافذة الجنوب؟؟
لماذا ارتفعت أسعار الذرة من (180) جنيهاً للجوال إلى (350)؟؟
حديث السبت
يوسف عبد المنان
فاجأ المشير “عمر البشير” القائد الأعلى للقوات المسلحة المراقبين للشأن الأمني والعسكري بتغييرات كبيرة في قيادة القوات المسلحة بعد أقل من ثلاثة أيام على قرارات الإحالة للتقاعد التي شملت عدداً محدوداً من الضباط الذين مكثوا سنوات في مواقعهم.. والتجديد بالإحالة والترقيات يضخ في الشرايين العافية وأكسجين الحياة.. وكثيراً ما تغيب عن الرأي العام قراءة المشهد العسكري وتأثيره على الأوضاع السياسية في البلاد.
وجاءت التعديلات التي أعلنت (الثلاثاء) الماضي في وقت تشهد فيه القوات المسلحة حالة من الزهو والفخر بأبنائها في مسارح العمليات العسكرية بدارفور حيث قضت القوات المسلحة على الوجود العسكري لحركة المتمرد “عبد الواحد” في جبل مرة، حيث حاربت الكهوف والحجارة والطبيعة إلى جانب المتمردين، لكن عزيمة المقاتلين قهرت الطبيعة والصخر.. وبسطت القوات المسلحة سيطرتها على جبل مرة.. وبذلك خرج “عبد الواحد محمد نور” من ميدان المعركة لينضم إلى حركة العدل والمساواة التي قضت عليها القوات المسلحة الصيف الماضي.. وكان التخطيط للعمليات الحالية هو ثمرة لجهود هيئة أركان القوات المسلحة السابقة بقيادة الفريق أول “مصطفى عثمان عبيد” رئيس الأركان المشتركة السابق، الذي تمت إحالته للتقاعد بعد (3) سنوات أمضاها في منصبه وهو آخر ضابط في الخدمة من الدفعة (25) لخريجي الكلية الحربية، كما خرج أيضاً الفريق “أحمد عبد الله النو” رئيس أركان القوات البرية الدفعة (26).. كما تم إعفاء الفريق طيار “إسماعيل بريمة” نائب رئيس الأركان للقوات الجوية.
{ من هما “عدوي” و”الحسن”؟
بعد أن ذهب في التعديلات الماضية الفريق أول “عماد عدوي” إلى منصب المستشار بوزارة الدفاع، عاد مرة أخرى لقيادة القوات المسلحة، وتولى منصب رئيس أركان القوات المسلحة وهو المنصب الثاني في الجيش السوداني بعد وزير الدفاع. ويعد الفريق “عماد عدوي” أول دفعته (27) وتخصص في هندسة الاتصالات مثله والفريق أول متقاعد “عباس عربي” الذي ذهب سفيراً للسودان بدولة تشاد.. ويحظى “عماد عدوي” بشعبية كبيرة في أوساط العسكريين لتواضعه وثقافته الرفيعة وهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ظل في فترة تولي الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” منصب وزير الدفاع قريباً منه.. وهو محل ثقة الرئيس “البشير”، ووثيق الصلة بملفات التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وكان عضواً فاعلاً آخر مفاوضات غير رسمية جرت في ألمانيا.. وله صلات عميقة بالمجتمع المدني والسياسي.. كان شقيقه “جمال عدوي” من الصحافيين البارزين في تسعينيات القرن الماضي، لكنه هاجر إلى الخليج ومن بعد لأوروبا.. ولـ”عماد عدوي” اهتمامات بالفكر والثقافة والأدب، لذلك يمثل رئيس الأركان الجديد جيلاً حديثاً في قيادة القوات المسلحة.
أما الفريق الركن “إبراهيم محمد الحسن” الذي تم تعيينه في منصب وزير الدولة بالدفاع الذي كان يشغله الفريق “يحيى محمد خير”، فقد تولى من قبل منصب قائد القوات البرية، ويعدّ من الضباط المقربين جداً للرئيس “عمر البشير”، ينتمي إلى الدفعة (28) وكان قائداً للحرس الرئاسي من قبل وهو وزير الدولة بالدفاع الخامس، حيث سبقه في الموقع اللواء “عثمان محمد الحسن”، ثم “عمر عبد المعروف”، و”إبراهيم شمس الدين” و”يحيى محمد خير” الذي يمثل جوكر هيئة القيادة متنقلاً من موقع لآخر.. وقد عين الفريق “يحيى” في منصب نائب رئيس أركان القوات المشتركة.. ويعدّ “يحيى محمد خير” من الضباط المقاتلين في الميدان ويحظى بشعبية كبيرة وسط العسكريين لقربه من الجنود والضباط، وكشفت أحداث تمرد الحركة الشعبية (القيمة) الحقيقية للفريق “يحيى محمد خير” وهو (يدير) معركة صد التمرد عن الدمازين بكفاءة وحنكة وتخطيط عسكري باغت به “مالك عقار” وأحبط مخطط احتلال الدمازين.. وارتفعت أسهم الفريق “يحيى” حينذاك لتولي منصب وزير الدفاع خلفاً للفريق “عبد الرحيم محمد حسين”.. لكن تقديرات القيادة جعلته يتنقل من موقع لآخر.
وجاءت التغييرات الجديدة في هيئة قيادة القوات المسلحة بترفيع النجوم العسكرية إلى المواقع القيادة، وجاء تعيين الفريق أول “كمال عبد المعروف” في منصب رئيس أركان القوات البرية لأهمية القوات البرية التي تعدّ عظم وأساس القوات المسلحة.. واشتهر “كمال عبد المعروف” في الرأي العام السوداني بـ”كمال هجليج” حيث كان القائد العسكري لمنطقة بابنوسة حينما هاجم المتمردون مدعومين بقوات من دولة الجنوب حقول النفط في هجليج وأسندت للفريق “كمال عبد المعروف” مهمة تحرير هجليج التي يصفها العسكريون بـ(العمليات المعقدة) نظراً لتمركز القوات الغازية داخل محطة تجمع البترول، والمنشآت النفطية التي ينبغي المحافظة عليها، وفي ذات الوقت طرد المتمردين، وبعد تلك العملية التي تعدّ من العمليات النوعية ارتقى “كمال عبد المعروف” لمنصب نائب الأركان للعمليات، وهو ضابط مشاة متخصص في إدارة العمليات (المعقدة) وامتد تجديد هيئة القيادة لتعيين الفريق “دفع الله الرحيمة” الدفعة (30) في منصب نائب رئيس الأركان للإدارة، والفريق “هاشم بن المطلب” مديراً لفرع العمليات، والفريق “سعد محمد” رئيس الأركان للإمداد.. وتمت إحالة اللواء “حسين موسى” الشهير بـ”حسين جيش” قائد الهجانة السابق للتقاعد.
{ ما بعد التغييرات
كانت القوات المسلحة قد شهدت في الشهور الماضية تغييراً كبيراً بتعيين الفريق أول “عوض ابن عوف” وزيراً للدفاع قادماً من السلك الدبلوماسي، ويعدّ الفريق “عوض ابن عوف” من القيادات البارزة في الجيش التي لعبت دوراً كبيراً في إرساء قواعد الإنقاذ.. وظل قريباً من الرئيس “البشير”، ويتمتع بقوة الشخصية والرؤية السياسية.. وأثار تعيين “ابن عوف” في منصب وزير الدفاع فزع وخوف المتمردين لما عرف عنه من جسارة في القتال، ويتوقع في الفترة القادمة أن تتعرض حركات التمرد لهزائم ماحقة في جبهتي النيل الأزرق وجبال النوبة.. ولأن التغييرات والإحالات والترتيبات في هرم وقيادة الجيش تتنزل إلى أسفل، بترقية الضباط والجنود إلى أعلى، فقد حافظت القوات المسلحة على تماسكها وانضباطها وولائها للقائد الأعلى المشير “عمر البشير” الذي يعلم تفاصيل ما يجري داخل المؤسسات العسكرية لقربه منها في كل الظروف.
{ الانحدار الاقتصادي
ثلاثة وقائع تشهد على الانحدار السحيق الذي تردى إليه الاقتصاد السوداني في الوقت الذي تمارس فيه الحكومة إنكاراً تاماً لوجود أزمة اقتصادية من الأساس، وينفي وزير المالية تأثير الحرب على الاقتصاد، ويقدم تبريرات سياسية لأسباب استدامة الحرب ولا يعترف بالأثر السالب للحروبات على الاقتصاد، ويلوح في الأفق تهديد أمريكي آخر بوضع الذهب السوداني ضمن المحظورات رغم الانتصار الذي تحقق في مجلس الأمن برفض الصين وروسيا لمشروع القرار الأمريكي الذي تبنته لوبيات يهودية داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحملة التي قام بها السودانيون الأسابيع الماضية عبر توقيعات مليونية تطالب برفع الحصار عن بلادنا.. الوقائع الثلاثة التي تكشف عمق الهوة التي تردى إليها اقتصادنا والأثر السالب للمقاطعة العالمية تمثل في أن صديقاً كان يعمل في إحدى الدول الأوروبية، وعاد نهائياً لوطنه السودان ونفد الدواء الذي يستخدمه لتخفيف حدة آثار مرض السكري فأخذ يبحث عن الدواء في صيدليات الخرطوم فوجد أن أغلب الصيادلة لم يسمعوا بالعقار الذي يسمى (الجوناميت) وهو عقار مستخلص من لعاب (الورل) أي التمساح البري.. وتم اكتشافه في الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات ويعدّ من أكثر العقاقير فعالية في حفظ (توازن) نسبة السكر في الدم.. بحث الصديق عن الدواء ولم يجده فاتجه لتحويل مبلغ (100) دولار للمملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية ولم يستطع تحويل المبلغ بسبب المقاطعة من جهة وبسبب آخر هو (إيقاف) البنوك الأجنبية تعاملاتها مع المصارف السودانية بسبب التعثر في سداد المديونيات.. وأخيراً لجأ الصديق إلى (الطيارين) الذين يجوبون بعض العواصم لشراء الدواء من صيدليات الأسواق الحرة في تلك البلدان وهي صيدليات أسعارها في عنان السماء.. والواقعة الثانية هي ما حدث للأستاذ الصديق “النور أحمد النور” رئيس تحرير (الصيحة) حينما طاف يوم (الأربعاء) الماضي على بنوك السودان واحداً بعد الآخر لتحويل مبلغ (500) دولار كمصاريف دراسة لابنه الذي يدرس في تركيا، وعجز “النور أحمد النور” عن إرسال المبلغ لذات الأسباب، الحصار الاقتصادي المضروب على البلاد ومقاطعة المرسلين للمصارف السودانية حيث قدرت مبالغ التعثر نحو (3) مليارات دولار ووزير ماليتنا يتحدث عن توفير (30) مليون درهم إماراتي.
الواقعة الثالثة طرفها الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية التي اضطرت الأسبوع الماضي لكتابة خطابات للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والأمم المتحدة عن اشتراكات الحكومة السودانية في الأمم المتحدة ومصاريف الوفد الحكومي الذي غادر إلى واشنطن، واضطر الوفد لحمل مبالغ الاشتراكات نقداً في حقيبة (يدوية) وسط مخاوف من حجزها في المطار باعتبارها مبالغ نقدية مثيرة للريبة والشكوك.. فإذا كانت الحكومة نفسها لا تستطيع تحويل مبالغ قليلة من المال للخارج لدفع اشتراكاتها في المؤسسات الدولية فكيف يستطيع القطاع الخاص استيراد مدخلات الصناعة والزراعة والدقيق والغاز؟؟ والسيد وزير المالية “بدر الدين محمود” يبحث عن زيادة حصيلة الضرائب بالتشديد على الصحف التي توجه النقد لسياسات الحكومة الخاطئة في تحرير بعض السلع والإبقاء على أخرى تحت دائرة الدعم، الشيء الذي أفرز واقعاً اقتصادياً مشوهاً استفادت منه بعض جيوب الرأسمالية وخسرت أخرى.. احتكر القمح لأفراد وشركات لسنوات ثم أطلق سراحه جزئياً.. والآن يتم تحرير الغاز وتمسك الحكومة بالجازولين والبنزين لأنها مستفيدة من الأسعار الحالية وتكسب خزينة “بدر الدين محمود” من كل جالون بنزين تستهلكه (ركشة) في عطبرة.. أو لمبة (سجمي انطفت) في سودري.. والأوضاع الاقتصادية بسبب الحصار الجائر تنحدر كل يوم إلى أسفل، وتستغل الصين حاجة السودان إلى البترول ولا تنفق على عمليات الاستخلاص والتنقيب تكنولوجيا متقدمة تضاعف من إنتاج الآبار الحالية، بل تستخدم تكنولوجيا (متخلفة) وزهيدة الثمن وبعقود أقرب إلى عقود الإذعان، وفي كل يوم يتناقص إنتاج البلاد من البترول بسبب الاضطرابات الأمنية في بعض مناطق الإنتاج وتدني سعر البترول عالمياً، حيث أغرقت أسواق النفط بالبترول (المهرب) من ليبيا والعراق بواسطة جماعات حركة (داعش) وحكومات غير مسؤولة.. ويلوح في الأفق الآن دور (إيراني) في المنطقة بضخ كميات كبيرة من البترول في السوق العالمية وسط توقعات بانخفاض سعر البرميل إلى أقل من (20) دولاراً، لكن السودان آخر من يستفيد من انخفاض أسعار البترول بل يتضرر المواطنون كثيراً لأن الحكومة تشتري البترول من الخارج بمبالغ زهيدة وتبيعه لمواطنيها بذات الأسعار حينما كان سعر البرميل (140) دولاراً.
وقد تنامت الأصوات الشعبية الرافضة لنقص أوزان الخبز الأسبوع الماضي، وفرضت الحكومة زيادات على رسوم النفايات والعوائد والضرائب، وتضاعفت أسعار المواد المستخدمة في تحسين الخبز، وتم استيراد أنواع من الدقيق التركي (الرديء) ورغم ذلك تتمسك الحكومة بدورها الرقابي على المخابز، الشيء الذي يؤدي لخروج قطاعات عريضة من التجار عن سوق الخبز.. وتوقفت المعالجات التي بدأت في تنفيذها ولاية الخرطوم قبل عامين بتشغيل مخابز كبيرة تنتج ملايين القطع من الرغيف في اليوم الواحد لسد حاجة المواطنين.. وفي عتمة الأوضاع هذه تتخذ القيادة السياسية قراراً صائباً وشجاعاً بفتح الحدود مع دولة الجنوب، من أجل استعادة السودان لسوقه في بلد كانت جزءاً منه وبسبب الحماقات والمرارات الشخصية لبعض الأفراد فقدت بلادنا سوقاً ضخماً لإنتاجها الزراعي والصناعي.. وجاء قرار فتح الحدود من الرئيس “عمر البشير” الشيء الذي حصنه من النقد و(المعاكسات)، ولم يمض أسبوع واحد على ذلك القرار حتى ارتفعت أسعار الذرة في الأسواق من (180) جنيهاً للجوال الواحد إلى (350) جنيهاً، ولاحت بارقة أمل للمزارعين بتصدير إنتاج العام الماضي من الذرة حيث تتكدس ملايين الجولات في صوامع الغلال بالقضارف وبورتسودان، واضطر البنك الزراعي للعودة إلى العصر الحجري وحفر في باطن الأرض مطامير لتخزين الذرة بسبب ضعف مواعين التخزين في بلد زراعية، يقابله انخفاض في أسعار لحوم الأبقار الواردة من جنوب السودان، وتحريك مصانع المواد الغذائية في النيل الأبيض لتعمل بطاقتها القصوى.. ويعدّ الجنوب سوقاً لمنتجات السودان التي لا تنافس في الأسواق العربية، ولا مكان لها في الأسواق الأوروبية، لكنها منتجات مطلوبة في دولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وتشاد وإثيوبيا وإريتريا.. لكن نحن لا نميز بين الصديق والعدو وتغشانا عصبيات للعرب لا مبرر لها، ونتمسك بالتصدير للدول العربية ونغفل عن سوق منتجاتنا الحقيقي في القارة الأفريقية، وننتظر أن يجود علينا العرب بفتح نافذة لتصدير الماعز والضأن بينما كل منتجات السودان تعدّ ذات قيمة عالية لبعض الدول الأفريقية.. لكن سياسات السودان الاقتصادية إن وجدت يتحكم فيها الهوى السياسي والشعارات والعواطف، والتردد ما بين الإقبال برؤى وفكر مستنير نحو تحرير الاقتصاد كلياً وما بين القبضة الحكومية وسياسات التحكم والدعم التي تخلت عنها الدول التي تخطط للتعافي من الأمراض القديمة.