الحوار الوطني والمجتمعي.. ميس النهاية أم خط البداية؟
ناقشا قضايا المجتمع والسياسة والناس
تقرير- محمد إبراهيم الحاج
توصيات الحوار المجتمعي التي وضعها والي الخرطوم الفريق ركن “عبد الرحيم محمد حسين” أمام رئيس الجمهورية أمس الأول، وتوصيات الحوار الوطني التي ستوضع أمام منضدة الرئيس بعد أيام قلائل، ربما تصدر إلى العقول صورة ذهنية أولية أن ليس ثمة ما قد يقف عائقاً أمام حوار سياسي واجتماعي رصدت له الحكومة إمكانات كبيرة وجندت كثيراً من طاقاتها في سبيل إكسابه قيمته السياسية والدولية والشعبية، ولم تألُ جهداً في السعي لإقناع كثير من القوى السياسية المعارضة والحركات المسلحة على السواء، رغم رفض كثير من تلك القوى المعارضة المشاركة فيه، إلا بتوفر اشتراطات محددة واستكمال حلقات في الحريات العامة والصحفية وإيقاف الحرب، ترى أنها ضرورية قبل الإقدام على أية خطوات حوارية مع الحكومة، رغم أن رأي قوى أخرى معارضة أنه لا يمكن الوصول إلى تلك المطلوبات ما لم تجلس مع الحكومة وتحاورها فيها.
مع نهايات الحوار الوطني والمجتمعي تصبح التساؤلات الآن مشرعة وحقيقية حول قيمة هذا الحوار، وهل من الممكن أن يضع أسساً صلدة ومتينة لبلاد عانت كثيراً من الأزمات المتعاقبة طوال (60) عاماً لم تشهد استقراراً سياسياً وليس لديها دستور دائم، وحروبات متعاقبة ومتجددة قضت على كثير من أسباب الحياة فيه وأنهكت الأرض والحرث.
{ حوار مجتمعي.. بحث في هموم المجتمع
الحوار المجتمعي الذي فرغ من تسليم توصياته إلى رئيس الجمهورية أمس الأول، ناقش حسب والي الخرطوم، كل مشاكل الناس ووصفه بأنه الأكثر عمقاً والأقرب إلى المواطن والأكثر صدقاً في التناول، وأكد أن المشاركين فيه تحدثوا دون أية أجندة سياسية وأنهم يمثلون شرائح المجتمع كافة من الطلاب والمرأة وأساتذة الجامعات والطرق الصوفية والشباب وغيرهم، وأن عدد الذين شاركوا في الحوار المجتمعي من ولاية الخرطوم بلغ (1277575) مواطناً قال إنهم يمثلون شرائح المجتمع كافة على مستوى المحليات والإدارات والأحياء، وكشف عن مشاركة (1933) حياً من أحياء الخرطوم في الحوار، واصفاً المشاركة بأنها الأكبر والأوسع والأكثر عمقاً وصدقاً، لافتاً إلى أن كل المشاركين ليس لهم ارتباطات حزبية، وأبان أن الحوار المجتمعي تناول القضايا القومية بجانب القضايا الست المطروحة في مؤتمر الحوار الوطني، وأن المشاركة أوسع على مستوى المحليات، وبلغ حضور الحضور ما بين (5) إلى (7) آلاف في الندوة الواحدة. وتابع الوالي حديثه للصحافيين بقوله إن الحوار المجتمعي أكبر مساند للحوار الوطني، مشيراً إلى أنه ناقش قضايا أكثر إلحاحاً مثل النقل والمواصلات وأعباء المعيشة والتعليم والصحة، وقال إنها وجدت حظاً واسعاً في النقاش، كما ناقش القضايا الفئوية مثل مشاكل المهندسين والعمال والأساتذة.
رغم حديث الوالي الحماسي عن الحوار المجتمعي إلا أن المتحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني “يوسف حسين” ورغم تأكيده لـ(المجهر) على قيمة الحوار إلا أنه قال إنه لا يمكن أن يكون بمعزل عن القوى السياسية، وقال إنه يجب عليها أن تشارك المجتمع، عادّاً إدارة الحوار في حد ذاتها سياسة تتبع للمؤتمر الوطني، مضيفاً إن أساس الحوار المجتمعي هو مساندة الحوار الوطني الذي يقوم بدون مشاركة القوى السياسية.
{ لا تفاوض جديد
ثمة مقولة جرت على لسان والي الخرطوم أثناء لقائه بقادة العمل السياسي وهو أنه (لا توجد دوحة جديدة)، في إشارة منه إلى أن الحركات المسلحة التي شاركت في الحوار استندت إلى مرجعية اتفاقية “الدوحة” وأنه ليست هناك جولة تفاوض جديدة معهم، وهذا الأمر ربما يعزل كثيراً من الحركات التي رفضت المشاركة في الحوار الوطني، ولكن هل لبى الحوار مطلوبات تلك الحركات التي ناصبت الحكومة عداءً سافراً وصل إلى محاولة غزو أم درمان قبل عدة أعوام؟ وهل ما جرى حتى الآن كافٍ للمضي قدماً فيه؟ يتكفل بالإجابة “محمد بحر” رئيس حركة (شهامة) الدارفورية المشاركة في الحوار الوطني بقوله لـ(المجهر): (جربنا العمل المسلح قبل ذلك وشاركنا في أقوى محاولة حقيقية لتغيير هذا النظام بالقوة في 10/5/2008 بالهجوم على أم درمان وقرأنا المشهد وما يدور حولنا في المحيطين الإقليمي والدولي ووجدنا في النهاية أن العنف لا يحل مشكلة الوطن) وأضاف: (وإذا وصلنا بالعنف فإن غيرنا أيضاً سيسلك ذات المسلك، بالتالي يصبح الحوار هو المخرج الموضوعي عشان كل أهل السودان يتواضعوا على رؤية وفقها يتحاكمون أو يحكمون بلدهم. ولا أعتقد أيضا أن هناك تنظيماً سياسياً تكون عنده فرصة للحوار ويرفضها)، وزاد بأن ما يدور داخل أروقة الحوار هو حوار ليس له سقوفات أو قيود وأي تنظيم يطرح كل ما يؤمن به في مشروعه السياسي الذي يرى أنه يحل قضايا الوطن في الحوار المطروحة بكامل حريته دون حجر أو رقابة عليه في أن يقول ما يراه أو حد القول، ثم تتفاوت بعد ذلك قدرات التنظيمات الموجودة وفقاً للتراكم المعرفي لأي تنظيم، (ونقدر نقول حتى الآن دخلنا مرحلة المخرجات، تقريباً شارف عرض رؤى التنظيمات المختلفة على الانتهاء تماماً والآن تتم صياغة المخرجات النهائية وحتى الآن نؤكد أننا كحركة راضون عن سير الحوار).
وتختلف رؤية “بحر” مع المحلل السياسي “بشير الشريف” الذي أكد أن الحوار لا يخرج عن كونه إحدى أذرع الحكومة ليصدر للعالم والقوى الأخرى أنها تطرح مشاكل البلاد وتسعى إلى حلها عبر اجتماعات مطولة وصفها بالصورية التي لا تقدم ولا تؤخر ولا تؤثر بشكل مباشر على السياسات. إلا أن “السماني الوسيلة” عضو لجنة العلاقات الخارجية بالحوار الوطني والقيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي (جناح الدقير) يشير في حديثه لـ(المجهر) إلى الدور المهم الذي لعبه الحوار في تذويب كثير من الحساسيات بين القوى السياسية المختلفة والحركات المسلحة، وأوضح أنه في بداية الحوار كان كل قادة القوى السياسية والحركات المسلحة يسعون إلى نفي كلام الآخرين بأقوى ما يملكون من حديث إلى حد أنها قد تصل إلى اشتباكات لفظية مثلما حدث في بعض لجان الحوار، ولكن بعد ذلك سادت بين كل المتحاورين روح طيبة، وأصبح الحوار يتسم بطابع العقلانية وقبول الآخر، وأكد “السماني” في الوقت ذاته أن الحوار من الممكن أن ينقل البلاد إلى آفاق كبيرة خاصة إذا تم تنفيذ مخرجاته، وكشف عن أنهم الآن يضعون الترتيبات الختامية لصياغة المخرجات النهائية للجنة العلاقات الخارجية.
{ ثم ماذا؟
مع اكتمال حلقات الحوار المجتمعي، وقرب اكتمال الوطني يصبح السؤال إزاء ذلك ملحاً وموضوعياً حول تنفيذ تلك المخرجات التي كانت نتاج جهود شهور طويلة، كما أن سؤالاً أكثر إلحاحاً يبدو منطقياً للغاية عن مصير القوى السياسية المعارضة والحركات المسلحة التي رفضت الحوار منذ بداياته ورهنت مشاركتها بالاشتراطات المذكورة سالفاً، لكن السؤال الأكثر أهمية من هذه الأسئلة يسوق نفسه ليحكم علامة استفهام واضحة: هل يمكن للحوارين المجتمعي والوطني أن يغيرا في الخارطة السياسية والمعيشية للناس مستقبلاً؟ فلننتظر.