رأي

مسألة مستعجلة

التمويل الأعسر!!
نجل الدين ادم
التمويل الأصغر كان إحدى ثمار ما أطلقته الحكومة من برامج لمساعدة محدودي الدخل في توفير مشروعات تعينهم في معيشتهم، ومضى الحال بصورة جيدة وفي كل مرة يوجه البنك المركزي برفع سقف التمويل وقد استفاد من ذلك عدد كبير من الناس.
لا أعرف لماذا قل الاهتمام الرسمي بهذا المشروع الكبير وهو يمثل برنامجاً للحكومة وليس برنامجاً لوزارة المالية أو بنك السودان فحسب؟
تلاحظ في الآونة الأخيرة تراجع كبير في هذا المشروع، والغريب في الأمر أن وزارة المالية نفسها اعترفت بذلك وهي المسؤول عن الإشراف ومعها البنك المركزي.
(أمس) أجرى الزميل “عماد حلاوي” تحقيقاً مثيراً كشف فوضى التمويل الأصغر وكيف أن الهدف تغير من مشروع للمساعدة، إلى مشروع للكسب المالي المبالغ وبصورة منفرة، وأضيف إلى ذلك بروقراطية الإجراءات التي تجعل من العسير الحصول على تمويل أصغر بـ(أخوي وأخوك)، شهور متوالية يجري فيها طالب التمويل بغية التصديق له وفي نهاية الأمر يمكن أن يمنح أو يرفض طلبه أو يقنع ويتخارج، وهذا ما تبتغيه بعض البنوك ليتبقى قلة من طالبي التمويل.
تخيلوا أن قائمة شروط الحصول على هذا التمويل الأعسر إن جاز لي التعبير، وصلت إلى (19) شرطاً في كثير من البنوك وكل منها يعمل بحسب ما يروق له رغم أن المشروع متفق على شكله ومضمونه ويفترض أن لا يختلف من بنك لآخر، حتى البنوك المتخصصة بهذه المهام تجدها تتخندق خلف قائمة مطلوبات ما إن تنتهي من واحد إلا ويطلب منك شرط آخر.
شيك الضمان بات واحدة من الشروط العسيرة في ظل عزوف الناس عن كتابته لمن يرغب في التمويل، فلم يعد هناك شخص يمكن أن يمنحك شيك ضمان بسهولة حتى لو كان شقيقك، ومع هذه الصعوبة التي جاءت نتاجاً لمخاوف البعض من تعسر طالب التمويل في السداد ويصبح هو الضحية، بعض البنوك ابتدعت إيداع وديعة بقيمة التمويل وأخرى اشترطت أن يكون شيك الضمان من ذات البنك، وأخرى أن يغطي شيك الضمان حجم التمويل وهكذا.
بعض البنوك مثلاً تطلب منها تمويل لقاء مشروع، (تحكها) مع العميل بصورة مبالغة وفي نهاية الأمر يصدق له بمبلغ متواضع كأن تمنحه ثلاثة الف جنيه، وتكون الثلاثين الف جنيه التي طلبها الفرد لقاء مشروع واحد تكفي لعشرة أشخاص وتجيء نهاية العام ويكون تقرير البنك هذا (مولنا عدد ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف عميل) معقولة.
نهج التمويل بشكله الحالي لن يجدي ولن يستطيع الراغب فيه الاستفادة منه إذا سلمنا بأنه تجاوز ترسانة الشروط (العسيرة).
التمويل بشكله الحالي لم يعد برنامجاً لمساعدة ذوي الدخل المحدود في تحسين دخلهم، بل صار أمراً عسيراً يمكن تكون عاقبته أكبر سيما وأن هامش الربح الموضوع بات خرافياً.
على وزارة المالية والبنك المركزي أن يراجعا هذا الأمر وتقتنعا ما إذا كانا مستعدين لأن يمضي المشروع في تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها أم لا ؟، حينها يمكن أن يتم إسعاف المشروع بإصلاحات تعيده كما كان، بل أفضل من ما كان عليه، أو أن تختم عليه بالفشل وإعلان النهاية ليكف الغلابة من اللهث وراء حفنة جنيهات لا تسمن ولا تغني من مشروع صغير.. والله المستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية