بعد ومسافة
“إسياس أفورقي”.. تطابق الفكرة مع السلوك
مصطفى أبو العزائم
الرئيس الإريتري “إسياس أفورقي” المولود في العام 1946م، والذي انضم إلى جبهة تحرير إريتريا، وهو في العشرين من عمره بعد خمس سنوات فقط من تأسيسها، ثم أسهم في تأسيس الجبهة الشعبية الإريترية عام 1970م، ثم خرج من الجناح المنفصل عنها عام 1972م، باسم قوات التحرير الشعبية الإريترية بقيادة الراحل “عثمان صالح سبِّي” لينشق عنها فيما بعد مكوناً الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا عام 1977م، ظل أي الرئيس “إسياس أفورقي” متمسكاً بفكرة التحرير وبناء الدولة وفق رؤية سياسية تطورت أساليب تحقيقها مع المتغيرات الجيوسياسية في كامل المنطقة والإقليم، وظلت تربطه علاقات خاصة بالسودان الذي قضى فيه جزءاً من عمره النضالي، حيث عاش بعض أيام معركة التحرير في “الديم” بالخرطوم، وكان صديقاً مقرباً للراحل المقيم الأستاذ “غازي سليمان” المحامي – رحمه الله – الذي عرفه على كثير من النخب السودانية في مختلف المجالات.
السيد “إسياس أفورقي” هو أول رئيس لدولة إريتريا بعد استقلالها من إثيوبيا في مايو 1991م، ولازال يحكم بلاده عن طريق الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، ساعياً إلى تنفيذ برنامج سياسي واقتصادي طموح يهدف إلى استقلال القرار الإريتري تماماً بعيداً عن المؤثرات الخارجية، لذلك عمل وعقب سقوط نظام “منغستو هايلي ميريام” في إثيوبيا بتاريخ الخامس والعشرين من مايو عام 1991م، عمل على تصفية خلافات الساحة الإريترية المتطلعة إلى الاستقلال التام عن إثيوبيا، ثم تحقق النصر التام للجبهة التي يقودها “إسياس أفورقي” على بقية التنظيمات وحركات التحرر الإريترية، وتم الاستيلاء على العاصمة “أسمرا” عام 1993م، وتم إجراء استفتاء في ذلك العام، جاءت نتيجته بإجماع شبه تام لصالح الاستقلال التام. واحتفل الإريتريون في أبريل من ذلك العام باستقلال بلادهم، وكان هناك تحالف بين الجبهة الشعبية مع المعارضة الإثيوبية بزعامة رئيس الوزراء الراحل “ميليس زيناوي” قبل أن يتحول التحالف إلى حرب، وقبل أن تتحول الصداقة إلى عداء.. وكان السودان داعماً أساسياً للثوار في كل من إريتريا وإثيوبيا إلى أن سقط نظام “منغستو” في الخامس والعشرين من مايو عام 1991م.
روى لي الأخ السفير “محي الدين سالم” تفاصيل سقوط نظام “منغستو” وبعض ما خفي عليّ من دور السودان في تعزيز سلطة النظام الجديد في “أديس أبابا”، لكن تفاصيل وخفايا الدور السوداني في تعزيز وإحكام قبضة ثوار إريتريا على العاصمة “أسمرا”، لم أعرف عنه الكثير وربما كان في أضابير الأجهزة المختصة.
بالأمس، شاهدت لقاءً تلفزيونياً مطولاً مع الرئيس الإريتري “إسياس أفورقي” بثة التلفزيون الإريتري تناول فيه أخطر التحولات التي تشهدها المنطقة والإقليم والعالم، وتحدث عن تأييد ومشاركة بلاده في التحالف ضد الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح”. وقال إنه لا يعتبر ذلك تحالفاً إسلامياً بل هو مبادرة سعودية لمحاربة الإرهاب، ومساندة الشرعية. وتحدث عن نشأة الإرهاب والدور الغربي في إنشاء وتكوين الجماعات المتطرفة، والتدخلات لشق الصفوف من باب الدخول عبر الاختلافات المذهبية أو الطائفية. وتحدث عن علاقة بلاده بإيران ومصر ودول الجوار. وشمل حديثه تفسيرات خاصة لمعنى الفوضى الخلاقة وغير ذلك من القضايا مع آراء واضحة وجلية حولها، وآراء أكثر جرأة حول سد النهضة الإثيوبي الذي وصفه بـ(وسيلة ضغط سياسي) يمكن أن تستخدمها إثيوبيا ضد مصر. وقد استشهد بواقعة أو حديث بينه وبين رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل “ميليس زيناوي” أكد فيه على ذلك.
قوة الرئيس الإريتري “إسياس أفورقي” تستند على تطابق فكرته السياسية مع سلوكه كحاكم استطاع إقناع كثير من أبناء الشعب الإريتري بمساندته ودعمه، عن طريق توجهه لمواجهة التحديات الداخلية التي تواجه نظام حكمه، والمتمثلة في محاربة الفقر وتفعيل الإرادة الشعبية نحو البناء، إضافة إلى مقابلة المهددات الخارجية بوعي سياسي شامل، ودعم شعبي أكثر شمولاً.