رأي

معركة الحيلة المكتومة بين الوطني والشعبي!!

بقلم – عادل عبده
معركة حامية الوطيس تدور بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي تحتاج إلى ميكروسكوب حتى ترى بالعين المجردة، حيث يميل الطرفان إلى التحكم على انفعالاتهما وتحركاتهما حتى تكون المنازلة الحامية بينهما أسفل الجليد، فالواضح أن ما يجري بين حزبي “البشير” و”الترابي” يعكس معركة الحيلة المكتومة بين تنظيمين ينتميان إلى أيديولوجية واحدة ويعرفان تضاريس بعضهما بشكل لا يقبل القسمة.
مربط الفرس في الخلاف الصامت بينهما يتمثل في شكل الاتفاق حول مخرجات الحكم، حيث لا يشعر الحزبان بوجود أية إشكالية في التفاهمات حول لجان الحوار الوطني الأخرى التي تشمل السلام والوحدة والهوية والعلاقات الخارجية والحريات والاقتصاد، فالحكم هو صيغة الصولجان والمجد وملاذ السيادة ورعاية العباد، لذلك وجد الاهتمام الزائد والحرب الخفية بين الوطني والشعبي دون سائر القضايا الأخرى على ردهات التحاور الوطني والساحة السودانية.
الشاهد، عندما أطلقت لجنة مخرجات الحكم بالصوت العالي في قاعة الصداقة مقترحات الحكومة الانتقالية، ارتفع الدم في عروق المؤتمر الوطني وانزلق الميزان فكان الرصد الواسع الذي حمل مبررات مبنية على التنصل، ولم يغب عن بال المؤتمر الوطني أن هذا المقترح الذي يتوكأ على عاصفة هوجاء جاء بإيعاز من قائد سياسي يمتلك إحساس التفوق في الذكاء والدهاء في عالم السياسة، وبذات القدر أذهل الأستاذ “كمال عمر” الشارع السياسي بتقاربه مع المؤتمر الوطني عندما انقلب على آرائه القديمة، فكانت التعليقات منقسمة حول الدواعي الحقيقية بشأن تبدل مواقفه، وتزداد الحيرة كلما وضع “كمال” مسحة من التحذيرات القاسية في ثنايا تفاؤله حول جدوى الحوار الوطني والالتزامات الحكومية!!
معركة الحيلة المكتومة بين الوطني والشعبي تدور في غفلة من بقية القوى السياسية الأخرى، وربما التقط الإمام “الصادق” بعض خيوطها عندما لاحت في شكل تحالف ثنائي مباغت في الصورة الإطارية، غير أنها الآن تأخذ منحى آخر فهي معركة الأذكياء الذين ينظرون إلى الفضاءات البعيدة.. يريد الشعبي بقيادة “الترابي” تحكم “البشير” في السلطة خلال الفترة الانتقالية بعد نهاية الحوار الوطني حتى يخبو لمعان المؤتمر الوطني ويزدحم الملعب بلاعبين جدد في إطار صيغة الحكم المقبلة.. ومن جانبها تحاول قيادات الوطني صد الكرة العاتية فإن الاستقطاع القادم سيكون من مخزونها، فالشعبي يدير العملية الحوارية من خلال تكتيك مدروس من رواء الكواليس.
نظلم المؤتمر الوطني إذا لم نقل إن هنالك قيادات بداخله تتحسب للسيناريو المعد من الشعبي الذي يتغطى بقماش من حرير، فـ”الترابي” يريد حلاً لقضية مركزية في البلاد بعد أن وصل إلى مستوى الرمزية السياسية الكبيرة، حيث لا تخلو رؤيته من بعض الحسابات الأخرى الشيء الذي جعل بعض الهموم تنطلق من قيادات المؤتمر الوطني في إطار التطورات الدراماتيكية التي تخرج من باحة الصداقة بفعل الذين يقودون المعركة الصامتة.. فالواضح أن المؤتمر الشعبي هو عراب تفاهمات الحوار الوطني من خلال قراءة متأنية لمحفزات هذه الصيغة الجماعية الوطنية التي ربما تكون بديلاً عن تغيير النظام بأسلوب القوة وجره نحو التفكيك السلس وفتح شهيته بصندوق الانتخابات، مع إسقاط دعاوى المحاسبة وفتح الطريق لمصالحة وطنية لا تحرمه من الاستفادة وقطف ثمارها، وبذات القدر فإن الشعبي يحاول معالجة إشكالية الأحزاب السودانية وترتيب أوضاع المشهد السياسي في بوتقة واحدة مع أشواقه الداخلية، فهو يقدم معالجات واسعة على قالب ذاتي يؤطر لمنافع محسوبة.
شكل الحكم في المستقبل هو القضية المركزية بين الوطني والشعبي كلاهما يحمل تصوراً محدداً.. فالوطني لا يريد أن يخسر الصولجان، فهو يعلم أن صيغة الحوار الجاري تحمل مسوغات مبنية على التنازل المحسوب وسمكرة الأيديولوجية والتفاهم مع المعارضين، بينما الشعبي يريد إعادة تقديم نفسه في قالب ملفت وخلاب يتعطر بالوطنية والمصالح العامة.
المحصلة.. على الطاولة معركة الحيلة المكتومة بين الوطني والشعبي.. من يكسب؟ ومن يخسر؟ وما هي الأوراق المستخدمة في اللعبة الخفية؟ ومن يستعجل النتائج؟ ومن يتحلى بالصبر؟ إنها معركة البراعة السياسية أمام جمهرة المتفرجين في الحوار الوطني بقاعة الصداقة الذين لا يرون شيئاً على طاولة المنازلة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية