حوار الاستيزار
أشعر أحيانا ًبأن الحوار الدائر في قاعة الصداقة؛ الحوار الوطني تختذله بعض الأطراف في البحث عن فرص لمكاسب حزبية ضيقة وطموحات ذاتية؛ قد يكون إحساساً وإنذاراً خاطئاً؛ ولكن من يتتبع آخر الأخبار الواردة من هذا الحوار ومخرجاته الإعلامية في بورصة الأخبار، لا يشك مطلقاً في أن الأمر مرتكز ومركز على أخبار كلها تتمحور على حكومة انتقالية ومرة قومية ومرة عريضة مع حديث عن نسب وأرقام، كان آخرها نسبة تقترب من السبعين بالمائة تخصص وفق أخبار متداولة للأحزاب المشاركة في الحوار الوطني !
{هل قضية السودان وأزمته في الحكم والحكومة؛ هل أزمتنا تحل بمراسيم التعيين وتنصيب فلان واستيزار علان؛ وهل حدوث هذا يعني أن شواغل الناس في الخدمات والتنمية والسلام ستتحقق، وهل كل أفواج الوزراء والدستوريين الذين حازوا هذا اللقب سيأتي أفضل منهم من بين جمهرة المشاركين في قاعة الصداقة. وهل كل الهم الآن قد انتهى ليكون بحثاً عن معضلة اسمها كرسي السلطة؛ الجلوس عليه يعني أن كل الأمور تحت السيطرة وأن الضروع قد امتلأت وأن المروج قد اخضرت ؟!
{الإجابة القاطعة والأكيدة أن مشروع الحوار الوطني مبادرة تتضح لي شخصياً أنها أكبر من استيعاب أطراف كبيرة؛ “البشير” الذي طرح الأمر حتماً كان يبغي منح الجميع حقهم في الشورى وتقديم العون وتفعيل المسئولية الجماعية في شأن الوطن؛ الحكمة ضالة المؤتمر الوطني وسعى إليها ولو كان الأمر تعديلات في أسماء الوزراء ونسب محاصصات الشركاء لفعل الأمر بلا حاجة لهذا الاحتشاد وتكاليفه السياسية والمعنوية، وفي هياكله وبين كوادره من يمكن أن يحدث الفارق تطويراً وتحديثاً ودعماً لمسار الإصلاح الشامل، لكنه فعل حسناً بأن ترك للآخرين مساحة مع التزام من أعلى السلطة بإنفاذ المخرجات ولكن أي مخرجات؟!
{مخرجات ترتيب البيت الوطني؛ طرح معالجات اقتصادية متفق عليها تجمع بين العلمية والواقعية؛ والتراضي على مشروع سياسي وممارسة راشدة للتطور الديمقراطي وضوابط تحرس السلام والتنمية وترفض العنف والاستنصار بالأجنبي؛ مراجعات عميقة للحكم الاتحادي بغرض تقويته وفك كوابح السلبيات عنه؛ قضايا الخدمات بحيث يحظى أي مواطن في أي صقع بالرعاية الطبية والتعليم؛ حوار بالجملة والإجمال يعيد للناس الأمل والتفاؤل يجعل مستقبلهم أفضل وغدهم أروع دون حروب وأزمات حقيقية أو مصطنعة؛ حوار يؤمن البلاد وشعبها ويعبر بها من فوق ظروف الانهيارات الجماعية لدول الإقليم والمنطقة والتي حدثت وتحدث، لأن النخب هناك قد أهمتها انفسها ولم تراعِ إلا مصلحتها.
{الأحزاب والجماعات المشاركة في الحوار نفسها ليست بتلك القدرة – مع حفظنا لإسهامها – التي تجعلها مؤهلة لأن تكون ذات حصة وسلطان في الحكم؛ كلها أو أغلبها بلا أوزان حقيقية؛ بعضها أفرع منشق بأفراد أو أشخاص من أحزاب منشقة تتشقق كل يوم فضلاً عن عائدين من حركات تمرد صنعوا لأنفسهم أسماء ورايات؛ يومياً أسمع عن الحزب الفلاني والجماعة الفلانية ولكن لا تعرف لهؤلاء نشاطاً أو داراً أو عضوية؛ إنما متحدث واحد وزعيم أوحد وكرافتة من طرف السوق وشبر في المنابر، وهذا لا ينجز تشكيل حكومة حقيقية وإنما سيشكل حكومة (ساكت) لا نتاج منها سوى دعم قوائم المعاشيين بصفة دستوري وحشو المؤسسات بمبدأ (زولي وزولك)، وهي تجربة لم تنجز نجاحاً قبل الحوار الوطني أو بعده.
{كثرة التسريبات عن حكومة مخرجات الحوار الوطني لن تحقق سوى حالة قطيعة بينها والجمهور، لأن الظن الغالب سيكون أن المتحاورين اشتغلوا لأنفسهم وفي هذا فقد أحسن المؤتمر الشعبي خيراً حين قال، إنه لن يشارك وهو موقف صحيح أن فيه استعراض إعلامي، لكنه يبقى موقفاً حرياً بالاحترام والإتباع وإن كنت أشك في أن أحداً سيتبعه.
{سيفعل الرئيس خيراً كثيراً إن تدخل بصفته رئيساً لمبادرة الحوار الوطني والراعي وقوم مسار هذا الحدث .. حكومة شنو تاني .. ولمنو وبمنو يا جماعة.