تقارير

القيادي "فتح الرحمن البدوي" مرافق "الشريف حسين الهندي" يروي أسراراً وخفايا من حياته في ذكرى رحيله الـ(34)

هذه تفاصيل التحركات المناهضة التي قام بها بعد الانقلاب المفاجئ لـ”نميري”..
استعان به “عبد الناصر” في حركات التحرر وكلفه بإجلاء الرئيس الكنغو “لبوممبا” بطائرة قادها “حسني مبارك”
جاهر برفضه حل (الحزب الشيوعي) وقام بتحركات ماكوكية ضد القرار
هذه وقائع قرار القيادات الاتحادية بإخفاء “الشريف” بأحد المنازل بـ”الجزيرة”
لهذه الأسباب حمل ثلاثة جوازات بأسماء وجنسيات مختلفة ودول تسابقت على تشييعه
إعداد – زهر حسين
عندما حل يوم التاسع من يناير الجاري كانت الذكرى الرابعة والثلاثون لرحيل الزعيم الاتحادي “الشريف حسين الهندي”، (المجهر) قلبت في الذكرى العطرة فتحت الصندوق الأسود للاتحاديين كما يحلو للكثيرين تسميته للغور في أسرار حياة رجل ملأ الدنيا صيتاً وشهرة من خلال ما قدمه لوطنه مناضلاً منذ حقبة الاستقلال وحتى رحيله التقينا بأحد رفقاء دربه بعد خروجه من البلاد حتى لحظة وفاته بـ”اليونان” القيادي “فتح الرحمن البدوي” استذكر سنوات من حياة الراحل “الشريف حسين”
إفادات عن قرب
القيادي “فتح الرحمن البدوي” بأن “الشريف حسين” ولد في أكتوبر 1924م وتزامن ميلاده مع ثورة اللواء الأبيض، وكان ميلاده بضاحية بري.
والده “يوسف الهندي” أحد الزعماء الدينيين الثلاثة، ووالده على صلة قوية بالسيد “عبد الرحمن المهدي” لأن والده “الشريف محمد الأمين” كان من أنصار الإمام “محمد أحمد المهدي”.
تلقى “الشريف حسين” تعليمه الأول بخلوة والده وحفظ القرآن في عشر سنوات ثم التحق بالمدرسة الأولية ولم يمكث بها غير عام، فالتحق بالسنة الرابعة الأولية، علماً بأنه لم يدرس مواد السنة الثانية والثالثة، وبعدها جلس لامتحان القبول بالمدارس الوسطى، فدخل مدرسة مدني الأميرية التي درس بها عدد من رموز السودان منهم الرئيس “الأزهري” والرئيس المصري “محمد نجيب” والأستاذ “مأمون بحيري” وآخرون.
وبعد ذلك التحق الشريف بكلية “فكتوريا” بـ”الإسكندرية” في “مصر” وزامله بها كل من الإمام “الهادي المهدي” و”مأمون بحيري” و”إسحاق الخليفة شريف” و”كمال عبد الله الفاضل المهدي” و”كمال البرير”.. ومن الزعماء العرب الملك “حسين” والوزير الكويتي “عبد اللطيف الحمد”.
وكان أبوه “الشريف يوسف” قد اعترض على ذهابه لـ(كلية فكتوريا) مرة أخرى لخوفه عليه من الحياة بمصر عندما وجده مزهواً بزيه الإفرنجي، ولكن إصرار كل من السيد “عبد الرحمن المهدي” وخاله “أحمد خير المحامي” على تكملة دراسته، فرجع إليها مرة أخرى بوساطتهما معاً. وكان السيد “عبد الرحمن المهدي” يعامله أسوة بابنه الإمام “الهادي المهدي”.
نجومية “الشريف حسين”
تحدث “فتح الرحمن البدوي” عن نشأة “الشريف حسين” السياسية، وذكر أن لوالده دوراً كبيراً في ذلك وتأثير خاله “أحمد خير” واضح لأنه لازمه وسكن معه في مدني، ومنزله كان ملتقى الوطنيين، وكذلك نادي الخريجين ود مدني، و”أحمد خير” هو فارسه وقائد مسيرته الشبابية والثقافية والاجتماعية والوطنية.
ويضيف محدثنا بأن “الشريف حسين” مارس العمل السياسي من خلال حزب الوطن الذي أنشأه أخوه “الشريف عبد الرحمن الهندي” زعيم السجادة الهندية.. وفي انتخابات 1953م دخل الانتخابات مستقلاً وكان مرشح حزب الوطن السيد “عثمان جاد الله جمعة”، وكان لـ(حزب الأمة) مرشح وللاتحاديين مرشح، وجاءت النتيجة وفاز مرشح حزب الأمة الناظر “قسم السيد عبد الله النور”، بعدها حدثت تطورات في الساحة السياسية أدت إلى دمج حزب الوطن في الحزب الوطني الاتحادي وسبب ذلك زمالة “الشريف عبد الرحمن” مع “شيخ المرضي” في (كلية غردون)، وبعد فترة التقى “الشريف عبد الرحمن الهندي” مع السيد “عبد الرحمن المهدي”، بعدها صار “الشريف حسين الهندي” حراً طليقاً من أي التزام حزبي، وكان كل تنظيم سياسي يتمنى أن يكون “الشريف حسين” في مقدمة قيادته.
(ذبحت القداسة على أعتاب السياسة)..
ويمضي “البدوي” في سرده: كان صديق الشريف حسين، “عبد الرحمن أبو حسبو” يحبب له الانضمام للحزب الوطني ويدعوه بشدة لذلك، وجاءت الفرصة عند انشقاق الختمية من الحزب الوطني الاتحادي وتكوين حزب الشعب الديمقراطي، وكان الاتحاديون بقيادة “الأزهري” ورفاقه يقود حملة على الطائفية السياسية، وكان الدينمو المحرك “يحيى الفضلي” الذي كان له الدور الكبير في رفع شعار (ذبحت القداسة على أعتاب السياسة)، وصار هذا الشعار معزوفة يرددها جماهير الاتحادي الديمقراطي، بعدها أسقط السيدان (الميرغني والمهدي) الحكومة الوطنية الأولى بقيادة “الأزهري” في يوم 4/7/1956م، وبعدها مباشرة في 13/7/1956م تقدم الشريف بطلب للانضمام للحزب الوطني الاتحادي، فرد عليه الزعيم “الأزهري” بقبول الطلب في 11/11/1956م. ويعتبر انضمامه للوطني الاتحادي فتحاً ونصراً، بعدها تقدم الصفوف وجاب السودان شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، حتى أطلقت عليه جماهير الحزب الوطني الاتحادي (الصاروخ).
وجاءت انتخابات 1958م وترشح “الشريف حسين” في دائرة “الحوش الشرقية” بالجزيرة وفاز بها، وبعد أكتوبر 1964م ترشح في انتخابات 1965م بدائرة الحوش الوسطى وفاز بها، وترشح في انتخابات 1967م أيضاً في الحوش الوسطى وفاز بها.
علاقاته السياسية الخارجية:
يقول البدوي: بعد قيام نظام الرئيس الراحل “إبراهيم عبود” 1958م خرج “الشريف” من السودان وعاش في مصر، وكان على علاقة قوية مع “جمال عبد الناصر”، وقد جد فيه قائداً ثورياً في دعم ثوار الجزائر بالسلاح والمال، وكذلك استعان به “عبد الناصر” في “الكنغو”، واستعان به “جمال عبد الناصر” لإخراج الرئيس “باتريس لوممبا” من “الكنغو”، لكن عند وصول “الشريف حسين” وجد أن “لوممبا” تم اختطافه بواسطة (تشومبي موبوتو)، واستعاض عن ذلك بإخراج أسرة لوممبا في الطائرة التي كانت تحمل السلاح لثوار الكنغو رفاق “لوممبا” (جازنجا وكابيلا وآخرين)، وكان يقود الطائرة ضابط جوي سلاح الطيران “محمد حسني مبارك”، وكان له دور فاعل في “الكنغو”، وأشار له السيد “عبد المجيد فريد” في لقاء صحفي.
وامتدت علاقته بثوار جنوب أفريقيا الموجودين في “تنزانيا” بقيادة “نلسون مانديلا”، وحضر “مانديلا” إلى “السودان” في زيارة سرية وعاد إلى “تنزانيا”، وعاد مرة أخرى إلى السودان في زيارة علنية رتبها “الشريف حسين” أيضاً مع خاله الأستاذ “أحمد خير” وزير الخارجية في ذلك الوقت بما عرف عنه من مناصرة رموز النضال وزودهم بوثائق سفر سودانية.
استمر التعاون مع “عبد الناصر” في دعم حركات التحرر في أفريقيا والعالم العربي حتى قامت ثورة أكتوبر 1964م بالسودان، وعاد الحراك السياسي داخل السودان وتصدر المشهد الاتحادي مع الزعيم “الأزهري” و”مبارك زروق” و”المرضي” و”البوشي” وبقية العقد الفريد، وفي حكومة “سر الختم الخليفة” بعد أكتوبر تولى وزارة الري وترك فيها الكثير من بصماته، وفي حكومة السيد “محمد أحمد محجوب” الأولى تولى وزارة المالية، وبعد سقوط حكومة “المحجوب” كلف “الصادق المهدي” أول حكومة استبعد منها “الشريف” من وزارة المالية، والمتابع للقاء “الصادق المهدي” على (قناة الجزيرة القطرية) في برنامج شاهد على العصر الذي ذكر فيه “الصادق” أنه أتى بخبير دولي لوزارة المالية وهو السيد “حمزة ميرغني” بدلاً من الوزير السابق لأنه كان (أمي) في الاقتصاد ويعني بذلك “الشريف حسين”، كان قد أسند إليه وزارة الحكومة المحلية فقام “الشريف” بثورة كبيرة في الامتدادات السكنية وحرض الضباط الإداريين لممارسة سلطاتهم كاملة كما هي في قانون وزارة الحكومات المحلية.
إن الخيانة جاءتنا في حزبنا من أعلى:
يواصل الأستاذ “البدوي” حديثه: كان الوضع السياسي في حالة توتر شديد، وكانت هنالك تحركات تجري ولقاءات عديدة بين مدنيين وعسكريين للإطاحة بالنظام الديمقراطي، وكانت عيون “الشريف” وانفتاحه على المواطنين جعل منه ملماً بكافة المعلومات، فجاءته أخبار الاجتماعات التي تدور في منزل ببحري جوار سينما الحلفايا يحضرها ضباط في الخدمة وآخرون في المعاش وبعض السياسيين.
وكانت الاجتماعات التي تمت في (حلة خوجلي) ومنزل رجل الأعمال “الصادق حجازي” كشف عنها الغطاء دكتور “أحمد السيد حمد” في مذكراته في جريدة (الخرطوم) التي تصدر في الخارج، وطُلب منه التوقف عن نشر تلك المذكرات، وجاءت تفاصيل أكثر في ذلك من “عمر حضرة” و”بابكر عوض الله” و”أحمد سليمان” عن علاقة السيد “محمد عثمان” بهذه الاجتماعات مما دعا “الشريف حسين” بعد انقلاب مايو يقول (إن الخيانة جاءتنا في حزبنا من أعلى).
كشف انقلاب مايو.. وذهابه لـ”ود مدني”:
وتحدث الأستاذ “فتح الرحمن البدوي” عن انقلاب مايو فقال: الأستاذ “إدريس حسن” يعتبر هو أكثر شخص كشف انقلاب مايو، وأوضح كافة التفاصيل الدقيقة عنه، وجاء قرار حل الحزب الشيوعي، وكان “الشريف” رافضاً ذلك ويعتبره مخططاً من الأخوان المسلمين، وقام “الشريف حسين” بتحركات ماكوكية ضد هذه التحركات.
 وعندما قامت 25 مايو 1969م، كان “الشريف” في ذلك التاريخ في (الجزيرة) يجهز لعيد الإنتاج بـ(مشروع الجزيرة)، وكان توقيت الاحتفال بعد حضور الرئيس “أزهري” رئيس مجلس السيادة من (لوساكا)، وكان آخر لقاء للإعداد للحفل مع محافظ مشروع الجزيرة و”الأمين محمد الأمين” رئيس اتحاد المزارعين و”تاج السر عابدون” أمين عام نقابة المشروع، وتم وضع اللمسات الأخيرة وبعدها سافر في ساعة متأخرة من الليل إلى الخرطوم بقيادة عربة من (مشروع الجزيرة) يقودها “كمال النقر”، ونزل منه في استراحة المشروع لأنه كان في حاجة إلى راحة حتى يستطيع متابعة الأحداث، وكان العم “رجب” خفير الاستراحة يقوم بتقديم الشاي والوجبة المفضلة له، وفي لحظات دخل عليه “عباس بابكر” من شباب الحزب (الاتحادي) وهو من (آل صفوت) و(آل شيخ المرضي)، قال له هنالك أمر مهم وهو أنني في طريق العودة من المقرن إلى منزلي بالخرطوم (2) وجدت تحركات عسكرية شديدة، فهب “الشريف حسين” واقفاً وعاد له نشاطه وركب مع “عباس بابكر” في عربته (الكونسول) وطاف على منزل “محجوب” بالقرب من استراحة الجزيرة، فوجده محاصراً بالجيش ثم ذهب للقيادة العامة فوجدها محاصرة وذهب لمنزل الرئيس “الأزهري” فوجده محاصراً كذلك، فعلم من بعض الضباط أن هنالك قطاراً يحمل كتيبة من الجيش فحاول اللحاق بها ولم يتمكن، فذهب مع “عباس بابكر” إلى “مدني” وهي حاضنة وطنية للسياسيين، ولخبرته بمشروع الجزيرة وكثرة تجواله فيه سلك الطرق الداخلية ولم يتخذ طريق مدني الخرطوم، ولم يكن الطريق في ذلك الوقت مكتملاً بل كان على مشارف الكاملين.
فوصل مدني وذهب مباشرة إلى مكتب المحامي الاتحادي “أحمد دهب”، وكان الوقت مبكراً فذهب إليه في منزله، ففي تلك اللحظة أخبرته زوجته أنه ذهب إلى المكتب ورفض استعمال تلفون المنزل، وطلب من “عباس” أن يعود بالعربة لإحضار “أحمد دهب” من مكتبه، استعان السائق بأحد خدم المنزل للوصول للمكتب، عاد الأستاذ “أحمد دهب” إلى المنزل بعد طلب “الشريف” من مرافقه “عباس” العودة إلى الخرطوم حتى لا تثور حوله شبهات، وفوراً عقد اجتماعاً حضره كل من “محمد عبد الله موسى”، “د. أبو عيسى”، “عمر محمد عبد الله”، “عبد الله أبو عاقلة”، “حسنين النصيري”، “عباس كنين”، “دفع الله حسين”، “عبد العظيم عبد الرؤوف”، “عبد الله سكتاب” و”فتح الرحمن البدوي” وآخرين من القيادات الاتحادية، وتكونت خلية ملازمة لتحركات “الشريف”، وأول قرار هو إخفاء “الشريف حسين” بمنزل القيادي “عبد الله سكتاب” بضاحية جزيرة الفيل، وتمت تكليفات أخرى للبعض في الخرطوم والجزيرة أبا وسنار والدمازين، وكلٌ قام بواجبه على أتم وجه، وبعدها تم نقل “الشريف” إلى منزل ومزرعة “عباس كنين” بـ(دار أم بلال) وتم تكوين فريق متابعة يتكون من “عوض الكريم الطاهر”، “عباس كنين”، “الريح البدوي”، “إبراهيم علي البشير” و”فتح الرحمن البدوي”، وكان “الشريف” يرسل رسل لإحضار بعض الشخصيات للتشاور، وبعد ذلك قرر “الشريف” أن يسافر إلى الخرطوم، وكان لابد من وسيلة آمنة لأن خلية تحركات “الشريف” بعلاقاتها مع سلطات الشرطة عرفت أن عربات القيادات الاتحادية تحت المراقبة بواسطة مباحث من الخرطوم، وعليه تم سفره بعربة تاكسي بيجو رقم (3581) ملك لـ”عباس كنين” وبرفقته القطب الاتحادي “الأمين جراد” والسائق على صلة قرابة بـ”الأمين جراد”، ووصل الخرطوم وحضر اجتماعاً بمنزل “عبد الوهاب الشيخ” بالموردة، وحضر الاجتماع كل القيادات وهم “حاج مضوي”، “حسن حمد بابكر”، “بابكر عباس” صاحب الأجزخانة الوطنية وآخرون، وكان اجتماعاً استراتيجياً ومهماً، وكذلك تم اختيار قيادة للحزب من الذين حضروا والذين لم يحضروا وأبلغوا الرئيس “أزهري” في كوبر وأيد التكوين، وبعدها ذهب إلى لقاء السيد “محمد عثمان الميرغني”، وتفاجأ “الميرغني” بوجوده في منزله وكان منزعجاً لذلك، وتم لقاء ساخن مع مولانا “الميرغني” وبعدها عاد إلى (دار أم بلال) يواصل اتصالاته منها، وفي تلك الفترة تسربت معلومة بمكان وجوده، وتم نقاش هذه المعلومة في مجلس الوزراء، وكان مقصوداً “أحمد الشيخ” وكيل وزارة الثقافة والإعلام، وبما أنه صديق “الشريف حسين” أيام الدراسة في “القاهرة” و”الإسكندرية” وتربطه صلة قرابة مع “عباس كنين” أرسل عربة عاجلة لـ”عباس” أن هنالك مداهمة للمنزل والمزرعة، وتم إبعاده إلى مكان آمن آخر وهو (حواشة حامد بلول).
وبدأت إجراءات تحريك إلى “الجزيرة أبا”، ولما كانت عربات القيادات تحت المراقبة، لذا تم اختيار عربة (لاندروفر) للسيد “حسين الخليفة” من أهالي الحوش، وكان يقودها السيد “الريح النور” ومعه فرقة حماية ضمت كلاً من “عبد الرحمن الشريف المهدي” و”الضحوي” في طريقهم إلى “الجزيرة أبا”، وتم وصولهم بسلام إليها، وكان الإمام
“الهادي المهدي” يترقب وصوله في أية لحظة.
وأنزله الإمام “الهادي” في غرفة نومه الخاصة وأحاطه برعايته الخاصة، وتم وضع إستراتيجية مقاومة النظام الشيوعي وفي مقدمة ذلك قيام الترتيبات الخارجية.
من (دار أم بلال) إلى (الحبشة):
حكا ضيفنا وهو يعتبر من أهالي (دار أم بلال) الواقعة جنوب ود مدني، أنهم بصحبة “الشريف” خرجوا من (دار أم بلال)، وقبل خروجهم طلب منهم “الشريف” إحضار ابن أخيه “الشريف الصديق عبد الرحمن الهندي”، وتم الاتفاق معه على وضع خارطة الطريق للهجرة إلى (الحبشة) وما يترتب عليها استعان ابن أخيه بود العيشابي الخبير المشهور في الطرق، وتم ترتيب الخروج من “الجزيرة أبا” قاصداً (الحبشة)، تحرك بعربة يقودها السيد “علي محمد عبيد” ومعهم الخليفة “مصطفى محمد أحمد طه” نائب سنار الشرقية في طريقهم إلى “الكرمك”، وكان الوقت أواخر الخريف، وأقاموا بمشروع السيد علي رجل على الحدود مع (الحبشة)، ثم قام “الشريف” بعبور (خور الردوك) إلى الأراضي الأثيوبية.. قوات الحدود باعتقاله، ولكن عرفهم بنفسه فتمت اتصالات عديدة مع الجهات الأمنية حتى عرف الإمبراطور “هيلا سلاسي” فأرسل طائرة خاصة لإحضاره للعاصمة “أديس أبابا” لأنه يعرفه جيداً حين كان المترجم بينه وبين والده عندما كان الإمبراطور ضيفاً على “الشريف يوسف” في السرايا الصفراء ببري بعد احتلال الإيطاليين لبلده.
وأبدى الإمبراطور استعداده لدعم “الشريف” دعماً كاملاً وفرغ له مجموعة للقيام بكافة الترتيبات/ وكان منها اقتطعت له أراضٍ كبيرة في منطقة (قندر) في (الحبشة)، وتم تجهيزها بكافة المعينات لاستقبال هجرة الأنصار.
ثلاثة جوازات للشريف بأسماء وجنسيات مختلفة:
ويضيف “البدوي”.. بعد أن بدأنا الاتصالات بواسطة الرسل لتدريب الأنصار، وغادر “الشريف أديس” إلى “الرياض” لمقابلة الملك “فيصل” بعد أن زوده الإمبراطور بجواز دبلوماسي باسم “محمد سعيد عبد الله”.. والمعروف أن “الشريف” يحمل جواز دبلوماسي ليبي باسم “محمد سليمان عبد الله”، وكذلك جواز تشادي باسم “محمد صالح عبد الله”، وهو الجواز الذي تمت به إجراءات تشييعه في “أثينا”.
ويلاحظ أنه اختار هذه الأسماء لأن اختصارها باللغة الإنجليزية هو كالتالي (M. S. ABODLLA)، وهو ما سهل له كافة تحركاته في “أوربا”.
وهنا منحه الملك فيصل (250) إقامة حرة استفاد منها تنظيم سياسي موجود إلى يومنا هذا.
والتقى هنالك في جدة مع دكتور “عمر نور الدائم” و”عثمان خالد مضوي”، وبدأ تحرك جسم (الجبهة الوطنية) في الخارج بعد اكتماله في الداخل بـ”الجزيرة أبا”.
رفض النظام الشيوعي والقلق من “الجزيرة أبا”:
وشعر النظام من خلال أجهزته الحزبية والأمنية بخطورة ما يجري في “الجزيرة أبا” في ذلك الوقت كان “الشريف” يدخل السلاح عبر الحدود.
تطورت الأحداث كثيراً وقرر “نميري” زيارة “الجزيرة أبا”، وأرسل ثلاثة ضباط معروفين إلى الإمام “الهادي” ولم يصلوا مع الإمام لاتفاق، وكان قد شرح لهم الاتفاق الذي وقعه مع “الشريف حسين” وكان الاتفاق واضحاً في رفض النظام الشيوعي، وبعدها قرر النظام الاستعانة بالنظام المصري لضرب “الجزيرة أبا” من الجو بقيادة “حسني مبارك”.
وهذه أغرب واقعة هي أن “حسني مبارك” بتوجيه من “عبد الناصر” يتولى تحركات “الشريف” في “الكنغو” لإنقاذ “باترس لوممبا”، وها هو في عهد “السادات” يقود الطيران المصري لضرب “الجزيرة أبا” حليفة “الشريف حسين”.
خرج الإمام ورفاقه بعد ضرب “الجزيرة أبا” في هجرة إلى (الحبشة) ومعه مجموعة من القيادات لأن “الجزيرة أبا” قبل المعركة كانت الحاضنة الوطنية لكل الأحرار.
ويمضى البدوي قائلاً: تم خروج الإمام ومن معه بهدوء حتى الحدود، وكان خروجاً أمنياً من عيون النظام بالرغم من انتشاره في كل مكان.. ويروى أنه اشتبه بهم أحد المواطنين، ذكرت لنا ذلك ابنة المرحوم “الفاضل الهادي المهدي” الذي كان في حاجة إلى (ماء)، لأن الماء الذي معهم انتهى والإمام مصاب بالسكري، من هنا بدأت المعلومات تصل للنظام واتصل أحده مخبراً بوجود مهربين على الحدود، وجاء ضابط البوليس وضابط الحكومة المحلية، وكان الإمام جالساً كما روت ابنه “الفاضل”، وحاول أن يتحرك فأطلق عليه الضابط “طلحة” النار صرخ “الفاضل الهادي” أصيب الإمام، فإلى هذه اللحظة لم يكن الضابط “طلحة” يعرف أنه الإمام، وكانت الطلقة في فخذه ونزف الإمام وتركوه ينزف واتصلوا بالخرطوم، والمعلومة المتداولة أن الخرطوم طلبت منه تصفيته وقتل معه بعض رفاقه ومنهم خاله العمدة “مصطفى” والملازم “الناجي”، واعتقل الآخرون وفي مقدمتهم الشيخ “الكاروري”، وبعدها تكثفت الهجرة إلى أرض الحبشة، وبدأ التدريب الكثيف للمهاجرين تحت قيادة ضباط وضباط صف سودانيين. وبعد ذلك بدأت الهجرة الثانية من (الحبشة) إلى (ليبيا) وأتاحت (ليبيا) كل إمكانياتها تحت تصرف الجبهة الوطنية بقيادة “الشريف حسين”، وكانت جرعة عالية من التدريب العسكري في كل من “الكفرة” والمدرسة الخاصة بـ”بنغازي”، وبعدها بدأ التفكير في قائد لهذا الجيش الشعبي، واستعرضت أسماء كثيرة وأخيراً وقع الاختيار على الشهيد “محمد نور سعد”، وتم الاتصال به بواسطة “عمر نور الدائم” والأستاذ “بكري عديل” الذي كان له دور كبير في ذلك.
بعد ذلك نقل “الشريف” نشاطه إلى دولة “اليونان”، وقام بفتح المعسكرات وتدفق للتدريب أعداد كبيرة، وواصل من هناك لقاءاته الشبابية في “لندن” و”بغداد” و”ليبيا” و”اليونان” و”أديس أبابا” و”دمشق” و”تشاد” و”السعودية” وخاصة موسم الحج الذي كان يعقد به مؤتمرات عديدة مع الحجيج الوافدين القادمين والمقيمين بالمملكة، إلى أن مرض وتوفى في العاصمة اليونانية “أثينا”، حيث أقيمت صلاة الجنازة على روحة في جامعة “أثينا”.
في تلك اللحظة اجتمعت قيادة الحزب، وكان هنالك رأي الذهاب بالجثمان للسودان مباشرة، وهنالك رأي آخر بالاستجابة إلى دعوات بعض الدول الصديقة لاستقبال الجثمان بأرضها.
وفي تلك اللحظة أحضر قنصل السفارة برقية من اللواء “عمر محمد الطيب” نائب رئيس الجمهورية رئيس جهاز الأمن على ضوء معلومات تسربت أن الجثمان سيزور بعض الدول، موضحاً في الرسالة إذا تم ذلك فلن يسمح بدخوله السودان، فكانت هذه البرقية امتحاناً قوياً للاتحاديين المجتمعين.
وعلمت هذه الدول بمضمون الرسالة، فاقترحت “ليبيا” أن يدفن في “طرابلس”، ويقام له ضريح كضريح عمر المختار، وأبدت “العراق” أن يقام له مرقد مراقد آل البيت المدفونين في النجف أو كربلاء، و”السعودية” اقترحت أن يدفن في المدينة بـ(البقيع). فقرر رفاق “الشريف حسين” جميعاً الذهاب بالجثمان لكافة الدول، فقامت “ليبيا” بإحضار طائرة و”العراق” طائرة، فتم الذهاب أولاً إلى “ليبيا”، واستقبل الجثمان استقبالاً كبيراً من السودانيين والليبيين، وأقيمت عليه الصلاة بجامع مولاي محمد بطرابلس، وبعدها التقى “القذافي” بالوفود بقيادة “أحمد خير” وآخرين، وبعدها عدنا إلى “أثينا” وأقلعت بنا الطائرة العراقية إلى “بغداد”، وكانت “بغداد” في حالة حرب مع “إيران” وفتح لنا المطار.
وفي “العراق” قابلت القيادة العراقية بالرغم من اشتعال الحرب جثمان “الشريف”، وكان في مقدمتهم الأستاذ “بدر الدين مدثر” والأستاذ “ميشيل عفلق” والأستاذ “عزت الدوري” وبقية القيادة القومية والقطرية والسودانية.
وبعد معرفة حكومة السودان بطواف الجثمان أرسلت السفارة السودانية الموجودة في “بغداد” بالسماح بدخول الجثمان.
أخيراً وصلت رسالة من السودان بدخول الجثمان شريطة أن يدخل قبل الفجر، ووافق الجميع على الذهاب إلى السودان.
وصول الجثمان الخرطوم
ووصل الجثمان مطار الخرطوم في الساعات الأولى على الطائرة العراقية العسكرية مع تشريفة عسكرية، وأحاطت بنا قوات الأمن كأنهم في معركة، وأحضروا عربة لحمل الجثمان عليها فرفض الأستاذ “أحمد خير” ودخل في خلاف شديد مع مسؤول الأمن الأول، وطالب بحمل الجثمان إما على إسعاف أو عربة نجدة، واحتد الخلاف فحضر اللواء
كمال حسن أحمد” وتفهم رغبة “أحمد خير” فقام بواجب العزاء للجميع وخاصة “أحمد خير”، فأحضر عربة نجدة حملت الجثمان، وبعد أن بعدت وضع في بوكس وغادر مسرعاً إلى سرايا الشريف ببري وأنزلوا الجثمان سريعاً.. هنا قامت سلطات الأمن باعتقال الوفد المرافق وسمحت فقط لـ”صديق الهندي” و”أحمد الشريف الصديق” بحضور مراسم الدفن، فذكرنا لهم أن “أحمد خير” هذا خاله في مقام والده فرفضوا السماح له.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية