حوار مع سفير جوبا بالخرطوم حول مرور عام على ولادة جنوب السودان
يحتفل الجنوبيون، اليوم التاسع من يوليو، بمرور عام على تكوين دولتهم الجديدة واستقلالهم عن السودان. ولكن ومع احتفالهم هذا، فإن العلاقات بين الحكومة في الشمال والجنوب ليست على ما يرام خاصة بعد احتلت قوات الجيش الشعبي منطقة هجليج السودانية، وظلت كثير من الأسئلة، العالقة حول مستقبل العلاقات بين الخرطوم وجوبا، دون إجابة، بالإضافة إلى أسئلة أخرى حول أوضاع الجنوبيين في الشمال وغيرها. وللإجابة على هذه التساؤلات أجرت (المجهر) هذا الحوار مع القائم بأعمال سفارة جنوب السودان بالخرطوم كاو نك موبير.
{ لنبدأ بالحديث الذي قاله نائب رئيس حكومة جنوب السودان، رياك مشار، حول أن الانفصال لم يحقق آمال شعب جنوب السودان بعد مرور عام عليه، وكأنه ندم مبطن على قرار الانفصال عن السودان.. ما هو تعليقك؟
– ما ذهب إليه نائب الرئيس حول أن الاستقلال لم يحقق تطلعات الناس كان صحيحاً، ولكنه لا يعني أن الناس وحكومة الجنوب محبطة من الانفصال.. بل هم فخورون بهذا الأمر، ولكن تطلعات الناس كانت كبيرة وأغلبها كانت غير واقعية. لأن عملية بناء الدولة تحتاج إلى سنوات وسنوات وخطوات طويلة. ولذا فإننا بدأنا بتكوين آليات الدولة من وزارات ودستور، لأنه بلا دستور لا يمكنك أن تبني الدولة.
{…………..؟
– حكومة الجنوب واجهت مشكلة كبيرة وهي متعلقة بعمليات جمع السلاح من المواطنين، والتي لم ننجح فيها حتى بل وتسببت في عدة حروب داخلية في عدد من الولايات مثل جونقلي وواراب وأعالي النيل.. السلاح منتشر بكثافة في أيادي المواطنين والمليشيات.. واكتشفنا أن الجنوب عبارة عن مخزن كبير للسلاح، تخيل أنه خلال سنوات الحرب كانت تتم عملية استبدال البندقية “بجركانة دكوة”.. والمنظمات الحقوقية تمنعنا من تجريد الناس من السلاح بالقوة، وتعتبر هذا الأمر انتهاكاً لحقوق الإنسان.. لذا فإن جل الجهود كانت منصبة حول نزع السلاح لتأمين الأوضاع أولاً.
{ ولكن يا سعادة السفير ومع ما سقته من مبررات، إلا أن كثيراً من المراقبين يعتقدون أنكم دخلتم إلى منطقة هجليج السودانية لتلفتوا الأنظار عن هذه المشاكل الداخلية بمعركة خارجية “وفزاعة” قديمة اسمها الشمال، وحاولتم توحيد الجنوبيين لمحاربة هذا العدو؟.
– هذا الافتراض غير سليم وغير منطقي..لأننا دخلنا إلى منطقة هجليج رداً على الهجمات والقصف المتواصل من الجيش السوداني يومياً على مناطق في جنوب السودان. وعموماً كانت حرب هجليج هي حرب قد دُفعنا اليها دفعاً.. وهي حرب غير مبررة وعبثية.. لأننا نعرف أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وبالتالي كانت هذه الحرب التي راح ضحيتها الكثير من الجانبين. وأقول إن التفاوض والحوار هو أفضل وسيلة لحل أي نزاع بين شخصين، ناهيك عن دولتين. والمنطق أننا نمتلك حدوداً مشتركة ولا فكاك منها، ونحن جيران للأبد، ويجب علينا أن نجد وسيلة للعيش في أمان.
{ ما هي هذه الوسيلة في رأيك؟
– أعتقد من الأفضل أن نعود لاتفاقية الحريات الأربع، التي تم توقيع اتفاق إطاري بشأنها بين البلدين.. وهي اتفاقية سيستفيد منها شعب البلدين في المقام الأول.. وهي ستكون سبباً مباشراً في وقف العدائيات؛ لأننا بتنفيذ هذه الاتفاقية سنقفل الباب أمام أي عمل عدائي.
{ خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات بأديس أبابا اتفق السودان وجنوب السودان على وقف الأعمال العدائية، ووضع إستراتيجية للتفاوض.. هل هنالك من ضمانات بعدم خرق هذا الاتفاق الأخير؟
– أعتقد أن هنالك الكثير من الضمانات، وأولها أن مصلحة الطرفين هي في وقف الحرب والعدائيات والبحث عن سلام دائم. وكان من المفيد أن قيادتي البلدين سواء سلفاكير أو البشير أكدا على أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لبناء السلام. وأرى أننا في حاجة لبناء الثقة وعدم منح الفرص للذين يريدون الحرب ويروجون لها.
{ تحتفلون اليوم بمرور عام على استقلال بلادكم عن السودان.. هل وصل وفد من الجنوب لتقديم الدعوة للمسئولين الحكوميين للمشاركة في هذه الاحتفالات؟
– نعم هذا حقيقي، وأنا جئت من جوبا قبل أسبوع من أجل تقديم الدعوة للرئيس البشير ليشاركنا في الاحتفالات.. وفعلاً قدمت الدعوة لوزارة الخارجية.. وكنا منتظرين الرد.. وكنا أيضا متفائلين بأن الرئيس عمر البشير سيوافق على السفر ومشاركتنا في هذه الاحتفالات في آخر لحظة.. وكلن للأسف لم يحدث هذا.. وحتى الآن لم نعرف إذا كان السودان سيشاركنا هذه الاحتفالات أم لا، سواء بوفد صغير أو كبير.
{ انتم الآن على أعتاب الباب الثاني من عمر دولتكم.. وخلال العام الأول كانت علاقتكم مع الخرطوم غير جيدة، وهذا أمر لم يتوقعه أحد خاصة عندما دخل الجيش الشعبي إلى منطقة هجليج.. والآن ماذا تخططون لمستقبل العلاقة مع الخرطوم.. وهل لديكم خُطط واضحة لتحسين هذه العلاقات؟
– أولاً أنا أؤكد أننا مستعدون لفتح صفحة جديدة مع السودان، وطي كافة الخلافات . وأنا أرى أن أفضل وسيلة لجعل العلاقة بين البلدين تسير بشكل سلس هو تطبيق اتفاقية الحريات الأربع وتنزيل معانيها على الأرض. لأن الحريات الأربع تعطي الحق للمواطن السوداني والجنوبي للعمل والتحرك والتملك.. وطلبي أن الناس من الأفضل أن تعود لهذه الاتفاقية.. وما هي الحدود، ما هي إلا خطوط وهمية.. والجنوب لم يغير رأيه في الاتفاقية ومازال يعتقد أنه الأفضل لحل المشكلات بين البلدين. وبدأنا فعلياً تنفيذ الاتفاقية بمنحنا الجنسية للسودانيين، ولم نطلب من السودانيين المغادرة كما فعلت الحكومة السودانية.و…
{ = مقاطعة= ولكن حكومة الجنوب اتبعت سياسة رد الفعل والمعاملة بالمثل وطلبت من السودانيين المقيمين في الجنوب بالمغادرة وخاصة العاملين في شركات النفط…
– لا، لا، هنالك خلط في الوقائع.. أولاً حكومة الجنوب لم تطلب من السودانيين المقيمين على أراضيها المغادرة.. وهم ما يزالون مقيمين في الجنوب ويتمتعون بحياة كريمة.. وما حدث للعاملين في شركات النفط هو أن الشركات قد توقفت عن العمل وطلب منهم المغادرة لأنهم ليس لديهم عمل، ومتى تعود الشركات للعمل فإنهم سيعودون.. كما أننا لم نوقف الشركات السودانية من العمل في الجنوب. ودونك شركة آيات التي تعتبر أكبر شركة إنشاءات في جنوب السودان، ولم يتم توقيفها عن العمل.
{ أعلنت الحكومة السودانية رسمياً موافقتها على قبول سفيركم الجديد للعمل في الخرطوم.. ولكنه لم يصل حتى الآن ..ما المشكلة؟
– لا توجد مشكلة. والسفير الآن يرتب أوضاعه لاستلام مهامه بالخرطوم بعد ان اكتملت كل شيء.. ومن المتوقع أن يأتي إلى الخرطوم قريباً بعد أن ينال الضوء الأخضر من الرئيس سلفاكير مع بقية السفراء المعينين في عدد من دول العالم.
{ ماذا عن أوضاع الجنوبيين في السودان.. هل هي مستقرة، وكم هو عددهم الآن بعد عمليات العودة الطوعية الكبيرة ؟وأين ينتشرون؟
– منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، فإن عدد الجنوبيين المغادرين طواعية وبطرقهم الخاصة وصل إلى أكثر من (45) ألف شخص، هذا فضلاً عن العائدين عبر الرحلات الجوية والبالغ عددهم نحو 12 ألف شخص. نحن كسفارة لم نجد فرصة للسفر الى الولايات لتسجيل الجنوبيين، ولكن العدد المسجل حالياً وصل الى أكثر من (171) في ولاية الخرطوم، ولا نعرف عدد الجنوبيين في الولايات.
{ كيف هي أوضاعهم، وخاصة أن كثيراً من الجنوبيين العالقين في الميادين العامة ما زالوا يشتكون لطوب الأرض من سوء الأوضاع المعيشية؟
– أوضاعهم بطالة! خاصة خلال الفترة المتوترة أثناء أحداث هجليج .. كان معظم الجنوبيين يعيشون أوقات عصيبة بعد أن أعلنت الخرطوم أن دولة الجنوب دولة عدوة.. وخلال هذه الفترة لم يتم صرف المعاشات للعاملين في الخدمة المدنية.. واضطر بعضهم إلى بيع أثاثه ليعيش.. حتى أننا تلقينا بلاغات وبصورة عامة بحدوث مشكلات مع الجنوبيين بسبب الحرب. والآن الصورة أفضل حالاً من تلك الأيام بعد أن هدأت الأحوال واستقرت الأمور ولو بنسبة تدريجية.
{ ماذا ستفعلون بالنسبة للجنوبيين المقيمين في الميادين العامة.. لقد طال انتظارهم، وبعضهم ظل في مثل هذه الأمكنة لمدة ثلاث سنوات.. هل هنالك خطة واضحة لنقلهم إلى الجنوب.. أو تحسين أوضاعهم المعيشية؟
– نعم. لقد صادق برلمان الجنوب على ميزانية قدرها نحو (50) مليون جنيه من أجل ترحيل الجنوبيين العالقين في الميادين العامة منذ وقت مبكر.. وضعنا الخطط والترتيبات لنقلهم، ولكن توتر العلاقات بين البلدين وإغلاق الحدود والنقل البري والنهري حال دون تنفيذ هذه الخطة. وأعتقد أنه متى ما تحسنت هذه الظروف فإن كل شيء مرتب لنقل هؤلاء العالقين في الميادين العامة.