رأي

الغرض مرض ولا دواء له..!

موسى يعقوب
هزني في الأيام القليلة الماضية العنوان الذي اختارته الصحفية “هويدا حمزة” لتحقيقها الصحفي بصحيفة (الصيحة) عن أسعار الدواء، وهو الموضوع الذي تناوله في اليوم نفسه الصحفي المرموق حسن السمعة والصيت الأستاذ “النور أحمد النور” الذي يعرف كيف يطرق أبواب المشكلات والأزمات ويخرج منها بما يفيد ولا يخدش السلوك المهني وأخلاقيات الصحافة أو حقوق الغير، وإنما يركز على ما يتاح من معلومات.
“هويدا” التي أجرت حواراً وحراكاً عن أزمة الدواء التي تداولتها منابر الرأي مؤخراً.. جعلت عنواناً للحوار المشار إليه (أسعار الدواء.. المافيا تعبث بأرواح المعدمين..!).. وهو عنوان مزعج بحق ومحرك للمشاعر، فمن لا يرد أن يعرف (المافيا) التي تعبث بأرواح المعدمين؟ الكل يريد ذلك بطبيعة الحال وأنا منهم.
عليه ولجت إلى الحوار وغُصت فيه كلمة.. كلمة.. وسطراً سطراً، وأمامي وبين يدي قلم وورقة سجلت عليها الكثير من النقاط التي تستحق وأنا أبحث عن (المافيا التي عبثت أو تعبث بأرواح المعدمين والفقراء من المواطنين المرضى..)، فلم أجد ذكراً أو إشارة لتلك (المافيا) إلا في العنوان الذي كان فضيحة وخروجاً على سلوك وأخلاقيات المهنة الصحفية.
(الصيحة) عبر محررتها “هويدا حمزة” جلست إلى اتحاد الصيادلة والأمين العام لمجلس الأدوية والسموم الدكتور “العكد”، وناقشت معه قضية الزيادة الفجائية في أسعار الدواء.
وأدلى “العكد” في ذلك السياق بمعلومات عن مبادرة من وزير الصحة الاتحادي رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم في فبراير 2013م في اجتماع ببنك السودان المركزي حضره السيد محافظ البنك ومديرو البنوك التجارية وشعبة مستوردي الأدوية وجهات الاختصاص.
وفي تلك المبادرة والجلسة حسب النص في الحوار أطلق بنك السودان قراراً بتخصيص (10%) من الصادرات غير البترولية والذهب لتلبية احتياجات الأدوية المستوردة بالنقد الأجنبي.. وذلك في وقت ارتفع فيه سعر صرف العملات الأجنبية تجاه الجنيه السوداني بعد خروج البترول من موازنة الدولة بانفصال الجنوب.
وكان لذلك كما يعلم الجميع أثره على مخرجات ونتائج المبادرة المذكورة، فقد ظهر وجود عجز يقدر بـ(40%) من فاتورة الأدوية المستوردة، وعندما رفع الأمر إلى مجلس الوزراء في مايو 2015 كانت التوصيات أن (10%) من الصادرات غير البترولية والذهب توجه فقط إلى الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، والمواد الخام للأدوية الوطنية المصنعة محلياً وبقية الأدوية يبقى سعرها متحركاً تبعاً لسعر الصرف الموازي.
هذه كلها سياسات رسمية لها انعكاساتها السالبة والموجبة، ولكن كما قال الدكتور “العكد” رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم للمحررة “هويدا”، فإن المجلس يقوم بطواف دوري على الشركات، وأية شركة لا تلتزم بالأسعار تعرض نفسها للمحاسبة.. فالحبل ليس متروكاً على الغارب..!
وأكثر من ذلك يقول العكد (نحن نعمل مع القطاع الخاص والمستوردين ومصنعي الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، للعمل على طباعة السعر على العبوة الخارجية لنضمن استقرار الأسعار لفترات طويلة، وبعد ذلك تكون الرقابة ذاتية).
وعندما وصلت المحاورة إلى السؤال: برأيك ماذا سيكون صدى زيادة الأسعار على المواطن الغلبان؟
أجابها رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم:
–     على الأقل الأدوية الأساسية لن يتغير سعرها، ولكن تتغير أسعار الأدوية غير الأساسية، ونحن أيضاً على تواصل مع الدولة لزيادة الدعم المقدم للأدوية.
–    ونتابع برنامج أسعار الأدوية المسجلة الذي بدأناه في 2013، فراجعنا عدداً كبيراً فاق الـ1300 دواء وخفضنا أسعارها من (10%-70%) لكن للأسف:
–    يقول “العكد” زيادة سعر الصرف مقابل الجنيه السوداني امتص كل التخفيضات التي أجريناها، فإذا تحسن سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني سيصب ذلك في تخفيض سعر الدواء.
وفي الحوار ذاته وانأ أطالعه كلمة كلمة وسطراً سطراً لخص الدكتور “جعفر محمد عمر حسب الله” المشكل الدوائي وما يثار حوله في أنه لا يحدث بمعزل عما يحدث في البلد.. فالسياسة الخاطئة للدولة كانت نتيجتها فشلاً اقتصادياً وغلاءً وتردياً في الخدمات.
وهذه على كل حال وجهة نظر، إلا أنها تأتِ بأسعار الدواء عما ذهبت إليه الصحفية “هويدا حمزة” وهي تحدثنا عن (المافيا التي تعبث بروح المعدمين) الشيء الذي لم نجده في كل ما خرجت به من أجوبة على أسئلتها وأفكارها من مختصين كبار لهم وضعهم المهني والفكري والعلمي.
الغرض (مرض).. كما يقولون.. وإلا فإن ما أتحفت به قراء (الصيحة) من حوار هادئ كان يمكن له أن يضيف لها ولصحيفتها سجلاً يحتفى به.. فـ(المافيا) التي تعبث بأرواح (المعدمين) لا تجدها في الموضوع الذي كانت بصدده.. ذلك أن في الأمر سياسات وتقلبات اقتصادية محلية وإقليمية ودولية وربما أخرى لها صلة بالإدارة على كافة الصُعُد والمستويات. ومنها السلوك وأخلاق المهنة التي يبدو أنها غابت في صحيفة (الصيحة) ذلك الصباح وهي تعتدي على حرمات الآخرين وحقوقهم.. والله المستعان.

 
 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية