من وحي الأخبار

وداعاً "هاشم الجاز"

غيّب الموت بالأمس الدكتور “هاشم الجاز” الأمين العام الأسبق لمجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية؛ والملحق الإعلامي بسفارة السودان بالدوحة؛ فجع الوسط الإعلامي وشق النعي على تلاميذه وزملائه وعارفي فضل وعيه واستنارته؛ والموت مصير الأولين والآخرين وكلنا واردوه طال الزمن أم قصر؛ حتماً أكيداً ومقضياً ولا نقول إلا ما يرضي الله إناً لله وإنا إليه راجعون، قول صدق واعتقاد يقين.
كان الفقيد عالماً اختصه الله بالتواضع فرفع بذلك صيته ومتن علومه، أدار الرجل مسيرته المهنية بعصامية نبيلة اعتمد فيها على كفاءته، تدرج في مسالك العمل الإعلامي مهنياً ومدرساً ومرشداً، باحثاً وممارساً فكان وفياً لقواعد العمل الصحفي.. اتسم بنبل وخلق جعل حتى من يختلفون معه في الرأي والموقف يحترمون ذلك؛ كان وسيطاً متوسطاً في وسط يمور باتجاهات الرأي ومظان الاعتقاد؛ تفرقت سبلهم لكنها اجتمعت عنده فشهد له بالأمس حين الغياب، الأبعدون قبل الأقربين.. حمل معه للدوحة ذات السمت الوقور وبعد النظر فكان نعم السفير والمثال للإعلامي المكلف بخدمة وطنه.. “الجاز” لم يكن إعلامياً مختصاً وفاعلاً وحسب، بل كان دبلوماسياً عالي الهامة شامخ الأداء مثلما كان معلماً منح المئات من أبناء هذا البلد علمه وتجربته بتجرد مهيب، فكانت حياته في كل فصولها مشاهد من العطاء الثر المتصل.
“الجاز” من مدرسة الرصانة في العمل الصحفي؛ لكل حرف عنده مرجعية ولكل مداخلة له خاصية المعرفة.. لم يكن متطفلاً أو متسوراً بغير علم أو هدى؛ ومثله قطعاً وحتماً ومع تسليمنا بقضاء الله خسارة لا تعوض في ظل ظروف كنا أحوج ما نحتاج فيها لمن هم مثله.. ورغم هذا أقول إن فقده يجب أن يكون دافعاً لكل تلاميذه وزملائه لإعلاء تيار الاحترام ومدرسة الاختصاص.. سنبكي كلنا ونتبارى في النعي والرثاء، لكن الصادق منا من يختار مسيره عبر مرشدات الفقيد ومعالم دربه وصولاً لإعلام الوطن قضيته والحقيقة مشعله.

على الصعيد الشخصي سأفتقد صديقاً ومعلماً وأستاذاً اعتز به.. سأفتقد أخاً تعلمت منه أن هذه الصنعة مهنة نبيلة غالية باهظة التكاليف؛ عرفته منذ سنوات فلم أجد منه سوى التقدير وعامر الوفاء والمودة.. كان إن أرشدك، أرشدك بلطف شفيف، وإن أعجبه منك صنيع أثنى عليك بما يمنح الضوء حتى آخر الطريق.. ولن أفقده وحدي وأثق أن المئات يحسون ما أحس، وقد رأيت الحزن أمس يتقاطر حتى على جوانب الحرف والكلم وبين مسامات النصوص.. إجماع على الفقيد لا يتحقق بالفعل إلا لرجل نبيل.
رحم الله الدكتور “هاشم الجاز”.. واللهم اكرم نزله ووسع مرقده، وارحمنا يوم أن نصير إلى ما صار إليه.. اللهم إنا نسألك أن يكون كل سطر سطره وبحث حققه وعلم ينتفع به أنتجه صدقة جارية له.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية