(المجهر) تروي القصة من الألف وحتى الياء وتورد معلومات عن المتهم الرئيسي
في تفاصيل لم تذكر في حادثة السطو على مجوهرات شركة (مسك الختام)
* المتهم كان يتابع من الصحف أخبار جريمته وردود الأفعال حولها
* محترف تزوير زود المتهم بالوثائق اللازمة وبطاقة علاقات عامة برئاسة الجمهورية
* شقيق المتهم يرشد الشرطة إلى شقته التي خبأ فيها المسروقات
تقرير – منى ميرغني
جريمة في غاية الدهاء .. ذلك كان الانطباع الأول عن حادثة السطو على محل الذهب في أم درمان والتي شغلت الرأي العام، بالإثارة التي جعلت كل الانتباه يتركز حولها، طوال (24) ساعة، هي الفترة التي استغرقتها تفاصيل العملية التي أنهتها الشرطة بالقبض على مرتكبيها واستعادة المسروقات، وهو حدث استقبله الناس بغبطة غير عادية عبر عنها تجمعهم العفوي في سوق أم درمان وإشادتهم بالشرطة التي أكدت أنها بمستوى التحدي الذي جسدته عملية السطو.
عملية السطو على شركة مسك الختام بأم درمان، أعادت للأذهان، عملية مماثلة سبقتها بوقت وجيز، حين تم السطو على محل للذهب في مول الواحة، في عملية لم تخل من دهاء وذكاء، أثارت اهتمام الرأي العام بمتابعتها، وأنهتها الشرطة، بنفس الاحترافية المهنية العالية، وفي وقت قياسي.
عملية اتسمت بالدهاء
العديد من المواطنين شاركهم رجال الشرطة في الرأي بأن العقلية التي دبر بها المتهم الأساس، في حادثة السطو على شركة مسك الختام بأم درمان كانت موغلة في الدهاء، من خلال السيناريو الذي رسمه للعملية والقائم على خداع رجال الشرطة وتحييدهم، بحيث بدت العملية أشبه بالقصص البوليسية التي تعرضها بعض القنوات التلفزيونية، كان ذلك ما جعل من الحادثة بمثابة تحدٍ لرجال الشرطة الذين استنفروا كامل قواهم، منذ تلقيهم البلاغ حتى لحظة الوصول إلى المتهم الرئيسي والمدبر للعملية وبحوزته المعروضات.
تجديد الثقة
حادثة القبض على منفذي محل الذهب (شركة مسك الختام) بأم درمان، ومن قبلها منفذو السطو على مول الواحة، جددت ثقة المواطن السوداني الذي حبس أنفاسه، مرتين وهو يتفاجأ بعمليتي سطو جريئتين، في قلب العاصمة، بأن الشرطة قادرة في الوصول للجناة، في زمن قياسي،على الرغم من التطور الذي شهدته الجريمة والعقليات التي تديرها، مستفيدة من معطيات التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات.
تفاصيل السطو
تعود تفاصيل الحادثة، من بدايتها، بتخطيط من المتهم الرئيسي، في القضية، وهو صاحب مطعم شهير بشارع الستين بوسط الخرطوم، حيث قام في البدء باستخراج تصريح، من الجهات المختصة، لصيانة لمحل الذهب المستهدف. وكان الشاب الذي يبدو أنه في الثامن والعشرين من عمره، قد توجه، من قبل، إلى أحد معتادي التزوير، حيث قام بتزوير عقد الشركة، صاحبة المحل، وبطاقته الشخصية التي تحمل صورته واسمه الحقيقي، وتوجه بها إلى قسم شرطة السوق بأم درمان، حيث قدم طلبه للترخيص بالعمل في وقت مبكر لعمل سياج لمحله، وهو المحل المستهدف بالسطو، بحجة خشيته من إعاقة حركة المرور عمله عندما يحل الصباح، خاصة، وأن المحل يقع في الشارع الرئيسي. وبموجب هذه الحجة المزعومة، تم التصديق للشاب، بعد تقديمه كافة المستندات المطلوبة، (التي تكشف لاحقاً أنها مزورة)، وتم ذلك باعتباره صاحب شركة مسك الختام، الخاصة بالذهب. وقد اكتمل هذا الفصل من التخطيط في فجر يوم (الاثنين) الماضي. ومن ثم توجه الشاب واستجلب عمال لحام، على متن عربة دفار، وبحوزته تصريح الصيانة صباحاً، إلى المحل. وهناك قام بإبراز أمر الصيانة لأفراد دورية الشرطة المرابطة في السوق، لحمايته من السرقات الليلية. وبعد اطمئنان فرد الشرطة، الذي حضر بنفسه إلى المحل واطمأن إلى مباشرة العمال عملهم المحدد، فغادر المكان. ومن ثم نفذ الشاب جريمته، واستولى على (35) كيلو ذهباً، بلغت قيمتها (20) مليار، ثم طلب من الجميع المغادرة، بعد أن بدأت حركة الناس تدب في المكان. كان كل شيء قد تم كما خطط له. وعندما حضر صاحب المتجر الحقيقي اكتشف حادث السطو، فسارع بإبلاغ الشرطة.
تحدي للشرطة
كان البلاغ مستفزاً لرجال الشرطة، إذ أن المتهم، قد عمد إلى خداع الشرطة، في تنفيذ جريمته، مما رفع الحدث إلى مستوى التحدي، لذلك استنفرت شرطة ولاية الخرطوم كافة أفرادها للوصول إلى الجاني، في أقل من (24) ساعة، مدفوعة بعزيمة إضافية، تتمثل في التغلب على ذلك التحدي وتجاوزه. ومع أن البحث عن الجاني، في تلك الساعات من الصباح أشبه بالبحث عن (إبرة في كوم قش)، فسرعان ما بدأت الخيوط تتجمع، بين أيدي الشرطة، عندما كشف أحد المصادر أن المتهم كان قد طلب منه تزوير عقد للشركة المنكوبة. وأدلى المصدر بمعلومات قيمة سهلت للشرطة الوصول إلى الجاني الذي اتضح بأنه يمتلك مطعماً فاخراً بشارع الستين. كان العقل المدبر للجريمة موجوداً في مطعمه، وهو يتصفح الجرائد، ويتابع أثر جريمته وردود الأفعال حولها،عندما تمت مداهمته من قبل الشرطة، وتفتيشه وتفتيش المكان والعربة (الكلك) التي كان يستقلها في جميع تحركاته، حيث تم العثور بحوزته، على بطاقة لرئاسة الجمهورية بوظيفة علاقات عامة، إلى جانب فاتورة السيخ والزنك التي اشترى بها المواد التي استجلبها لصيانة المحل. كان بمثابة الخيط الثاني، الذي دل على المتهم وكان الأخير متماسكاً وثابتاً في إنكاره لكافة تفاصيل الجريمة التي حدثت. فرفض- في البدء- تفتيش شقته، عندما بدأت التحريات معه، لكن أرشد شقيقه إلى مكان الشقة بامتداد ناصر، حيث عثر على جميع المسروقات. بالرغم من عثور كافة المضبوطات بحوزة الشاب إلا أنه ظل متمسكاً بموقفه بإنكاره ارتكاب الجريمة .
مؤتمر صحفي عاجل
أضحت القضية منذ وقوعها شغل الناس الشاغل، وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي التي احتشدت بالكثير من القصص ومن التفاصيل والروايات المتضاربة، والتي أثارت قدراً من التشويش على الواقعة، وأشاعت حالة من القلق وسط المواطنين، الأمر الذي دعا شرطة ولاية الخرطوم لعقد مؤتمر صحفي عاجل، في وقت متأخر من ليلة أمس الأول، تم نقله مباشرة عبر تلفزيون السودان، ولاية الخرطوم، لتمليك كامل حقائق العملية للمواطنين .
عتاد شرطي لتأمين العاصمة
كشف مدير شرطة ولاية الخرطوم، الفريق “محمد أحمد علي”، في المؤتمر الصحفي، بأنه رد، بالحرف الواحد، من اللحظات الأولى لتلقيه البلاغ، مطمئناً، المبلغ بالقول (إن شاء الله حقكم برجع). وأوضح أن وزارة الداخلية والشرطة قد حشدت (100) دورية لتأمين العاصمة، خلال عطلة رأس السنة وأعياد البلاد بالاستقلال، كأجراء استباقي في مواجهة وقوع مثل هذه الجرائم التي تعتبر خرقاً للعملية التأمينية. وقال إن الشرطة فور تلقيها البلاغ، أعلنت حالة الاستنفار القصوى، فكان الإنجاز. وأبان بأن المتهم – بعد القبض عليه- لم يقر بالجريمة، بالرغم من وجود الفاتورة التي تثبت تورطه بشراء المواد الخاصة بعمل السياج. واعترف الفريق “محمد علي”، أن الجريمة التي نفذت كانت في منتهى الذكاء والدهاء.
اعتراف بالذكاء
ومن جانبه، أقر مدير عام الشرطة السودانية الفريق “هاشم عثمان” في كلمته، أيضاً، بأن المتهم يمتلك عقلية إجرامية، درس من خلالها كافة الترتيبات لجريمته. وأشار إلى أن مثل هذه الجرائم تقع في الدول المتقدمة، وأن عملية اكتشافها تتطلب زمناً. وأضاف أن الأمر في السودان كان مختلفاً، مشيراً إلى تفكيك طلاسم تلك الجريمة، قد تم بمجهود رجال الشرطة وإخلاصهم في النية. وقال إن تلك ليست هي المرة الأولى، التي يتم فيها مثل هذا الإنجاز، والذي يحقق، في الواقع (شعار أن لا جريمة ضد مجهول).
عدة رسائل في الإنجاز
قال وزير الداخلية، الفريق “عصمت عبد الرحمن”، إن هذا الإنجاز يحمل عدة رسائل لكل من تسول له نفسه أن يرتكب جريمة، وأن هذا انتصار كبير للمباحث والشرطة السودانية. وقال إنه لم يساوره أي شك في إمكانية الوصول إلى المجرم الحقيقي، وأن هذا يؤكد أن الشعب السوداني آمن في بيته ونفسه وماله وعرضه، وأن قوات الشرطة أثبتت أنها تستحق الدعم، وأنها قادرة على حماية المواطن واستقراره.
ثقة تامة
بالمقابل كان لصاحب الوجعة “محمد أحمد العيش”، صاحب شركة مسك الختام، رأي مماثل، فقد أكد في حديثه، أنه كان واثقاً من أن الشرطة سوف تسترد المسروقات في زمن وجيز، مؤكداً أن ثقته لم تتزحزح قط، في أن الشرطة هي دائماً اليد الباطشة للمعتدين والمجرمين، وهي العين الساهرة على أمن المواطن وحمايته.
غمة وانزاحت
ووصف رئيس شعبة الطاقة واتحاد أصحاب العمل “أبو القاسم حسن” الجريمة بأنها كانت غمة وانزاحت بفضل جهود المباحث.
أختام وبطاقة مزورة
ووفقاً لمصادر (المجهر) فإن من بين الموقوفين،على ذمة القضية محترف تزوير، ضبطت بحوزته أختام وبطاقة تخص رئاسة الجمهورية.
مجهود يوازي الجريمة
بالرغم من العقلية التي دبر بها صاحب المطعم جريمته إلا أن مجهود رجال المباحث برهن القدرة العالية التي فككت بها الشرطة غموض الجريمة وطلاسمها، بما يفوق قدرات المجرم الذي علمت (المجهر)، بأنه ثبت من خلال التحريات الأولية معه، أنه لم يسجل كصاحب سوابق في دفاتر الشرطة، وأنه استخدم عمالاً عاديين باستئجارهم لعمل الصيانة المزعومة، دون أن يكون لهم دور. ويبقى السؤال ما هي دوافع ارتكاب هذه الجريمة؟ ولماذا تم استهداف هذا المتجر بالذات، دون بقية متاجر الذهب؟ وهي تساؤلات قد يفصح عنها المتهم ، عند يقر ويعترف بارتكابه الجريمة، بضوء الأدلة المتوفرة، فحتى كتابة هذه السطور، رفض المتهم الإدلاء بأي تفاصيل وبقي على موقفه بإنكار ارتكابه الجريمة.