"محمد بحر" رئيس حركة (شهامة) الدارفورية لـ(المجهر)
مكثت ثلاث سنوات منتظراً تنفيذ الإعدام.. وهذا ما كنت أفعله بـ(سجن كوبر)
الدم السوداني أغلى من المزايدات.. وشهامة ستتحول إلى حزب سياسي في هذه الحالة..
حوار- محمد إبراهيم الحاج
ربما لا ينبئ الشيب الذي تسلل برفق على رأس “محمد بحر” رئيس حركة شهامة الدارفورية عن عمر حقيقي للشاب الذي دخل معترك الحياة السياسية باكراً التي جعلته يرى أشكالاً مختلفة من التجارب الحقيقية التي يمكن وصفها بالقاسية ورمته في غياهب السجون لمدة ثلاث سنوات منتظراً تنفيذ حكم الإعدام بعد معركة الهجوم على أم درمان، ورغم ذلك يبدو الشاب الأنيق المظهر الذي لا تفارق البسمة محياه محتفظاً بهدوء وثقة قد يكونان أبرز ما يميز شخصيته متحدثاً لبقاً مرتب الأفكار لا يتلعثم في الحديث، ويبدو أنه ملم كذلك بكثير من التفاصيل عن عمق الأزمة الدارفورية.
(المجهر) جلست إلى “محمد بحر” رئيس حركة شهامة الدارفورية وأدارت معه حديثاً حول مشاركتهم الأخيرة في مؤتمر الحوار الوطني، وعن السنوات التي قضاها في سجن كوبر منتظراً تنفيذ حكم الإعدام، وعن مآلات الحركة في حال توصل المتباحثون في القاعة إلى حل مرضٍ، إلى مضابطه
{ ما هي الأسباب التي قادتكم للاقتناع بفكرة الحوار؟
– جربنا العمل المسلح قبل ذلك، وشاركنا في أقوى محاولة حقيقية لتغيير هذا النظام بالقوة في 10_5_2008 بالهجوم على أم درمان، وقرأنا المشهد وما يدور حولنا في المحيطين الإقليمي والدولي، ووجدنا في النهاية أن العنف لا يحل مشكلة الوطن، وإذا وصلنا بالعنف فإن غيرنا أيضاً سوف يسلك ذات المسلك بالتالي يصبح الحوار هو المخرج الموضوعي عشان كل أهل السودان يتواضعوا على رؤية وفقها يتحاكموا أو يحكموا بلدهم، ولا أعتقد أيضاً أن هناك تنظيماً سياسياً يكون عنده فرصة للحوار ويرفضها، أيضاً من 15_11_2011 لدينا رؤية منشورة تتحدث عن الحل الشامل الذي يقوم على توافق كل أبناء الوطن على منهج تدار به البلد، وهذه هي الأسباب التي جعلتنا حركة نوافق على الحوار رغم أننا غير موقعين على أي اتفاق حتى الآن، ونفهم جيداً أن هذا الحوار ليس للمحاصصة أو لمقاسمة الوظائف وإنما لإرساء منهج استراتيجي لإدارة البلد ولذلك أتينا.
{ بعد مضي أكثر من شهرين على بداية الحوار.. هل تعتقد أنه ناقش قضايا مهمة بعقل وذهن مفتوح؟
– على مستوى الطرح في اللجان الست نقدر نقول إننا قدمنا رؤية أكاديمية منهجية من مختصين في تلك اللجان، ولنا مندوب في كل لجنة بتخصصه ومقتدر وقدمنا تجربتنا، ولكن نقول إن ما يدور داخل أروقة الحوار هو حوار ليست لديه سقوفات أو قيود وأي تنظيم يطرح كل ما يؤمن به في مشروعه السياسي الذي يرى أنه يحل قضايا الوطن في المحاور المطروحة بكامل حريته دون حجر أو رقابة عليه في أن يقول ما يراه أو حد القول، ثم تتفاوت بعد ذلك قدرات التنظيمات الموجودة وفقاً للتراكم المعرفي لأي تنظيم، ونقدر نقول حتى الآن دخلنا مرحلة المخرجات، تقريباً شارفت عرض رؤى التنظيمات المختلفة على الانتهاء تماماً، والآن تتم صياغة المخرجات النهائية، وحتى الآن نؤكد أننا كحركة راضون عن سير الحوار.
{ ما هي أبرز القضايا التي دفعتم بها في الحوار في شكل التغيير السياسي أو السلطة أو الهوية؟
– نفتكر أنه في محور الهوية التي نأمل أن تكون التوصية النهائية هو أن نتوافق على الهوية السودانوية، وهي أننا كسودانيين شعوب متعايشة ومتجانسة في رقعة جغرافية تقع داخل أفريقيا، لدينا تراكم معرفي كبير جداً يجب أن نتجه نحو السودانوية وأفريقيا وطننا.
{ ماذا تقصدون بالسودانوية؟
– نقصد بها إن صح التعبير ثقافة التعايش بين المجموعات الاجتماعية والجغرافية المتنوعة التي عاشت في انسجام داخل السودان خلال الحقب الماضية وكونت المزاج والإرث السوداني الموجود الآن، نحن لسنا عرباً… لسنا أفارقة بالتعريف الممكن يكون في بقية الدول العربية أو الأفريقية تعريف لديه محددات موضوعية معروفة.. نحن بلد فيها تداخل وتزاوج كبير بين الدماء وبالتالي تنتفي عندنا كحركة مسألة النقاء العرقي في السودان تماماً لأن الغالبية من شعب هذا البلد يتحدث اللغة العربية كلسان أول ويدين بالإسلام الوسطي المعتدل، وأي قطع للأمة السودانية في أن يقولوا إنهم عرب بالقطع مشكلة، أو أنهم أفارقة.. نعم لكن وفقاً للتطور الطبيعي بالنسبة لهم في رقعتهم الجغرافية ومجموعة الثقافات التي تواثقوا عليها أنها الأفضل للتعايش فيما بينهم.
{ كثيرون يقولون إن حركة (شهامة) ليس لها وجود فعلي في الميدان؟
– نحن حركة مقاومة ابتداء.. تيار جماهيري اجتماعي ثقافي سياسي قومي التكوين وإنساني الغاية يهدف إلى تكوين دولة المواطنة، وبالتالي يكون قياس أهمية الحركة إذا كان بالوجود العسكري والاشتراك في معارك كبرى، أعتقد أننا ساهمنا مساهمة كبيرة في هذا المجال خلال العقد الماضي، أما إذا كان النقاش حول المناوشات _نحن نسميها مناوشات لأننا نعتقد أن أي صراع لا يؤدي إلى تغيير النظام في المركز تصبح هذه مناوشات نحن لا نشارك فيها، ولدينا قواتنا موجودة على الأرض _نحن حركة مقاومة تطبق أعلى معايير الضبط لاستخدام القوة لأنه يجب أن تستخدم لإحداث تغيير حقيقي، ولكن أن تدمر حياة الناس واقتصادهم وتسفك دماء في أطراف البلد البعيدة التي ليس لها تأثير على أطراف القرار… نحن مابنشتغل شغل بالشكل ده، ولدينا قواتنا موجودة والحركات الموجودة على الأرض تدري ذلك.. نعم صحيح لم ندخل في معارك منذ فترة طويلة مع الحكومة لأننا نفتكر أن الدم السوداني أغلى من المزايدات، ولكن مهمة الحرب هو أن نصل إلى طاولة الحوار الذي يحقق المساواة على مستوى التحاور بين أبناء السودان، وأعتقد أن هذا هدف أنجز الآن، ومسألة عندنا وجود عسكري، فلا أعتقد أن اعتراف الحكومة بالحركة فيه نوع من المزايدات وتتصل بها على مدى 12 سنة الماضية معروف قيمة الحركة وكسبها في الميدان.
{ تقول (الدم السوداني أغلى من المزايدات) رغم أنك كنت من المشاركين في الهجوم على أم درمان؟
– نعم معركة أم درمان كانت معركة إستراتيجية وهي أقوى محاولة جادة على مدى ربع قرن لتغيير النظام في الخرطوم والقاصي والداني واحتسبنا عدد كبير جداً من أعضاء الحركة بسبب الوحدة والاندماجية بين (العدل والمساواة) و(شهامة) في 2006 وأعلن عنها في 2007 بموجبها أصبحت نائب لرئيس الحركة و(العدل والمساواة) وأمين عن إقليم كردفان، ولاحقاً بعد خروجي من كوبر كنت محكوماً بالإعدام مكثت نحو ثلاث سنوات في زنازين الإعدام، وعندما خرجت كنت رئيس وفد الحركة في مفاوضات الدوحة قبل أن تنفض الشراكة بينا وبين (العدل والمساواة).
{ تحدث لنا عن الفترة التي مكثتها في كوبر تنتظر الإعدام؟
– مكثت ثلاث سنوات منتظر تنفيذ الإعدام.
{ وكنت تعرف وقتها أنه محكوم عليك بالإعدام؟
– نعم كنت أعرف ذاك.. وإدريس شقيقي الأصغر تم إعدامه في 14 سبتمبر 2014 لذات القضية.
{ كيف أحسست بالندم بمشاركتك في الهجوم على أم درمان وأنت في زنازين كوبر تنتظر الإعدام؟
– لم يحدث ذلك البتة.. فترة الانتظار في تنفيذ الإعدام تقوي يقينك، ونحن نعلم سلفاً أن هذه الروح ملك لله تعالى، وهو الذي أعطاها وهو الذي يأخذها ولا يستطيع كائن من كان في الدنيا أن يأخذ روح أي مخلوق وهذه قضية اعتقادية مفروغ منها، فترة الانتظار زادتني رسوخاً ويقيناً في أن القضايا العظام تستدعي تضحيات جسام، ولذلك كنت راضٍ عما تم في سبيل هدف أسمى هو استقرار هذا الوطن ووحدته ونمائه.
{ ألم تراودك كوابيس الإعدام ليلاً؟
– أبداً والله.. لكن كانت فرصة في أن أتيحت لي مساحة كبيرة من أمهات الكتب.. وفي هذه السانحة أحيي زملائي الذين لا يزالون في زنازين الإعدام، ونأمل بخواتيم هذا الحوار أن نخرجهم ونخرج الوطن من أزماته.
{ درست بالخرطوم.. ما هي تفاصيل التحاقك بحركة (شهامة)؟
– أصلاً أنا كنت في حركة شهامة، صحيح كنت أدرس هنا ولكن كنت في شهامة منذ تأسيسها وعندما تم استشهاد مؤسسها في 2004 ومن قبل استشهاده كان هناك تواصل بيننا وبين (العدل والمساواة)، وبعد الاستشهاد استمر التواصل وتوافقنا على عمل مشترك، وطرح في البداية التعاون أو التنسيق ثم جاء بعده فهم التحالف.. لكن مشينا لأبعد من التحالف في أننا نتفق على مجمل الأهداف ونتفق على الوسائل، إذن المسميات لا تصبح عقبة في أن يوحدوا جهدهم في بناء تنظيمي واحد وفقاً لبرنامج عمل مشترك وبناء على ذلك هذا ما تم.
{ هل تعتقد أن قيام استفتاء دارفور في الوقت الحالي أمر صائب.. أم إن من شأنه إثارة النعرات القبلية؟
– بوصفي كنت رئيس وفد التفاوض لحركة (العدل والمساواة) في “الدوحة” وعلى اطلاع جيد بـ(وثيقة الدوحة) ذاتها التي ورد فيها الاستفتاء أولاً يجب أن يقال استفتاء بالمطلق.. هو استفتاء للوضع الإداري لدارفور.. وهذا يختلف والاستفتاء لأهل دارفور ليقرروا هل يريدون أن يكونوا إقليماً واحداً أم ولايات متعددة، وعندما نعود إلى أننا أمام أزمة في كل أجزاء الوطن، ولكن دارفور في العقد الأخير دفعت ثمناً أغلى من غيرها في هذا الصراع نعتقد أنه أسلوب مقبول في ظل انعدام البدائل الأخرى لنصل إلى قرار ماذا يريد أهل دارفور، ولا أجد تخوفاً في أن يثير أية نعرات قبلية لأنه استفتاء على أي القبائل تحكم أو أي القبائل هي الأحق بدارفور، ولكنه استفتاء حول ما هو النظام الإداري الأمثل لحكم دارفور وفقاً لرؤية أهل دارفور أنفسهم، ولهذا لا أتخوف من هذا الأمر.
{ ما هو الوضع الأمني والسياسي الآن بدارفور؟
– لازالت الأزمة الإنسانية وأزمة الحرب إجمالاً.. ربما أن العمليات العسكرية اهدأ قليلاً خلال الفترة السابقة، ولكن يصعب أن يقال إن هناك أمناً مطلقاً في دارفور مثلما هو موجود في بقية أرجاء الوطن.. نسبياً الوضع الآن أفضل، الآثار الإنسانية لا زالت تواجه صعوبات.
{ ما هو رأيك فيما آلت إليه نتيجة المفاوضات في الفترة الأخيرة بين الحكومة والجبهة الثورية؟
– الخلاف حول المحاصصة وليس حول القضايا الكلية للوطن لأن الذي يدور الآن في (قاعة الصداقة) من حوار وطني هو أعمق مما يدور في قضايا التفاوض، والمناشدة التي يمكن أن أقدمها لإخواني في (الجبهة الثورية) والحكومة هو أن يغلبوا مصلحة الوطن على مصلحة الحزب.
{ لكن الحوار ذاته تنعته عدد من القوى السياسية بأنه محاولة لكسب الوقت من الحكومة لتوسع من دائرة المشاركة فيها؟
– افتكر 26 سنة من التجارب ومحاولات إسقاط النظام.. النتيجة هي أن الحكومة لازالت موجودة والمعارضة لا تزال موجودة، ولم يقض أي من الطرفين على الآخر.. المحصلة معاناة وضيق وشظف في العيش للمواطن، لا أعتقد أن من حق التنظيمات السياسية أن تأخذ كل الوطن رهينة لرؤاهم..الآن توجد مساحة لأي تنظيم أن يأتي ويعبر عن رؤيته وفقاً لقوة المنطق، فالذي يرفض هذا الأمر مع احترامي لرؤيته ولكنه يقلل مساحة القبول بالآخر.. وإلقاء الاتهامات بدون تقديم بدائل موضوعية للحل لا أعتقد أنه يغير من الواقع شيئاً.
{ هل تعتقد أن الحوار يمكن أن يحل مشاكل البلاد؟
– نعم.
{ لماذا؟
– أنا معايش هذا الحوار.. قدمنا أوراقاً ونلتقي التنظيمات المختلفة وعندنا تجربة امتدت لأكثر منن عقد من الزمان مع المعارضة.. ولنا تصور معقول حول أزمة الوطن وكيف يمكن أن تعالج.. الآن يدور تلاقح فكري قوي بين أبناء الوطن وبين نخبة من علمائه لتقديم حلول موضوعية ومنهجية وغير مقيدة بأي سقف غير سقف الحقيقة والعلمية.. كل المفاوضات التي تدور في الخارج تدور حول المحاصصة بين التنظيمات وليس حول أمهات القضايا الوطنية.
{ ولكن كثيرين يعتقدون أن الحوار محاولة لتقريب الإسلاميين وإنشاء حلف قوي بينهم؟
– أولاً شهامة لا علاقة لها بالإسلاميين وهي تيار يمثل كل المدارس الفكرية الموجودة، والآن عندنا نخبة من الدكاترة موجودون معنا لم يكونوا في الحركات الإسلامية يوماً.. نعم هم مسلمون ولكن ليسوا إسلاميين كتنظيم سياسي.. وبالتالي يجب أن نكون دقيقين عندما نطلق تصنيفاً على التنظيمات.. ونحن وفقاً لبرنامجنا نسعى لدولة مواطنة هذا من جانبنا.. من جانب آخر من السهل أن تلقي التهمة ولكن من الصعوبة أن تكون موضوعياً وتورد أسانيد لإثبات هذه التهمة من عدمها.. وما يدور الآن ليس حواراً بين الإسلاميين وليس لتمديد أمد بقاء المؤتمر الوطني في السلطة والكلام الذي يدور ويطرح هنا أعتقد أنه لن تبقى على دولة حزب أو منظومة فكرية أو سياسية واحدة.. إعطاء المؤتمر الوطني إحساس بأنه أذكى من الآخرين يعود ذلك لضعف المعارضة.
{ هل أنت من ضمن لجنة للاتصال بالرافضين الحوار من الحركات المسلحة؟
– لا.. سمعت ذلك.. ولكنني لست من ضمن أعضاء اللجنة وسمعت أيضاً أنني في لجنة 7 زائد 7، ولكن أيضا لا علاقة لي بها.. نحن فقط مشاركتنا في لجان الحوار الست.. وبصفتي رئيساً للحركة أتابع مجريات الحوار وعملية التقييم اليومي مع شركاء الحوار، ولكنني لست في أي لجنة من لجان الحوار الأخرى.
{ إذا توصل الحوار إلى مبادئ اعتمدتها الحكومة.. هل سوف تتركون العمل المسلح المعارض؟
– نعم.. لن نترك العمل المعارض ولكن سنترك العمل المسلح.. لأن البندقية أساساً تقود الناس إلى الحوار في القضايا الكلية للخروج بمنهج كيف يحكم هذا البلد وهذا يدور الآن.. التحدي الماثل أمامنا أن تكون المخرجات بنفس قوة المخرجات.. أي أن لا يتم أي نوع من أنواع التلاعب أو الغش لمخرجات النهائية.. وأعتقد وفقاً للمنهج المطروح الآن يصعب ذلك والتحدي الثاني هو أن تطبق هذه المخرجات وفقاً لمبدأ الوجدان السليم وإن أكملنا هذه المخرجات ودخلت مسألة التنفيذ ستتحول (شهامة) إلى حزب سياسي.
{ وبذا تكونوا قد توصلتم إلى سدرة منتهاكم؟
– لا العمل السياسي هو عمل ديناميكي ننتهي من مرحلة وننتقل إلى أخرى وتظل قضايا الوطن متجددة بتجدد احتياجات المواطنين والشعب.