تقارير

د."أبو كشوة": التحدي الأكبر هو إعداد الشباب مستقبل البلاد بخريجين مؤهلين ومتخصصين في حقول المعرفة المختلفة

ارتفاع عدد الأساتذة والباحثين إلى (13656) و(55%)  منهم حملة دكتوراة
تقرير – فاطمة عوض
بالرغم من زيادة أعداد الجامعات بالبلاد وتزايد أعضاء هيئة التدريس ومراكز البحوث في هذه الجامعات، إلا أنه لازال البحث العلمي متخلفاً عن ركب التقدم التكنولوجي، وشهد تراجعاً في الكم والنوع في السنوات الأخيرة، وذلك لضعف الطاقات البحثية وقصور التدريب لتنمية الموارد البشرية وقلة الموارد المالية المخصصة. كما تلاحظ في مخرجات البحث من الجامعات السودانية، رجحان كفة المجالات العلمية (الزراعية – الطبية والصحية) على العلوم الإنسانية والاجتماعية، رغم قلة تكلفة البحث العلمي في هذه المجالات وكثرة أعضاء الهيئة التدريسية فيها. ويشمل الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي الدعم الحكومي والذي ينحصر حالياً في دفع الأجور والمرتبات والقدر اليسير من الإنفاق على التسيير، ويندر أن يشمل ذلك الإنفاق على البحوث في الجامعات.
ويعاني البحث العلمي بالجامعات من قلة التمويل وعدم استقراره وتواصله وتضاؤل العون الخارجي، إذ يتراوح الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات  الكبيرة من مواردها الذاتية ما يعادل (200-350) ألف دولاراً أمريكياً سنوياً. من جانب آخر فقد قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتمويل عدد من بحوث الأساتذة خلال الأعوام 2004- 2014م، في القطاعات المختلفة بميزانية تفوق ما يعادل (6) ملايين دولار أمريكياً.
وأكدت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي د.”سمية أبو كشوة” اتجاه وزارتها لتأسيس فترة قادمة فيها إصلاح مؤسسي للاستفادة من موارد الدولة وترشيدها في مجال البحث العلمي وتوسيعه، ليشمل البحوث الأساسية والتركيز في البحوث التطبيقية لحل قضايا التقدم الشاملة لمجالات العمل والإنتاج، والاهتمام بانتقاء الباحثين وإعدادهم في إطار الدراسات العليا. وقالت إن التحدي الأكبر هو إعداد الشباب مستقبل البلاد بإعداد خريجين مؤهلين ومتخصصين في حقول المعرفة المختلفة بتوفير البيئة الأكاديمية والنفسية والاجتماعية الداعمة للإبداع والتميز والابتكار، وصقل المواهب وتعميق العقيدة الإسلامية وقيمها الروحية والأخلاقية، بجانب تعزيز الانتماء الوطني والقومي الذي قالت إنه ما يعرف بضمان جودة مخرجات التعليم العالي، لافتة إلى أن العلم ظل يتغير والمعرفة الآن تتجدد في سرعة مذهلة. وتساءلت كيف للتعليم العالي أن يهيئ هذه البيئة التي يتنبأ بها العلماء .
واقـــــــع البحــــث العلمــــي في مؤسســـات التعـــليم العــالي:
البحث العلمي هو الذي يميز الجامعات دون غيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى، وحسب البروفيسور “أبو الجوخ”  فهو يثري العملية التعليمية ويعتبر من أهم المؤشرات لتقويم وتصنيف الجامعات، ورغم أن البحث العلمي ليس مسؤولية وزارة بعينها، وإنما مسؤولية الدولة كلها ويشاركها في ذلك المجتمع، إلا أن الجامعات تعتبر من المؤسسات المهمة لإحداث التغيير والانطلاق بالمجتمع عبر إنتاج ونشر المعرفة، إذ بها أكبر تجمع للعلماء والباحثين.
وبثورة التعليم العالي عام 1990م، زادت مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من (19) مؤسسة في 1989 إلى (131) مؤسسة في 2015. وانتشرت في مختلف أنحاء القطر بكلياتها وتخصصاتها المختلفة ليربو عدد المؤسسات الحكومية منها على (34) جامعة حكومية و(19) كلية تقنية، و(14) جامعة و(64) كلية جامعية تحت مظلة التعليم العالي الأهلي والأجنبي والخاص.
وزاد عدد الأساتذة والباحثين بمؤسسات التعليم العالي زيادة كبيرة خلال الخمس عشرة سنة الماضية وتم تأهيلهم، فقد ارتفع عددهم من (2,151) في 1991/1992 إلى (13,656)  في 2014/2015، منهم (7,526) من حملة الدكتوراة بنسبة (55%).  كما زاد عدد طلاب الدراسات العليا على مستوى الدكتوراة والماجستير والدبلوم العالي من (1,668) إلى (55,317) طالباً.
ويقول البروفيسور “أبو بكر علي أبو جوخ” في ورقته التي أعدها حول البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي (الواقع والآفاق)، أن واقع البحث العلمي يمثل مؤشراً مهماً لمدى مسايرة الدول للتطور، وفي عالمنا الحديث يعول كثيراً على البحث والتطوير لإحداث النقلة المرجوة من الاقتصاد المرتبط بالموارد الطبيعية إلى اقتصاد المعرفة والابتكار.
نشـــــأة وتطـــــــور الـبـحـــث العـلمــــــي فــي الســـــــــودان
بدأ البحث العلمي بمفهومه الحديث في السودان في مطلع القرن العشرين ببعض الجهود المحدودة لتحسين السلع والمواد الأولية ومراقبة الجودة، وكان أن أنشأت الإدارة البريطانية في عام 1900م  وحدة للمحاجر البيطرية اهتمت بمسح وتشخيص أمراض الحيوان، فقد قامت بدراسات جيدة لمرض الطاعون البقري والأمراض المتوطنة الأخرى.
وأكد “الجوخ” أنه في عام 1902م أنشئ معمل (ويلكمْ للأبحاث) لدراسة ومكافحة الأمراض المعدية وأمراض الطفيليات السائدة في المناطق الاستوائية والتي كانت تفتك بالإنسان والحيوان، وفي عام 1904م أنشئت أول وحدة مستقلة للبحث الزراعي لمراقبة جودة المحاصيل الزراعية وحمايتها من الآفات، وأدمجت في عام1919م في مصلحة الزراعة وفي عام 1927م أنشئت (معامل إستاك) التي جمعت بين مهام إجراء التحاليل المخبرية الجرثومية والكيميائية خاصة في مجال الصحة العامة.  وتواصل التطور ليشهد العام 1968 قيام هيئة للبحوث الزراعية وهي تعد من أكبر المؤسسات البحثية في السودان، وفي عام 1970م أنشئ المجلس القومي للبحوث لوضع سياسة قومية وإستراتيجية للبحث العلمي لخدمة خطط الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضم عدداً من المجالس البحثية المتخصصة لتطوير البحث العلمي بالتنسيق مع المؤسسات البحثية المختلفة بما في ذلك الجامعات. وكان يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية. ولأسباب هيكلية وإدارية ومالية، ألغي المجلس القومي للبحوث عام 1991م ليحل محله المركز القومي للبحوث لإجراء البحوث العلمية والتدريب عبر مراكزه المختلفة.
وشهد عام 2001 قيام وزارة العلوم والتقانة وقد ضمت كل الهيئات والمراكز البحثية التي كانت تتبع للوزارات المختلفة، ومن مهامها الرئيسة دعم وتطوير البحث العلمي. وفي عام 2015 أعيدت هيكلتها، وحولت لوزارة العلوم والاتصالات. وآلت تبعية تلك الهيئات والمراكز البحثية إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وإلى وزارات أخرى، كانت تتبع لها في السابق. وفي عام 2006 تم اختيار السودان مقراً لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية.
وفي مجال التعليم العالي افتتحت مدرسة كتشنر الطبية في عام 1924م. وتمثل الفترة من 1938م -1940م معلماً هاماً في تاريخ البحث العلمي في السودان، إذ أنشئت عام 1938م مدارس القانون والطب البيطري والزراعة، وتبعتها مدرسة العلوم الهندسية في العام 1939م والآداب في 1940م، وتطورت هذه المدارس فيما بعد إلى كليات مما ساعد في إثراء البحث العلمي بالكوادر المؤهلة وتطوير مناهج وطرق البحث العلمي.
وشهد عام 1956م قيام جامعة الخرطوم كجامعة مستقلة تمنح درجاتها العلمية المعترف بها عالمياً وتوفر الكوادر وتهيئ إمكانات أكبر للبحث العلمي، فزخرت معاملها بالأجهزة والمعينات، والمكتبة بالمراجع والدوريات، وتلا ذلك إنشاء جامعة أم درمان الإسلامية عام 1975م ثم جامعتي الجزيرة وجوبا عام 1975م كأول جامعتين إقليميتين، بهدف ربط الدراسة الجامعية والبحث العلمي بالبيئة ولتلبية احتياجات المجتمع المحلية.
وبقيام ثورة التعليم العالي عام 1990م، تعددت الجامعات الحكومية وانتشرت في مختلف أنحاء القطر بكلياتها وتخصصاتها المختلفة، ليصل عدد الجامعات إلى (34) جامعة حكومية و(19) كلية تقنية حكومية. كما شجعت الدولة قيام جامعات وكليات للتعليم العالي الأهلي والأجنبي لتصل حالياً إلى  (14) جامعة أهلية، و(64) كلية جامعية.
أعداد الأساتذة والباحثين وطلاب الدراسات العليا (1991 – 2015)
وبلغ عدد أعضاء الهيئة التدريسية (13656) هذا العام 2015 مقارنة مع (2151) عام 1992 وحملة الدكتوراه (7526) بدلاً من (848) عام 1992 وطلاب الدراسات العليا بلغ عددهم (55317) مقارنة مع (1668) وطلاب الدكتوراه (10205) بعد أن كانوا (85)، وطلاب الماجستير (38163) طالباً بدلاً من (989) وطلاب الدبلوم العالي (6949) بعد أن كان عددهم (594)، حيث تم تأهيل (2,913) من المحاضرين ومساعدي التدريس من (11,098) بنسبة (26%) في العام 2014/2015 .
بقيام هذه المؤسسات وزيادة عدد الأساتذة والباحثين فيها, توسعت الدراسات لمسح إمكانيات البلاد وثرواتها الطبيعي، وتعددت البحوث التطبيقية في مختلف المجالات الزراعية والهندسية والطبية وأيضاً البحوث الأساسية في الفيزياء والكيمياء والرياضيات، بالإضافة إلى البحوث الاقتصادية والاجتماعية والتربوية وأبحاث اللغات.
وأجريت في الجامعات السودانية (5252) بحثاً في عام 2006 و(6161) في عام 2007 و(3,384) في 2010 و(7,279) في 2014، على مستوى الدكتوراة والماجستير والدبلوم العالي إضافة لبحوث الأساتذة المتخصصة.
  معوقـــات البحـــث العلمـــــي في مؤسســات التعـــليم العــالي
أكد بروفيسور “الجوخ” ارتفاع مؤسسات البحث العلمي المختلفة وعدد الباحثين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع ثورة التعليم العالي. ورغم أن البحث العلمي ليس مسؤولية وزارة بعينها، وإنما مسؤولية الدولة كلها ويشاركها في ذلك المجتمع، إلا أن الجامعات تعتبر من المؤسسات المهمة لإحداث التغيير والانطلاق بالمجتمع عبر إنتاج ونشر المعرفة إذ بها أكبر تجمع للعلماء والباحثين، إذ يبلغ العدد الكلي لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السودانية الحكومية والأهلية، في العام 2014، (13,656) أستاذاً منهم (7,526) في مرتبة الأستاذ المساعد فما فوق. إلا أن البحث العلمي في هذه الجامعات لم ينطلق كماً ونوعاً، فقد تضافرت عدة عوامل منذ منتصف السبعينيات في القرن الماضي أثرت مجتمعة تأثيراً مباشراً وبالغاً على مستوى مخرجات البحث العلمي في الجامعات السودانية، منها عدم وجود أولويات وخطط تفصيلية لإستراتيجية البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وعدم تنزيل تلك الخطط التفصيلية المبنية على إستراتيجية البحث العلمي بالوزارة، وغياب الخطط البحثية في معظم مؤسسات التعليم العالي، وعدم التقيد بإستراتيجية  البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وضــعف التمـــــويل، حيث أن المعدل العالمي  (2- 3.5%)  من الدخل القومي في الدول المتقدمة، بينما في العالم العربي (0.2%)  بما في ذلك السودان، وقد وعدت الدولة مراراً برفعه إلى (1%) ليوافق الحد الأدنى الموصى به عالميًا، بجانب عدم رصد الميزانيات للبحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي وضعف الاهتمام بالمعاهد والمراكز البحثية بتلك المؤسسات. وتقلص العون الخارجي، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في المساعدات الفنية وصعوبة النشر محلياً لعدم انتظام الدوريات لأسباب مالية، وعالمياً لعدم مواكبة الأبحاث المرتبطة بالتنمية المحلية مع متطلبات النشر في المجلات العالمية، فضلاً عن ضعف الاستفادة من نتائج البحث العلمي لغياب التنسيق بين الجامعات والجهات المستفيدة من تلك الأبحاث، وعدم وجود الآلية المناسبة للاستفادة من مخرجات البحث العلمي وضعف التحفيز المادي والمعنوي للباحثين المتميزين في كثير من الجامعات، وهجرة الكثيرين منهم لتحسين ظروفهم الاقتصادية.
الرؤية المستقبلية للبحث العلمي في مؤسسات التعــليم العالي
أكد “أبو جوخ” ضرورة توافر إرادة والتزام سياسي بمحورية البحث العلمي تدفع به إلى موقع الصدارة في استراتيجيات وسياسات وأولويات الدولة.
وإعادة هيكلة منظومة البحث العلمي بإنشاء مجلس أعلى للبحث العلمي يوفر قواعد البيانات ويعمل على تحديثها ويضع الاستراتيجيات القومية للبحث العلمي ويحدد الأولويات ويوفـر ويوجـه التمـويل، ويكثف التنسيق بين جميع المؤسسات والمراكز العلمية والبحثية بجانب إعداد خطة للارتقاء بالبنيات الأساسية للبحث العلمي في الجامعات ولتنمية الموارد البشرية،  وتوفير التدريب العلمي والإلمام بمهارات البحث العلمي ورفع وعي المجتمع بدور البحث العلمي في التنمية وتطوير الإنتاج وزيادة التمويل الحكومي للبحث العلمي، وإنشاء صندوق يساهم فيه القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وتشجيع الاستثمار في البحث العلمي وإقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص وتخصيص ميزانيات مناسبة للبحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي، فضلاً عن تعزيز التعاون الدولي في البحث العلمي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية