العميد (السلفي) وأحد أعيان (الهمج) "محمد يونس" .. هل يقصم انسلاخه ظهر التمرد بالنيل الأزرق ؟
الحركة الشعبية في عين عاصفة الانشقاقات
الخرطوم – عقيل أحمد ناعم
حالة من الارتباك والتضارب في الأقوال أصابت الناطق باسم ملف السلام في الحركة الشعبية قطاع الشمال “مبارك أردول” وهو يُعلق في إحدى مجموعات موقع (الواتساب) على خبر انشقاق أحد أكبر قادة الحركة السياسيين والعسكريين في النيل الأزرق، العميد “محمد يونس” عن الحركة والتحاقه بركب المحاورين للحكومة السودانية.وبدا أن “أردول” تفاجأ بالخبر أو أنه كان صادماً له، فقد عمد الرجل في البداية إلى نفي الخبر تماماً وكيل المدح للقائد (المفترى عليه) كما وصفه، وبعدها بأكثر من ساعة عاد ليؤكد أن الخبر صحيح حاملاً معه بيان الحركة بالنيل الأزرق الذي أكد الواقعة، ولكن هذه المرة لجأ “أردول” والبيان إلى تقليل قيمة الخطوة وقيمة العميد المنشق نفسه وإلحاق الإساءة به على عكس ما كان منه حين نفى خطوة الانشقاق.في حين أن أطراف أخرى احتفت بالخطوة لحد وصفها بأنها (قاصمة الظهر) للجيش الشعبي بالنيل الأزرق.
انشقاق وعزل (مسبّب) وإعلان وقف إطلاق النار
في بيان بثته وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) أعلن من أشار إلى نفسه بأنه اللواء بالحركة الشعبية “محمد يونس بابكر” انسلاخه من الجيش الشعبي قطاع النيل الأزرق، مع إعلان وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر في الولاية والانسلاخ من الجبهة الثورية. ومضى البيان المذيل باسم اللواء “يونس” و(آخرون) إلى تأكيد تخلي أبناء النيل الأزرق عن أجندة الجبهة الثورية المرتبطة بقضية دارفور وبقية القضايا القومية. وقال نصاً (ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻣﻨﺬ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻫﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﺍﻷﺯﺭﻕ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻘﻀﻴﺔ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻷﺧﺮﻯ). وأعلن البيان عن خطوة أكثر جرأة ـ وإن لم يكن لها أثر فعلي أو قيمة على الأرض ـ بعزل القائد العام للجيش الشعبي “مالك عقار”. وهذه النقطة تحديداً عمد “أردول” إلى التقليل من قيمتها باعتبار أن القائد المنشق لا علاقة له بقيادة الجيش الشعبي، وأن “عقار” نفسه لا علاقة مباشرة له بقيادة الجيش الشعبي رغم إقراره بأنه القائد العام للجيش، لكنه أشار إلى أنه منصب سياسي أكثر منه عسكري،لافتاً إلى أن القائد الفعلي للجيش هو رئيس هيئة الأركان “جقود مكوار”.
رواية الحركة واضطرابها
أما الحركة الشعبية وكما هو متوقع كان لها رواية مختلفة رغم تأكيدها انسلاخ العميد “محمد يونس”، وهي الخطوة التي سمتها (استسلام العميد محمد يونس) لحامية ديم منصور التابعة للقوات المسلحة الحكومية، وأتبعتها بإيراد معلومات تهدف لاغتيال شخصية الرجل والتقليل من الخطوة التي أقدم عليها، وصلت حد التشكيك في نزاهته واتهامه ببيع (تعيينات) ـ مؤن ـ الجيش الشعبي، رغم أن الناطق باسم الحركة “مبارك أردول” قبل أن يأتيه تأكيد الخطوة وفي نفيه لانشقاق العميد “يونس”، كال المديح للرجل ووصفه بأنه (ضابط ملتزم ومنضبط ويحفظ مكانه بين رفاقه). في السياق ادعت الحركة في بيانها الصادر عن قطاع النيل الأزرق أنها على علم مسبق باتصالات “يونس” مع الحكومة لكنها لم توضح لما لم توقف اكتمال الخطوة ومنع الرجل من الالتحاق بالحكومة. وقد أورد البيان نصاَ (العميد سابقاً بالجيش الشعبي “محمد يونس بابكر” بدأ اتصالاته بالقوات الحكومية خلال العامين السابقين، وكانت معلومة ومرصودة لقيادة الحركة الشعبية، وقد بدأت اتصالاته بعد أن أجري له مجلس محاسبة عندما قام ببيع تعيينات جنود الجيش الشعبي حينما كان يعمل في دائرة الإمداد، وتم استبعاده من الجيش الشعبي وكلف بمهام مدنية بعد مناقشة أجرتها معه قيادة الحركة الشعبية. واتفقت القيادة على عدم فصله من الحركة الشعبية لأنه من قدامى الرفاق وبغرض إتاحة فرصة ثانية له لتحسين مسلكه). وأشار البيان إلى أن “يونس” تم تكليفه بمهام مدنية في منطقة (أورا) . ونزع البيان عن “يونس” ومن معه القدرة على عزل القائد العام للجيش الشعبي “مالك عقار”، واعتبر البيان أن المكان الطبيعي للمنشقين هو جانب الحكومة قائلاً “حديثه لوكالة سونا وحده كافٍ ليحكم الراي العام عليه، ومحمد يونس راح وإستراحت منه الحركة الشعبية والجيش الشعبي فقد كان ينقل معلومات باستمرار عن الحركة الشعبية والجيش الشعبي، والآن قد ذهب إلى حيث ينبغي له أن ينتمي). وفي ما يشبه التحذير من مآلات الالتحاق بالحكومة ذكّره البيان بمصير من سبقوه إلى هناك بالقول: ” (نتمنى له موفور الصحة ونذكره بأنه يعلم إننا نعلم خطط القوات الحكومية، وإن كان لا يعلم مصير الذين ذهبوا إلى الخرطوم فعليه الاتصال بالعمدة أبو شوتال).
من هو العميد “يونس”
لم يكن المهندس الزراعي والموظف بالشركة العربية بمنطقة (أقدي) ـ قبل أن يترك مهنة التعليم ـ أنه سيكون بطلاً لهذه الأحداث الدرامية، فالرجل لا ينتمي للجهات الفكرية والسياسية التي تؤمن بجواز الخروج على الحاكم حتى لو بالكلمة دعك من حمل السلاح في وجهه، فهو سلفي التوجه ومنتمٍ تحديداً لجماعة أنصار السنة المحمدية، انضم إلى الحركة الشعبية العام 1996م وأصبح مسؤولاً عن مكتبها بالنيل الأزرق، ليتولى بعد توقيع اتفاقية السلام (نيفاشا) بين الحكومة والحركة الشعبية مهام المعتمد لمحلية الرصيرص، ثم معتمداً لشؤون الرئاسة بالولاية. وقبل أحداث النيل الأزرق الأخيرة ـ التي عاد بعدها الوالي “مالك عقار” للتمرد مرةً أخرى ـ بثلاثة أشهر انتقل العميد “يونس” للجيش الشعبي. وهو منتمٍ لقبيلة (الهمج) إحدى أكبر القبائل بالولاية .
تأثيرات الخطوة.. هل هي قاصمة الظهر؟
من الطبيعي أن تقلل الحركة الشعبية من قيمة انسلاخ العميد “محمد يونس” على الأوضاع العسكرية والسياسية على الأرض بالنيل الأزرق التي تشهد انتشاراً وسيطرة أقل للحركة، فقد أكدت أنه لا علاقة له بالجيش الشعبي بعد تعرضه لمجلس المحاسبة وتكليفه بمهام مدنية، إلا أن أحد أبرز قادة الحركة السابقين وأحد أبرز رموز ولاية النيل الأزرق والعليم بتحركات الحركة وتكتيكاتها على الأرض، والموالي حالياً للحكومة وأحد مكوك قبيلة (الهمج) المك “عبيد أبو شوتال” له رأي مخالف تماماً لرأي الحركة، مؤكداً أن انشقاق العميد “يونس” سيكون له تأثير كبير جداً ومفصلي في مسارات العمل المسلح في النيل الأزرق لدرجة أنه وصف الخطوة بأنها (قاصمة الظهر للتمرد بالنيل الأزرق). وأكد في تصريح لـ(المجهر) أن “يونس” صاحب ثقل كبير جداً بالنيل الأزرق، مشيراً إلى أن جيش الحركة في النيل الأزرق يعتمد بصورة أساسية على المقاتلين الشرسين من أبناء قبيلة (الهمج). وقال(الهمج هم المجموعة المقاتلة والشرسة التي يعتمد عليها الجيش الشعبي بالنيل الأزرق لحسم المعارك). وسخر “أبو شوتال” من محاولة الحركة الشعبية تقليل قيمة انشقاق “يونس” وخروجه من صفوفها قائلاً (هذا مجرد ادعاء لتبخيس انحيازه للسلام فهو إن أتى لوحده سيكون تأثيره كبيراً جداً).
القبيلة على الخط
باعتباره عمدة و(مك) لواحدة من أكبر قبائل النيل الأزرق حرص “أبو شوتال” على تأكيد تأثير انسلاخ أحد أبرز أبناء الهمج عن الحركة الشعبية على مجمل القبيلة وعلى أبنائها المنتمين للحركة الشعبية. وقال (هذه الخطوة ستدفع أبناء القبيلة المقاتلين في صفوف الحركة لاتخاذ ذات الخطوة). وأضاف مفاخراً (الهمج الآن خالية من التمرد تماماً)، مشيراً إلى أن قبيلته تمثل المكون الأكبر من الجيشين الحكومي والشعبي.
اتصالات قبل عامين
وكشف “أبو شوتال” أن انشقاق “يونس” ورفاقه كان متوقعاً حدوثه قبل عام بسبب ما سماها (ممارسات “عقار” و”عرمان” واضطهادهما لقادة الحركة). وأشار “أبو شوتال” إلى أن الاتصالات مع “يونس” بدأت منذ ما يزيد عن العام. وقال (أخرناه حتى يخرج مع أكبر عدد من المقاتلين وللحفاظ على حياتهم).