مسألة مستعجلة
في ذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان
نجل الدين ادم
اليوم تحل علينا الذكرى الـ(60) لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان، حيث صوّت جميع النواب في تلك الجلسة التاريخية لاستقلال السودان بمن فيهم الجنوبيون الذين كانوا يتحفظون على تمرير القرار دون أن يحصلوا على ضمانات بنيل إقليمهم الفيدرالية، لكنهم التزموا صف الجماعة فخرج التصويت بالإجماع.
في كل عام دأب مجلس تشريعي ولاية الخرطوم على إقامة احتفال بالذكرى في مبناه الذي كان مقراً للبرلمان القومي قبل أن ينتقل إلى أم درمان في حقبة الرئيس الأسبق “جعفر نميري”، ذلك البرلمان الذي جاء بالاستقلال كانت كل الولايات ممثلة فيه، حيث إنه كان قومياً بالمعنى الحقيقي.. الاحتفال الرمزي الذي يقوم به برلمان ولاية الخرطوم وهو برلمان يمثل سكان ولاية واحدة كان الأجدر أن يقوم به البرلمان القومي بتشكيلته العريضة، وقد لاحظت أن المجلس الوطني وهو البرلمان يقتطع خمس دقائق لا تزيد ليقف فيها النواب بهذه الذكرى ثم يواصل من بعد ذلك جلسته المعتادة، لكن حدثاً مثل إعلان الاستقلال من داخل البرلمان يفترض أن يجد اهتماماً بعظمة المناسبة من الشخوص المعنيين وهم النواب الذين يمثلون كل البلد، وليس من ولاية واحدة تحتفي وتعظم الذكرى من واقع المكان وهو مكان إعلان الاستقلال.
صباح اليوم سيحتفل مجلس تشريعي الخرطوم بالمناسبة في احتفال كبير يعظم الذكرى، والبرلمان القومي في عطلة أسبوعية رغم أنهم هم المعنيون، وسينتظر المجلس الوطني حتى (الاثنين) المقبل ليأخذ خمس دقائق من زمنه للتعبير عن الذكرى! وربما تكون الجلسة بعد يوم (الاثنين).
تمنيت لو أن المجلس الوطني الحالي استشعر عظمة المناسبة وعدل عن التقاليد التي وجدها بأن نواب تشريعي الخرطوم هم من يحيون ذكرى إعلان الاستقلال من البرلمان القومي.
ولاية الخرطوم مشكورة، فهي تعمل في كل عام على الإحياء الكبير للذكرى من تلقاء نفسها، وأتمنى أن تستمر وتستفيد من عظمة المكان وتقيم احتفالاتها على النحو الذي اعتادته، لكن مطلوب من المجلس الوطني أن يستشعر ما قام به رصفائه من برلمان الاستقلال ويستذكر تلك المناسبة ويعطيها حقها ومستحقها.
التحية في هذا اليوم 19 ديسمبر للرعيل الأول من جيل التضحيات، الذي جاء باستقلال البلد من قبضة الحكم الثاني.. التحية لكل هؤلاء المناضلين وقد أهدونا نموذجاً من وحدة المصير وهم يقررون في ساعة الصفر أن السودان للسودانيين وأن الاستقلال ينبغي أن يأتي بالإجماع دونما أي شذوذ من شخص، علينا أن نأخذ العبر من ما أحدثه ذلك الجيل من انقلاب في البلد وهم يطردون المستعمر الإنجليزي عنوة والفنان الراحل “حسن خليفة العطبرواي” يغني من كلمات الشاعر الراحل “يوسف التني”:
(يا غريب يلا لي بلدك.. يلا يلا لي بلدك
يلا لي بلدك سوق معاك ولدك لملم عددك
انتهت مددك وعلم السودان يكفي لي سندك).
هكذا أخرج الرعيل الأول الغريب وجاء الاستقلال، لكن حلت الحروب اليوم وبات هاجسها أكبر من هم الاستعمار.. أتمنى أن تعود علينا الذكرى القادمة وبلدنا قد طوت سيرة الحرب والاقتتال وحل السلام والأمان.. وكل عام والجميع بألف خير.