رأي

مسألة مستعجلة

 مفارقات اعتداء على المال العام
نجل الدين ادم
قرأت أمس في تقرير المراجع العام لولاية “الخرطوم” أن جملة الاعتداء على المال في الأجهزة والوزارات في الولاية خلال عام بلغت ((392 ألف جنيه فقط، يعني بالجنيه القديم (392) مليون جنيه..!
 التقرير الذي عرض على المجلس التشريعي كشف عن استمرار صرف رواتب موظفين مفصولين ووجود معاشيين ومتوفين في كشوفات الخدمة والأجور، وآخرين في إجازة بدون مرتب تخيلوا!.. يا ترى كم يكون  مجموع كل هذه التجاوزات أو الاعتداءات بغير حجم الاعتداء المذكور.. هل يمكن أن يكون المبلغ المتعلق بهذه التجاوزات أقل من جملة الاعتداء على المال العام؟
جملة الاعتداءات التي أشار إليها المراجع وهي (392) ألف جنيه تبدو مبلغاً متواضعاً لا يتجاوز بأي حال قيمة شراء عربة فاخرة، فكيف لهذا المبلغ  أن يشمل خيانة الأمانة والصرف دون وجه حق، تبديد المال العام، الاختلاسات الأخرى..؟
برغم الشفافية التي حملها تقرير المراجع العام للولاية في مسألة التجاوزات وهي تخرج لأول مرة إلى الرأي العام وتشير إلى حالات فساد وتجاوزات وأموات ومعاشيين في كشوفات الأجور وغيرها، إلا أن ما أورده التقرير من رقم للمال المعتدى عليه خلال عام وليس شهراً، يدعو كل من يقرأه أن يقف عنده، كيف يكون حجم اعتداء في ولاية كبيرة مثل ولاية “الخرطوم” مبلغاً أقل من (400) مليون بالقديم؟.
نحن لا نشكك بأي حال في مصداقية المراجع ولكن منطق الحال يتطلب أن نقف عند مدى صدقية المعلومة وبراءتها من الأخطاء، الآن النواب وضع التقرير بين أيديهم وبالتأكيد سيقومون بدراسته وإعداد تقرير بشأنه، وهنا فإنني أقول للنواب إن من الضروري أن يبدأوا بمعلومة حجم الاعتداء والوقوف عند إذا ما كانت منطقية أم لا.
خطورة عرض تقرير يحمل أرقام اعتداء متواضعة على المال العام في ولاية بحجم دولة.. يشجع المعتدين خصوصاً إذا كان أحدهم قد تعدى هو لوحده على هذا المبلغ وفي مؤسسة واحدة وجاء تقرير المراجع ليذكر هذا الرقم المتواضع على نطاق الولاية!.. بالتأكيد سيكون اللص الذي اعتدى على مال أكثر مما ذكره المراجع مطمئناً لأن حركة الرصد بعيدة منه تماماً وربما يشجعه ذلك على “خمش” المزيد من المال دون أن تدون في دفاتر المراجع العام بولاية “الخرطوم” طرادة مما سرقه من مال الشعب، وهكذا تدور الدائرة.
بأي حال فإن ذكر مبلغ ضئيل كهذا على أنه جملة اعتداء على المال العام لا يعني نجاح ديوان المراجعة في إعداد تقرير به اعتداءات كبيرة على المال العام، بل يعني أن الرقابة لا تصل كل المؤسسات والأفراد وإلا فاخبرونا وفسروا لنا، لذلك وكما أشرت بنبغي على مجلس تشريعي ولاية “الخرطوم” أن يبدأ عند منطق رقم الاعتداء ثم يمضي إلى تحليل ما جاء في تقرير المراجعة.. والله والمستعان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية