النشوف اخرتا
الذكريات ليست دائماً جميلة
سعد الدين ابراهيم
تساءلت دائماً لماذا لا يكتب نجوم المجتمع السياسي والأكاديمي والفكري
والرياضي والفني مذكراتهم .. ففيها متعة كبيرة .. ألا ترى أن معظم برامج
قنواتنا الفضائية والإذاعية تعمد على ونسة جمهورها عبر حكاية ذكرياتهم
وعللت ذلك بأن السوداني حريص على أن لا يتجمل ويكذب مع أن العامة يكذبون
.. لكن المثقف الواعي يعتبر ذلك تزييفاً فإما يكتب كل الحقيقة .. وإما
يصمت .. مع أن غيره يقدمون ولكنهم يراعون مشاعر من حولهم .. فالمساس
بالشرف لا يخص الفرد إنما الأسرة والعائلة الممتدة وربما القبيلة .. لذلك
يقتلون التي تحمل سفاحاً ببرودة أعصاب .. حكى لي أحد محرري الجريمة
النابهين أن مجموعة من الشباب قاموا بقتل ابن عمهم ضرباً بالعصي لأنهم
عرفوا أنه يمارس المثلية .. ربما هذا المفهوم جعل الحاكي السوداني
لذكرياته يتورع عن ذكر ما يمس هذا الشرف.
ـ كما كنت أزعم أن ما يلصق بالسودانيين من صفة التواضع هو سبب في العزوف عن
كتابة الذكريات فمن أنا حتى أكتب ذكرياتي ..
ـ لكن وجدت أن نفس النظرة تكتنف كل الكتاب في العالم .. والملاحظ أن
الذكريات الغريبة التي كتبت فيها اعترافات ربما أثرت على النظرة إليهم
من قبل القراء فقد اضطروا إلى الكلام بكل المسكوت عنه .. انتبهت إلى
عبارة قالها (جوليان اسانج) مؤسس موقع ويكيليكس في معرض رفضه لدار نشر
اتفقت معه على إصدار كتاب يحوي ذكرياته، وقد شرع في ذلك وسجل لهم 50 ساعة
من المقابلات أجريت معه لكنه تراجع وألغى العقد من جانبه لكن دار النشر
أصرت على المضي قدماً في نشر الكتاب وبرر ذلك بقوله : إن كتابة المذكرات
هو بمثابة ممارسة الدعارة .. إذن في سرد الذكريات كثير من القيود ..
وتشبيهها على هذا النحو القاسي من مؤسس (ويكيليكس) يضع أمام حلمنا بتدفق
كتب ومقالات الذكريات عوائق أكبر مما كنا نتصور أنها لا تتماهى مع الثقافة
السودانية بل لا تتماهى مع طبيعة النفس البشرية التي تريد أن تعيش في سلام
بعيداً عن التطهر أمام الملأ .. أو تقديم شهادات على ناس ومواقف استعصت
على النقد من الذائقة السودانية .. فمن العيب أن تنتقد من يكبرك أو من
يصغرك أو حتى من يماثلك .. حتى إن مات فلتذكر محاسنه.
بالشعر
ما بقول عيشة الشقا … خلتك وطن العذاب
ويبقى حلمي الهجرة منك … والهروب والاغتراب
إنما بحلف أعيشك … وفيك أتحدى الصعاب
ما بقول العيشة قاسية … وأرنو للبلد الغريب
مهما كان أنت الأمان … برضك الحضن الحبيب
فيكا أقدل كالفوارس … واحتضن غدك الخصيب
عندي فيكا الأمنيات … كالعصافير طايرة حرة
والدهب في السنبلات … والحصاد أجنيهو بكرة
مرة ضحكة معاها غنوة … ومرة آهة ودمعة حَرى
ماكا تب وطنا بخيب … فيكا آمالي العراض
مرة مالين السلال … ومرة خالين الوفاض.