المشهد السياسي
“عرمان” والدروس الغائبة..!
موسى يعقوب
كل أهل السياسة وأحزابها معنيون الآن بإعادة النظر في البناء والتجارب نتيجة المتغيرات التي طالت كل شيء تقريباً. ومن هؤلاء الحركة الإسلامية التي سيكون لها بعد أيام (مؤتمر تنشيطي) يمهد لمؤتمرها العام (التاسع) بعد عامين. والحزب الشيوعي السوداني الذي سيكون له مؤتمره العام (السادس) بعد قليل وكذلك حزب الأمة القومي.. والقائمة تطول.
الحركة الشعبية- قطاع الشمال التي تبدو أجدر من يقم بتلك المهام لا يبدو أنها معنية بالحراك داخلها ومن حولها، وهي التي تطرح نفسها بديلاً للحركة الشعبية لتحرير السودان بعد انفرادها بجمهورية الجنوب في جمهورية السودان، عبر وسائل غير ديمقراطية أو قانونية.. وذلك في الوقت الذي اختلفت فيه وتبدلت شعارات الحركة الشعبية (الأم) بعد الانفصال في عام 2011. ذلك أنها أي الحركة الشعبية معنية الآن بوحدتها ووحدة جمهورية الجنوب واستقرارها بعد النزاعات والصراعات التي نشأت.. ثم تحسين وتمتين علاقاتها مع دول الجوار ومنها جمهورية السودان.
السيد “عرمان” وهو يطرح ويتبنى أطروحة (قطاع الشمال) نسي أن وجوده في جمهورية الجنوب عبء عليها وعامل إضعاف في ظل ما ذكرنا.. وكان يتوجب عليه تسوية أحواله وفق ما استجد وهو الذي يحمل ملف التفاوض حول المنطقتين (جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق) منذ سنوات، ولا جديد في الاستقرار ووقف إطلاق النار والسلام.. بل أكثر من ذلك صار هو نفسه غير متفق عليه في القيادة والريادة كما حدث بعد ظهور (إعلان باريس) مؤخراً.
إن الوضع في (قطاع الشمال) كجسم سياسي وآلية مواجهة وعمل بالسلاح بات يحتاج إلى مراجعة أسوة بالآخرين فما استجد يقول بذلك، حيث أنه وفي جمهورية السودان حدثت متغيرات تعتبر خصماً على الحركة الشعبية – قطاع الشمال – فالنظام الحاكم اليوم صارت له قدرات وإمكانات أمنية ودفاعية مؤثرة وفاعلة فتحت الطريق للاستقرار وبسط الوسائل الديمقراطية والتشريعية والتنموية.
فجنوب كردفان والنيل الأزرق تتمتعان الآن بقدر كبير من الاستقرار والأمن ولهما مجالسهما التشريعية الولائية وحكوماتهما وإداراتهما. وهذا يقول بأن التمرد وقطاع الشمال لم يعودا مسيطرين على المنطقتين كما كان الحال في السابق، فقط تتوجب عودة اللاجئين واستقرارهم بالكامل.. مع السيطرة على الحدود مع دول الجوار.
ومما كان يعتمد عليه السيد “عرمان” ورفاقه في تضييق الفرص والحصار على النظام هو اللعب على ورقة العلاقات الخارجية والاقتصاد.. ودعاوى دعم الإرهاب والاعتداء على حقوقه الآن.
إلا أنه في ظل هذا كله يبدو الآن ثمة انفراج.. فالعلاقات الخارجية اليوم أفضل منها بالأمس وقد انفتح السودان أفريقياً وآسيوياً وعربياً وإسلامياً لا ريب.. ووجد اعترافاً من منظمات دولية.. واقتصادياً يبدو أن الشيء ذاته قد حدث وقد انفتح باب الاستثمار على مصراعيه تقريباً. والإشارة هنا إلى ما بادرت به المملكة العربية السعودية ودول أخرى.
وجراء فشل جولة المفاوضات الأخيرة في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، نقول إن السيد “ياسر” ورفاقه لم تعد لديهما أوراق كثيرة للضغط واللعب عليها خارجياً ولا داخلياً بالنتيجة.
فما هو جدير بالذكر داخلياً:
_ برنامج الحوار الوطني والمجتمعي الذي بدأ منذ أربعين يوماً – تقريباً – وشارك به أكثر من مائة حزب وجماعة زائداً فوق الثلاثين من الجماعات حاملة السلاح.. وهذا تطور كبير في حرية الرأي والقرار.. وقد أشاد به الكثيرون من الداخل والخارج.. ويكفي هنا أن السيد سفير المملكة صرح في اليومين الماضيين أن دولته ستعمل على ضم الحركات المسلحة للحوار.
فلو كان السيد “ياسر عرمان” – وهو السياسي الذي له خبرته – يلعب سياسة حقاً لأدرك ذلك كله وأعاد ترتيب أوراقه في ظله.
لكن رُبَّ قائل إن “عرمان” يعلم أن (قطاع الشمال) كجسم سياسي معبر عن الحركة الشعبية لتحرير السودان Splm لم يعد له وجود في الداخل وهو الذي لاذ بالخارج منذ الانفصال وقيام جمهورية جنوب السودان.
والشاهد على ذلكم أن السيد “ياسر عرمان” عندما خاض الانتخابات الرئاسية قبل الأخيرة لم يحصل على أكثر من مليوني صوت – تقريباً.. وجلها كانت من جنوب السودان..!
وعليه الآن أسوة بغيره وفي ظل المتغيرات أن يعي درس تنشيط وترتيب الشأن السياسي وغيره.. والحال اليوم غيره بالأمس.