هل يطيح "مبارك الفاضل" بالإمام الغائب؟؟
الهجرة السودانية لإسرائيل.. أسباب مسكوت عنها
ما هي دواعي وأسباب التوتر المفاجئ في العلاقات بين الخرطوم والقاهرة؟؟
حديث السبت
يوسف عبد المنان
قال البروفيسور “إبراهيم غندور” وزير الخارجية أمام البرلمان (الأربعاء) الماضي إن شبكات اتجار بالبشر وراء تسلل السودانيين لإسرائيل أو جهات استخبارية مضادة، وكشف عن تشكيل لجنة للتحقيق والتحري عن تسلل السودانيين لإسرائيل عن طريق سيناء، ما أدى إلى مقتل (22) منهم.. وقال إن التحريات قد بدأت لمعرفة الشبكات التي تعمل على إغراء الشباب السوداني للتسلل إلى إسرائيل.. انتهى حديث وزير الخارجية الذي أخذ يظهر الأشياء دون المساس بالدوافع التي تجعل من دولة عربية مثل السودان اختارت أن تكتب عبارة (هذا الجواز صالح للسفر ما عدا إسرائيل وجنوب أفريقيا)، وبعد استقلال الأخيرة عن النظام العنصري الغربي أصبحت إسرائيل وحدها الدولة التي لا يسمح للسودانيين بدخولها، ولم (تتجرأ) دول عربية كبيرة على كتابة عبارة قاطعة وحاسمة في جوازات سفر مواطنيها من إسرائيل إلا السودان.. فما الذي يدفع السودانيين للهجرة في السنوات الأخيرة إلى إسرائيل؟؟ بل إن دعوات موتورة ظلت تتردد من بعض السياسيين الباحثين عن الشهرة بفقه المخالفة يدعون جهراً لرفع مقاطعة دولة الكيان الصهيوني ظناً من هؤلاء السذج البسطاء أن إسرائيل تملك مفاتيح خزائن الدنيا، ومن سار في ركبها كتبت له النجاة من الفقر والعوز.. وتلك دعوات خرجت حتى من عباءة المؤتمر الوطني.. لكن الهجرة إلى إسرائيل لم تبدأ مع وصول هذا النظام إلى الحكم، فقد كانت تل أبيب واحدة من محطات تقديم الدعم لحركة الأنانيا(2) كما جاء في كتاب مولانا “أبيل ألير” (جنوب السودان التمادي في نقض العهود والمواثيق).. وقد كان قادة التمرد الجنوبي يهرعون في زيارات سرية لإسرائيل خوفاً من تبعات الكشف عن علاقتهم بدولة الكيان الصهيوني المبغوضة أفريقياً وعربياً، لكن خلال تمرد 1983م – 2005م، أخذت العلاقة بين المتمردين السودانيين والدولة العبرية منحى التعاون وتقديم المساعدات، ثم اندلعت أزمة دارفور في عهد حكومة الإنقاذ ليعلن سياسيون جهراً عن زيارات لإسرائيل، ولا يخفي “عبد الواحد محمد نور” صلته بدولة الكيان الصهيوني، الشيء الذي فتح أبواب الهجرة واللجوء لآلاف السودانيين من إقليم دارفور إلى (تل أبيب)، ولا يعرف تحديداً عدد اللاجئين من دارفور بدولة الكيان الصهيوني، لكن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية تقول إن عدد الدارفوريين الذين وصلوا الأراضي الإسرائيلية قد تجاوز الـ(6) آلاف أغلبهم من الأطفال والنساء، وتحت غطاء دارفور أخذ الشباب (العاطل) عن العمل في وطنه واليائس من إصلاح الداخل يهرع إلى منافذ التهريب عبر سيناء للوصول إلى إسرائيل التي كانت (عدواً) لكل السودانيين بوصفها مغتصبة للأراضي العربية، وأصبحت ملاذاً لهم من ما تصنعه أيدي السودانيين في الداخل بعد أن أصبحت بعض أجزاء الوطن جحيماً لا يطاق بسبب الحروب التي اندلعت في ثوب الوطن.. وحسناً فعل البروفيسور “إبراهيم غندور” بالتحدث بشجاعة أمام البرلمان ويواجه مشكلة الهجرة لإسرائيل، لكن الوزير لم يضع إصبعه على أصل (الداء) وذهب فقط نحو تحديد الجهات التي تساعد السودانيين في الهجرة من وطنهم، وبطبيعة الحال لم ينس الوزير القول المأثور لتبرر أي فعل سالب بأن مؤامرة ما تنسج خيوطها جهات ما تقف وراء هجرة وتهريب الشباب إلى إسرائيل.. نعم المؤامرة تظل قائمة، لكن ما هي أسباب نجاح المؤامرات في بلادنا وفشلها عند بلدان أخرى؟؟
إن الكشف عن خيوط جريمة تهريب السودانيين لإسرائيل لن يقضي على الظاهرة المتنامية في البلاد.. ومنهج التفكير البوليسي في معالجة الظواهر الاجتماعية والسياسية عميقة الأثر لن يجدي سيدي البروف “غندور”، وما يدفع الشباب السوداني إلى الهجرة لإسرائيل معلوم بالضرورة، وهو الحرب في دارفور وفي جبال النوبة وفي النيل الأزرق.. وقد توالت رحلات الفشل في البحث عن السلام طوال فترة ما بعد انفصال الجنوب مما أشاع مناخاً من الإحباط وسط المتطلعين لاستقرار وطنهم، وحينما يضيق الشباب بالبطالة التي لا أمل بعدها في الحصول على الوظيفة، وهم ينظرون لأقرانهم من الشباب قد بلغوا المراتب العليا في الدولة وزراء وقادة مجتمع، وأصبح آخرون يملكون مليارات الدولارات في مصارف الشرق والغرب، ويجوبون العالم بتجارتهم، وهم يجلسون تحت ظلال الأشجار بالمدن والقرى يلعبون الورق ويمنون أنفسهم الأماني.. هؤلاء لن ينظروا لما ترتكبه إسرائيل بحق العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة يهرعون إلى تل أبيب كمعبر نحو أوروبا أو وطناً لهم يبحثون عن لقمة العيش حتى لو جاءت من منظمة الهجرة أو مفوضية اللاجئين.. وهناك آلاف الشباب من دارفور والمنطقتين لا يستطيعون العيش في مدن الطوارئ والحروب ولا القرى التي تتخذها قوات الحركة الشعبية مرتعاً خصباً لها لتجنيد الشباب واغتصاب الأرض ونهب الثروات.. هؤلاء تدفعهم أوضاع ولاياتهم المأزومة إلى الهجرة لإسرائيل بحثاً عن طوق النجاة ولإحياء الأمل في نفوسهم بأن الجامعات التي أنفقوا عليها حصاد ثمرات الآباء والأمهات لم تذهب هدراً.. وحتى تغلق الحكومة باب الهجرة لإسرائيل عليها البحث عن السلام ووقف الحرب، وأن لا تجعل الحركات المتمردة نداً لها تنظر لمآلات الحروب على السودان في المستقبل القريب والبعيد.. ولا يزال أمام حكومة البروفيسور “إبراهيم غندور” الكثير الذي يمكنها فعله لإنقاذ الوطن من ما هو مقبل عليه.
{ “مبارك الفاضل” وغبار معركة مؤجلة
اختار “مبارك الفاضل المهدي” غياب الإمام “الصادق المهدي” الاختياري عن الساحة الأنصارية وقواعد حزب الأمة ورمي “مبارك الفاضل” بحجر في مياه حزب الأمة.. وهو يتقدم لخوض معركة تنظيمية جديدة داخل الحزب الذي عاد إليه دون أعباء أو موقع تنظيمي بعد أن فطن “الصادق” لخطورة عودة “مبارك” لموقعه في قيادة الحزب.. بعد تجربة الانشقاق الذي قاده “مبارك” بعد اتفاق جيبوتي ودخوله القصر مساعداً لـ”البشير” وترك الإمام “الصادق” في المعارضة.. واليوم يستفيد “مبارك الفاضل” من غياب الإمام عن الساحة الداخلية وترك حزب الأمة بلا قيادة إلا من اللواء “فضل الله برمة” الذي لا يهش ولا ينش.. ويسير في ظل سيدة أسمها “مريم الصادق المهدي”.. وبات حزب الأمة (مجمد) النشاط في ساحة المعارضة الداخلية لأنه يفتقد للقيادة السياسية التي تستطيع أن تقول كلمتها في كل شيء، كما كان يفعل “الصادق”.. وقد تآكلت قوة الأجنحة التي كانت تصارع الإمام “الصادق”، “مادبو” فقد قلب تنظيمه برحيل الشاب “مادبو آدم موسى مادبو”.. وتيار “محمد عبد الله الدومة” تم تدجينه.. والمشنقون عن حزب الأمة شغلتهم مغانم السلطة ونعيمها عن استقطاب قواعد الأمة وقيادات الحزب، لذلك (نزل) “مبارك الفاضل” الساحة متوجساً من خلال مؤتمر صحافي لم يعقده في دار الحزب بأم درمان حيث معركته، وكان يمكن له ذلك، إلا أنه أطلق شرارة معركته من داخل منزله بشارع البلدية وهو يقول إن الإمام “الصادق” فاقد الشرعية.. ويفتح باب خلافته في قيادة الحزب لكل المتطلعين وهم على أصابع اليد الواحدة جميعهم من آل “المهدي” لأن حزب الأمة صمم لأن يقوده فقط آل “المهدي” حتى لو كان القائد صغيراً لم يبلغ الحلم بعد.. وكان الإمام السيد “الصادق” يقدم ابنه “عبد الرحمن” لوراثته في الحزب من خلال دورته التدريبية الحالية في القصر الرئاسي ليصبح هو الرئيس القادم لحزب الأمة والمرشح لرئاسة السودان إذا جرت المياه في صالح “المهدي”، لكن “عبد الرحمن الصادق” لا وجود له في حزب الأمة وقواعده، رغم حركته الاجتماعية الدؤوبة وسط الأنصار مستفيداً من ظل السلطة كمساعد للرئيس، وفي ذات الوقت قدم السيد “الصادق” ابنته “مريم” التي تدعى بـ(المنصورة)، وهي قيادية لها أثرها، إلا أن حزب الأمة يظل مؤسسة سودانية تقليدية لن تستطيع امرأة قيادتها في القريب العاجل.. و”مريم الصادق” أقرب نفسياً إلى اليسار ولطبقة الموظفين الوسطية، وهي ليست كادراً سياسياً شعبياً مثل والدها الإمام “الصادق المهدي” لكنها قريبة جداً من الحركات المسلحة وناشطة في منظمات المجتمع المدني، وطبيعة حزب الأمة التقليدية ونفوذه في مناطق ريفية لا تزال بعيدة عن الاعتراف بالدور المتساوي بين المرأة والرجل ما يجعل خيار خلافة السيدة “مريم” (المنصورة) لوالدها الإمام على طريقة “بنازير بوتو” صعباً إن لم يكن مستحيلاً.. وفي ظل عدم توفر الظروف المناسبة لصعود أحد أبناء “الصادق” لقيادة الحزب يصبح خيار عودة “مبارك الفاضل” للحزب وقيادته له في المرحلة القادمة هو الأقرب للواقع، رغم المرارات الشديدة بين “مبارك” وكبار رموز حزب الأمة أو القيادات التاريخية “مادبو” و”بكري عديل”، وهؤلاء بات تأثيرهم في الحزب ضعيفاً جداً وقد أقعدهم عامل السن عن الحركة.. وكان “مبارك الفاضل” لحظة انشقاقه من حزب الأمة قد حمل معه كل التيار التنظيمي الفاعل وعظم الحزب ولحمته الحية، بيد أنه عجز عجزاً بائناً في الحفاظ على هؤلاء الشباب، فذهب د.”إبراهيم آدم” مع “الزهاوي”، وانشق “عبد الله علي مسار” ببعض منهم، وحمل د.”أحمد بابكر نهار” ما خف وزنه وعظم أثره.. واختار د.”علي حسن تاج الدين” الصمت.. وبقي رغم ذلك إلى جانب “مبارك الفاضل” قيادات شبابية مخلصة منهم “حسن إسماعيل” الذي استقطبه إليه في اللحظة الأخيرة د. “الصادق الهادي المهدي”.. لكن تمسك “عبد الجليل الباشا” بوفاء البقارة القديم للمهدية بالسيد “مبارك”، لتتبعثر صفوف حزب الأمة وتضعف ويصبح من العسير جمعها.. لذلك إذا ما استطاع “مبارك” الإنفاق قليلاً من ثروته المالية الطائلة التي حصل عليها من تجارته في جنوب السودان وإثيوبيا وبقي في الخرطوم شهوراً معدودة لتنظيم صفوف الحزب، فإن بوصلة رياح التغيير ستعود إليه مرة أخرى، فهو في عمر مناسب جداً لقيادة حزب الأمة، وهو سياسي (براغماتي) ليس خطيباً مفوهاً مثل الإمام “الصادق” ولا رجل منابر وفكر وثقافة، لكنه سياسي واقعي ينفذ لأهدافه مباشرة ولا يقدس شيئاً في سبيل الوصول لمبتغاة.. وقد يفرض “مبارك الفاضل” على “الصادق” العودة قريباً جداً بحسابات خاصة لـ”المهدي” الذي يعلم قدرات “مبارك” التنظيمية وفاعليته السياسية وبريقه وعلاقاته الواسعة في المجتمع.. ولن يستعصي على “مبارك” في سبيل الوصول لأهدافه التفاهم مع الحكومة مرة أخرى، بل ولوج ساحة الحوار الوطني ودفعه سياسياً ومعنوياً للأمام وضخ دماء في شرايين الحوار الذي تكلس بسبب إحجام القوى التي لها تأثير عن دخول ساحته، حتى الحزب الاتحادي بزعامة “الميرغني” لا ينظر للحوار الوطني بجدية ولم يهتم كثيراً بما يجري فيه مثله وحليفه المؤتمر الوطني الذي سيجد نفسه مضطراً للترحيب بـ”مبارك الفاضل” إن هو خاض مع الخائضين في ساحات الحوار الوطني وعينه على أهدافه الكبيرة بإزاحة “الصادق” من قيادة حزب الأمة.
{ ما وراء التوتر المفاجئ بين السودان ومصر
شهدت العلاقات السودانية المصرية في الأيام الأخيرة توتراً غير مسبوق، وذلك بعد قيام السلطات المصرية بعمليات تضييق ممنهجة على السودانيين الذين يتعرضون للتعذيب والضرب المبرح من قبل سلطات الأمن المصري، الشيء الذي دفع الإعلام السوداني لشن حملة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المشتركة على القاهرة كان لها أثرها في زيادة حدة التوترات، والعلاقات السودانية المصرية لا ينقصها شيء من أسباب التوتر بسبب الحساسيات التاريخية، حيث ينظر بعض نخب المصريين لأخوتهم في السودان نظرة احتقار ودونية.. وفي ذات الوقت إذا كتب قارئ مصري في صحيفة (تافهة) يثور السودانيون من كوستي حتى حلفا.. وهذه الحساسية الشديدة جعلت المناخ الذي أفرزته حملة السودانيين الكثيفة على مصر يثمر عن مزيد من الاعتداءات، وقد تخلت السفارة السودانية عن منهجها المتحفظ سابقاً في معالجة الخروقات، وأخذت تنتقد علناً سلوك السلطات المصرية بحق السودانيين.. وللتوتر المفاجئ في العلاقات المشتركة أسباب إقليمية ودولية، فمن جهة أصابت المصريين الغيرة من النجاحات التي حققتها دبلوماسية القصر الرئاسي التي يعدّ الفريق “طه عثمان طه” مدير مكتب الرئيس هو عرابها ومهندسها حتى وضع العلاقات مع الرياض في جادة التعاون الاقتصادي، وضخت السعودية قدرات مالية كبيرة من أجل إنشاء (ثلاثة) سدود على النيل في ولايتي الشمالية ونهر النيل.. ومصر تعدّ أي برميل يتصرف فيه السودان من حصته التي حددتها اتفاقية مياه النيل دون مباركتها تصرفاً أخرق يستوجب العقاب.. وفي ذات الوقت مصر التي كانت تعدّ نفسها درع العروبة وقلب أية معركة وجدت نفسها مراقباً فقط وقوات الردع العربية تزحف بقيادة القوة السودانية نحو القضاء على معاقل الحوثيين في اليمن.. ثانياً، لقد مضت سياسة استعادة دور السودان عربياً في التحسن الكبير في العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة الدولة المهمة وينتظر أن يزورها الرئيس “البشير” الشهر القادم، فأخذت الغيرة القاهرة التي كانت تجوب الخليج وتحصد ثمرات زياراتها قمحاً ودولارات.. وهناك (فارق) كبير بين منهج مصر في التعاون مع الخليج ومنهج السودان الذي يطلب استثمارات عربية في الأرض السودانية لمصلحة الأطراف جميعاً، بينما تسأل القاهرة عرب الخليج قمحاً ودولارات أعطوها أو منعوها.
وعلى الصعيد الأفريقي لا تزال في حلق مصر (غصة) بسبب سد النهضة في إثيوبيا وكيف وقف السودان مع نفسه ومصالحه وترك مصر تواجه المفاوض الإثيوبي المسنود بمنطق وقوى دولية لها مصالح في قياد السد، وقد فشلت الاتفاقيات التي وقعت بشأن سد النهضة وعاد التوتر من جديد إلى العلاقات المصرية الإثيوبية.. لجملة هذه الأسباب توترت الأوضاع بين البلدين، ويضاف إلى ذلك ما حدث من (تمصير) لإرادة الناخبين في حلايب وانتخاب أول نائب من مواطني المنطقة في مجلس الشعب المصري، وقد رفض الرئيس “البشير” هذه الخطوة وتحدث في صحيفة واحدة عن تمسك بلاده بسودانية حلايب، ومضت وزارة الخارجية أكثر من ذلك وقدمت شكوى لمجلس الأمن مشفوعة بما يثبت سودانية حلايب، الشيء الذي جعل القاهرة تفقد رشدها وتتعرض للمواطنين السودانيين هناك في حملة منظمة من شأنها أن تضاعف الهوة السحيقة التي انحدرت إليها العلاقات الشعبية في فترة التسعينيات، حتى أن جيلاً كاملاً من السودانيين اليوم ينظر لمصر بريبة وشكوك، وعدم استلطاف اجتماعي لكل ما هو مصري.