شهادتي لله

حالة (الهلع) .. أزمة أخرى !

تحدث أزمات حقيقية من حين لآخر في بعض السلع، لأسباب اقتصادية أو تنظيمية أو فنية، مثلما هو حادث هذه الأيام في سلعة (غاز الطبخ).
ولكن .. وللحقيقة فإن إحساس (الهلع) وسلوك (التخزين) اللذين يسيطران على نفسية المواطن السوداني منذ مجاعة ثمانينيات القرن المنصرم التي ضربت بعض ولايات السودان، يزيدان من الأزمات ويفاقمانها .
حاول عزيزي القارئ أن تتأكد مما ذهبت إليه آنفاً وتجري اختباراً بسيطاً، بإقناع خمسة أو ستة من أصدقائك ومعارفك بالتوجه صوب إحدى محطات الوقود، واصطفوا بسياراتكم طلباً (ثمثيلياً) للبنزين، وانتظر دقائق، ثم انظر خلفك، ستجد أن صف البنزين قد تطاول وجذب إليه سريعاً عشر سيارات أخرى !
فإذا كان أحدهم لديه من الوقود ما يكفيه ليومين، فإنه عندما يشاهد صفاً – أي صف – رغيف .. بنزين .. غاز .. جوازات، فإن إحساس الأزمة ينتابه بشدة، فيحدث نفسه بالتزود بكميات إضافية من السلعة موضوع الصف !! هكذا نحن .
العبد لله من جيل نشأ على صفوف الرغيف في ثمانينيات القرن الماضي، كان أهلنا يوقظوننا من نومنا الهانئ قبيل آذان الفجر لنقصد (أفران) أم درمان البلدية، ونحن بعد في عمر الصبا، فنظل نزحف في الصفوف لأربع وخمس ساعات، وغالباً نعود بلا رغيفة !
صف البنزين كان يمتد لما يقارب الكيلومتر ليحصل سعيد الحظ في نهاية المطاف على (جالونين) فقط للأسبوع .. لم يكن هناك مجال لإطلاق أفكار من شاكلة (املأ التنك .. لوسمحت) .. تنك شنو البملوه ليك ؟
  هذا ليس خيالاً، بل كان هو الواقع المرير الذي عشناه ونحن في نهاية المرحلة الوسطى وإلى المرحلة الثانوية وبعدها بقليل (أواخر عهد النميري، وكل فترة حكومات السيد “الصادق المهدي” الإئتلافية مع الاتحادي الديمقراطي  “الديمقراطية الثالثة”، والسنوات الأربع الأولى من عهد الإنقاذ).
الآن .. يتكرر المشهد .. إذ يصطف المئات من المواطنين على الطلمبات ومحلات الغاز، تأتي (50) أنبوبة، توزع (25) ويختفي الباقي خلال دقائق !!
المواطنون المستفيدون قلة، لأن البعض يتاجر (بتخزين) الغاز، والبعض الآخر يصر على استبدال أسطوانتين وثلاث وأحياناً أربع، بإحساس (الهلع) الذي أشرنا إليه، ولذا فمن الأفضل والأضمن – طبقاً للحالة النفسية للمواطن – أن تكون لدى الأسرة الواحدة أكثر من أسطوانة مليانة .. تحسباً للأزمات !!
( ياخي إمكن تاني ما يجي غاز كم شهر)! 
وبعيني رأيت قبل يومين من يحمل على ظهر سيارته أربع اسطوانات فارغة، قد تكون واحدة لأمه وثانية لأخيه وثالثة حقت جيرانهم، ولكن الثابت عندي أن عدم الاطمئنان لاستمرار انسياب السلعة، هو الهاجس الأساسي الذي يقود للاصطفاف.
وهذا لا ينفي أن الوفرة الدائمة هي الترياق المضاد لصناعة الأزمات .
والواجب أن تتحسب وزارة النفط لفترة صيانة مصفاة الجيلي، فتعمل على توفير كميات مناسبة من الغاز في أوقات الصيانة، بالاستيراد مبكراً لتغطية العجز، ما دام أن هناك برنامجاً معلوماً لصيانة  المصفاة كل عام .
{جمعة مباركة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية