مفاوضات المنطقتين.. طغيان (التكتيك) على الإستراتيجية
طلاب دارفور وفتنة الصراع الجهوي
“أمين حسن عمر” المستنير في مواجهة “أمين” التنظيمي في قضية انتخاب الولاة
حديث السبت
يوسف عبد المنان
إذا لم يصدر أمر بتأجيل مفاوضات المنطقتين المعلنة (الأربعاء) القادم، فإن الوفد الحكومي ووفد متمردي الحركة قطاع الشمال سيتوجهون في اليومين القادمين إلى أديس أبابا، ليس من أجل مفاوضات سلام تضع حلولاً للأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقتين منذ أربع سنوات، لكن فقط من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل يمهد (الدرب) لمفاوضات قادمة، بيد أن وقف إطلاق النار نفسه مختلف عليه بين الطرفين.. فالحركة الشعبية تفسر دعوة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس “أمبيكي” بأنها من أجل إقرار وقف إطلاق نار من أجل تمرير المساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها الحركة فقط.. ويذهب بيان الحركة المنشور في المواقع الإسفيرية إلى إن الحركة لن توقع إلا على وقف إطلاق نار شامل يضم دارفور والمنطقتين، في الوقت الذي قال فيه د. “أمين حسن عمر” إن الحكومة لا ترى تعارضاً بين الحوار الوطني الذي بلغ شهره الأول واللقاء التشاوري، وإن لقاء أديس أبابا ليس بملتقى وإنما اجتماع لمناقشة أجندة محددة وواضحة تتعلق فقط بالضمانات المطلوبة منهم لعملية دخولهم وخروجهم، نافياً ما تتردد حول وضع خارطة طريق أخرى، وربط د. “أمين حسن عمر” مسألة وقف إطلاق النار بوجود مراقبين للتحقق من أي خروقات تحدث.. وإزاء هذا الوضع فإن مفاوضات أديس أبابا القادمة هي مفاوضات فنية يطغى عليها (العسكريون) من الجانبين لإقرار مبدأ وقف إطلاق النار سواء أكان ذلك لأغراض إنسانية فقط كما قالت الحركة أو لأغراض إنجاح العملية السياسية بالوصول لاتفاق ينهي الحرب من خلال لقاءات مباشرة للطرفين المتحاربين، وبعيداً عن القوى السياسية التي تقود الحوار في الخرطوم أو القوى السياسية التي اجتمعت في باريس يومي (الأربعاء) و(الخميس) الماضيين من أحزاب المعارضة التي تعد نفسها لركوب ظهر الحركات المسلحة وتحقيق مآربها.
ولكن تبقى الحقيقة إن إعلان وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس “عمر البشير” لمدة (6) أشهر من أجل إنجاح الحوار الوطني، وكذلك الوقف الذي أعلنته الجبهة الثورية من بعد والحركة الشعبية، لا تعدو تلك الإعلانات كونها مواقف سياسية لمخاطبة الرأي العام الدولي والإقليمي، حيث لا يأبه كلا الطرفين للرأي العام الداخلي.. ووقف إطلاق النار الذي يعلن في المنابر العامة دون إجراءات متفق عليها بين الطرفين لا قيمة له على أرض الواقع، حيث تصاعدت حدة العمليات العسكرية من بعد في النيل الأزرق، والآن تقوم قوات الحركة الشعبية بتعبئة واسعة في جبال النوبة بزعم وادعاء صد هجمات مع حلول فصل الجفاف تعتزم القوات الحكومية القيام بها.. لذلك مفاوضات (الأربعاء) القادم إن كُتب لها القيام في موعدها ولم تتعرض جهود وقف إطلاق النار لنكسة جديدة، لا يرجى منها تحقيق تقدم على صعيد حل أصل القضية، وقد يتساءل البعض ما هو أصل القضية؟ والإجابة بالطبع (القضية السياسية) التي دفعت حاملي السلاح للعودة إلى الكهوف والجبال والعيش في ظروف بالغة السوء.. ولكن قضية السلام في المنطقتين من واقع ما يجري في المشهد السياسي العام لا يلوح حل لها في المدى القريب.. فالحركة الشعبية لا تزال تتبنى أطروحة السودان الجديد وتمني نفسها بتفكيك الدولة وإعادة تشكيلها بما يتواءم ونظرية الراحل د.”جون قرنق”، في الوقت الذي ضعفت فيه قناعات المتنفذين في السلطة بعملية السلام برمتها، ويعتقد بعضهم أن خوض غمار الحرب كما يجري الآن أقل كلفة من التوقيع على اتفاقية سلام تأتي بـ”ياسر عرمان” و”عبد العزيز الحلو” و”مالك عقار” حكاماً ووزراء إلى جوارهم في سلطة للحركة الشعبية فيها نصيب.
بيد أن الأوضاع على الأرض تجعل، أو يفترض أن تجعل، الحكومة تسعى بشتى السبل لإيقاف الحرب وإقرار السلام وإنهاء المعاناة الحقيقية التي يعيشها المواطنون، والحرب بطبيعة الحال إذا ما استمرت وتمادى الطرفان في (التمترس) في مواقفهما ستنتهي بسيناريوهات معلومة، إما بسقوط الدولة المركزية بعد أن تفشل في الوفاء باستحقاقات الحرب أو بانفصال قهري للأطراف التي تمردت على سلطة المركز أو بدخول المنطقتين في حالة سيولة كالتي تغشى دارفور الآن، التي انتهت فيها الحرب وتلاشت قدرات الحركات المسلحة، لكن سادت الفوضى في المدن والقرى، وأمسك “عبد الواحد محمد نور” بسلاح المعسكرات.. ومنطقة جبال النوبة يصعب أن تنتهي فيها الحرب عسكرياً، وقد مضت حتى الآن أربع سنوات على نشوب الحرب بعد أحداث “الكتمة” الشهيرة ولم تشهد الخارطة الأمنية أي تغيرات تذكر.. وسياسياً لم يحقق المؤتمر الوطني كسباً يعتد به حتى في الانتخابات الأخيرة وعودة قيادات (نوبة المهاجر والمنافي) الأخيرة، والتفاف الآلاف من الشباب بولاية الخرطوم حول هؤلاء الشباب يقف شاهد ودليلاً على البحث عن السلام بكل الطرق.. نعم، لقد استقبل قادة المؤتمر الوطني وفد نوبة (الشتات)، لكن مجرد أن لا يتسع الداخل لقيادات سياسية في قامة “محمد أبو عنجة أبو رأس” و”أزرق زكريا” و”أمين بشير” و”آدم جمال”، فإن ذلك يؤكد عمق الأزمة التي تعيشها المنطقة، مما يجعل الولايات المتحدة ترهن إعادة تطبيع علاقاتها بالسودان بتحقيق سلام في المنطقتين ودارفور، ليس لأهمية تلك المناطق للولايات المتحدة، لكن واشنطن تضع حسابات خاصة للرأي العام الداخلي وهي مقبلة على انتخابات محلية مهمة.
{ من يقود الوفد المفاوض؟
حسمت الحركة الشعبية موقفها بإعلان “ياسر عرمان” قيادة وفدها المفاوض، والحركة بارعة جداً في إثارة الغبار في وجه المفاوض الحكومي وهي تقرأ جيداً (تقسيمات) الحكومة، والمؤتمر الوطني الذي بينه و”ياسر عرمان” الكثير من الكراهية المتبادلة والإحن والخلافات العميقة بسبب ترسبات سياسية وفكرية من أيام دراسته في جامعة القاهرة الفرع.. لن ينسى أبناء دفعته تلك المرارات وقد نجحوا ببراعة في تسويق الصورة الشائعة لـ”عرمان” الطالب.. وزادت من قتامة الصورة أيام الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وكيف استطاع “ياسر عرمان” أن يصب على النيران مزيداً من أسباب الاشتعال بعد أن رفض المؤتمر الوطني أن يتولى أي موقع في الدولة، وبالتالي شعر “عرمان” بأن المؤتمر الوطني قد حال دون تحقيق طموحاته، فطفق ينظم ضده الحملات الصحافية ولعب دوراً في تحريض “عبد العزيز الحلو” و”مالك عقار” ليعودا مجدداً لحمل السلاح، وأيضاً ثمة أسباب أخرى تجعل “عرمان” أكثر قيادات الحركة الشعبية (بغضاً) في أوساط الحكوميين الذين ينظرون إليه بعين الخائن الذي كان يفترض أن لا يحرض “الحلو” و”عقار” لخوض الحرب، وبطبيعة الحال لن يظهر “عبد العزيز الحلو” في المفاوضات القادمة وهو يختار دوماً لنفسه مواقع طرفية في التفاوض.. أما على صعيد وفد الحكومة فإن شكوكاً تثيرها بعض الجهات حول طبيعة مهام رئيس الوفد الحكومي القادم، وهناك تيار عريض يتمسك بقيادة البروفيسور “إبراهيم غندور” للتفاوض بخبرته في هذا المجال وعلاقاته مع الوسيط “أمبيكي” ومقبولية “غندور” حتى لدى الطرف الآخر التمرد.. ومقبوليته في المنطقتين كسياسي عرف بعفة اللسان ونفاذ البصيرة.. لكن هل “غندور” ومع المهام التي على عاتقه الآن، وقد أصبحت نصف مشاكل السودان خارجية، يستطيع التوفيق بين طواف العالم والتواصل مع السفراء والمشاركة في المؤتمرات ومرافقة الرئيس أينما ذهب، وإهدار وقت طويل في الحديث عن (طروجي وخور العفن)؟؟ وإذا ما تنحى “غندور” عن ملف المفاوضات هل الحكومة على استعداد للاستعانة بخبرات القيادات التي صنعت “نيفاشا”، أي أن تأتي بـ”سيد الخطيب” و”الدرديري” و”يحيى حسين”؟ أم تضيف لـ”أمين حسن عمر” مهام جديدة وتسند إليه مهمة المفاوضات؟؟ أم تضع ثقتها في الوزير “الرشيد هارون” الذي نشط في الفترة الأخيرة من خلال ملف جبال النوبة وعودة القيادات المهاجرة، وتجرب أن تثق في القيادات السياسية في مهمة صعبة جداً وعسيرة وشاقة؟؟
{ د. “أمين” وانتخاب الولاة
بعد يوم من عودة د. “أمين حسن عمر” للمكتب القيادي عضواً ومعه د.”عيسى بشرى” و”محمد بشارة دوسة” و”مها الشيخ” أمين الإعلام في الحركة الإسلامية، دافع د. “أمين” بشدة عن حق الولايات في اختيار ولاة أمرها عادّاً الإجراء الحالي مؤقتاً وطارئاً أو ينبغي أن يكون طارئاً ومؤقتاً ريثما يعود حق المواطنين في اختيار ولاتهم، وزاد “أمين حسن عمر” في حديثه بالبرلمان، الذي لم تحتفِ به الصحافة إلا من رحم ربي ووضع في ركن قصي: (إذا كان المواطنون لا يختارون ولاتهم فهم غير جديرين باختيار رئيسهم).. ود.”أمين حسن عمر” أثار سخطاً عارماً في أوساط بعض قيادات المؤتمر الوطني المتنفذين في السلطة حينما أبدى رأيه في مسألة إعادة انتخاب الرئيس “البشير” مرة أخرى، وفضل د. “أمين” أن يذهب الرئيس لكرسي المعاش الاختياري ويتم ترشيح رئيس جديد من داخل المؤتمر العام لحزبه، و”أمين” حينما تحدث بتلك الصراحة كان المؤتمر الوطني (غارقاً) في التنافس بين قادته ورموزه في الادعاء بأنهم يسندون ترشيح الرئيس ويحرصون عليه، وسارت الساحة حينذاك بأحاديث عن تيارات داخل الحزب (قطباها) “نافع” و”علي عثمان” يتنافسان حول خلافة الرئيس، لكن الحقيقة أن “علي عثمان” و”نافع” كانا يتنافسان في حب الرئيس والدعوة لترشيحه مرة أخرى، بيد أن الرئيس في نفسه كان يعلم أن د. “أمين حسن عمر” أصدق القيادات التي في حزبه من حيث المواقف والشجاعة في التعبير عنها.. واليوم يعيد د. “أمين حسن عمر” أحداثاً مشابهة.. فالنظام الفيدرالي تتم الآن هندسة تجريده من كل فضيلة وجعله هيكلاً بلا مضمون، يسلب صلاحية الشعب في اختيار ولاته.. وجعل السلطة بيد المركز وحده يعين الولاة والوزراء والمعتمدين والضباط الإداريين، ويوزع الأراضي لمن يشاء بغير حساب.. (ويهتف الهتيفة).. (هي لله هي لله).. وقد رأينا كيف أسقط البرلمان توصيات ورش الولايات التي نادت بحزمة من الإصلاحات، وتصدى “عبد الباسط سبدرات” لرئيس مجلس الولايات د. “عمر سليمان” رافضاً المقترحات التي تقدم بها مجلس الولايات، بل شكك بطريقة لا تخلو من (الجلافة) في التقرير الذي قدم وكأنه يطعن في ذمة “عمر سليمان” الموثوق عند الإسلاميين بالنزاهة والأخلاق والقيم الفاضلة.. وقد بدأت الهجمة على تقرير مجلس الولايات من خلال هجمات قادها نائب الرئيس السابق د. “الحاج آدم يوسف” الذي يمثل ولاية الخرطوم، وطالب بحل مجلس الولايات أو إدماجه في المجلس الوطني، لأن د.”الحاج آدم” لا يرى في مجلس الولايات إلا صورة الشبح الذي ينازع البرلمان.. وكعادة الذين ينشطون هذه الأيام في لعن “نيفاشا” كلما اقتربت البلاد من الدخول في مفاوضات من أجل السلام، يقول د.”الحاج آدم يوسف” إن مجلس الولايات من مخلفات اتفاقية السلام التي ينبغي وأدها في وادٍ غير ذي زرع.. لكن “أمين حسن عمر” ينتصر لفكره وثقافته ومنهجه في الحياة، ويرفض السير في جوقة الذين يتربصون بالحكم الفيدرالي، ويسعون ليل نهار لذبحه من الوريد إلى الوريد بدعوى فساد الولاة في طريقة اختيار مرشح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي.. ويعدّون أزمة الاختيار داخل حزب واحد سبباً لإجهاض التجربة برمتها والإجهاز عليها في رابعة النهار والتخلص منها والعودة لهيمنة المركز إرضاءً لتوجيهات أفراد بعينهم.. يريدون السيطرة على كل شيء.. وتجريد الولايات من كل فضيلة، والحكم على تجربة باذخة حققت نجاحات كبيرة من خلال فشل أفراد بعينهم أسندت إليهم مهمة إدارة الولايات، وفشلوا فيها.. وحينما ينتصر د. “أمين حسن” المثقف على “أمين حسن” التنظيمي، فإن ذلك يعلي من شأن الرجل الذي يبغضه الكثيرون لصراحته وطريقته في التعبير عن قناعاته، لكن يحترمه بذات القدر قطاع عريض من السودانيين لمبدئيته في التعبير عن نفسه بصدق شديد.
{ طلاب دارفور وفتنة الصراع
الأحداث التي شهدتها جامعة القرآن الكريم الأسبوع الماضي من حرق للمباني وتعدٍ على ممتلكات الجامعة من قبل طلاب محتجين من دارفور، هي أحداث لا ينبغي النظر إليها فقط من داخل أسوار الجامعة التي شهدت أعمال العنف.. وقد ألقت إدارة اتحاد طلاب الجامعة باللائمة على الطلاب المنتسبين لحركات دارفور المتمردة في الجامعة، بينما أخذ البعض في التعميم باعتبار ما حدث قامت به روابط طلاب دارفور في الجامعة، وبالتالي دمغ كل طلاب دارفور بجريمة التعدي على الممتلكات العامة.
إن احتجاجات طلاب دارفور سواء أكانوا من منسوبي الحركات المسلحة أو من الروابط المناطقية في الجامعة أو حتى منسوبي المؤتمر الوطني، تعود لأسباب إدارية محضة، وقد فشلت وزارة التعليم العالي وجامعاتها في التعامل معها، إضافة إلى السلطة الإقليمية بدارفور وأبناء دارفور المتنفيذين في الحكومة والمؤتمر الوطني، لأن جوهر أسباب النزاع في أغلب الجامعات يعود لقرار إلغاء رسوم طلاب دارفور باعتبار المنطقة ذات خصوصية وأضعفت الحرب قدرات الأهالي ودفعت ببعضهم إلى معسكرات النازحين أو اللاجئين.. وكخطوة تشجيعية لأهل دارفور تم استثناء طلابهم من الرسوم وتحمل الحكومة المركزية للفاقد الإيرادي، وذلك بموجب اتفاقية “أبوجا”.. وقد انتهت اتفاقية “أبوجا” بتمرد صناعها “مني أركو مناوي” ومن معه.. وجاءت اتفاقية “الدوحة” بعد ذلك لتجدد التزام الحكومة بإلغاء الرسوم الدراسية، لكن بعض الجامعات شعرت بأن المالية الاتحادية لا تفي بوعودها بتحمل نفقات طلاب دارفور، وبدأت وزارة التربية والتعليم في عهد “سمية أبو كشوة” في إلغاء كل الامتيازات التي جاءت بها اتفاقيات السلام التي توقعها الحكومة مع المتمردين، وينال بموجبها طلاب الأطراف والتخوم البعيدة امتيازات.. وألغت د. “سمية أبو كوشة” المنح التي كانت مخصصة للطلاب من جبال النوبة غير مبالية باللعنات التي يرسلها سكان المنطقة لوزيرة يعتقدون أنها تمتد جذورها لبعض تلك المناطق.. وبدأ اختلال في الجامعات بسبب طلاب دارفور الذين يفترض أن يتم تمييزهم وطلاب آخرين من دارفور لا ينبغي تمييزهم.. ووفقت السلطة الإقليمية بدارفور برئاسة الدكتور “التجاني السيسي” في موقف المراقب لما يحدث من صراع بين الطلاب والجامعات بسبب تلك الرسوم.. ولأن الطلاب المنتسبين للحركات المسلحة بينهم والحكومة “عطر منشم” من الخلافات والمشكلات فإنهم الأكثر تطرفاً في التعبير عن بقية طلاب دارفور.. ومن غير وعي يسب السياسيون طلاب دارفور ويتعرضون للعنف اللفظي والعنف المادي مما يرفع درجات حرارة الصدام، لتحصد البلاد في نهاية الأمر هذا التشظي والتمزق الذي ينهش بكل أسف في عظم ولحمة البلاد، ويفرق بين دارفور والمركز.. ولا تجرؤ الدولة على إلغاء تعهداتها بإعادة النظر في قرار إعفاء الطلاب من دفع الرسوم، وفي ذات الوقت تبدو عاجزة عن الوفاء باستحقاقات الجامعات المترتبة على الإعفاء.. والسلطة الإقليمية التي تغيب كثيراً عن مثل هذه الساحات لا ينبغي لها المراقبة فقط، والساحة الطلابية تنحدر إلى هاوية سحيقة جداً.. وأي تصاعد في حدة الصراع بين طلاب الحركات المسلحة من أبناء دارفور والسلطة فإن الحكومة هي الخاسر، لأن كثيراً من الطلاب الدارفوريين من غير المنتمين إلى الحركات المسلحة يتعاطفون بقدر مع بني جلدتهم ويبتعدون عن المؤتمر الوطني بقدر.. وكذلك الأحزاب الأخرى.. وجهات عديدة في الداخل تسعى وتتمنى وتعمل على تصاعد الصراع بين طلاب منتمين إلى الحركات المسلحة والحكومة بحثاً عن أحداث فوضى داخلية يتم استثمارها في محاولة إسقاط النظام الذي ينبغي له أن يدرك خطورة مثل هذه الصراعات في الوسط الطلابي.