شيوخ ومشايخ
عرف عن الصوفية وقادة المتصوفة الزهد والتخفف من متاع الدنيا؛ مازجوا حال دعوتهم بقائمتي (الدين والعجين) لذا أجد نفسي في حيرة من بدعة احتفال (شيح الأمين) بعيد ميلاده وجلوسه – حسب الصور المنتشرة – على كرسي بهيئة (ملوكية)! مع مشاركة بدت لي لافتة من رموز العمل الاجتماعي والسياسي وسفراء وقناصل، حتى أني اعتقدت أن الشيخ المبجل يحتفي (بعيده الوطني) أو ما شابه !
قطعاً وكما قلت سابقاً فمن حق الرجل أن ينفتح على كل القطاعات والطيف المجتمعي وهو في هذا يسلك طريقاً ومنهجية أخرى، ربما قد خالفت قديم معتاد شيوخه؛ إذ كان الأصل عندهم أن المجتمع يتباهى بهم وليس العكس، إذ لم يألف عن (ود العجوز) أو (البرعي) أو ما كان في مقامهما ولع بهذا الظهور المتصاعد، بل على العكس كان غاية ومنتهى المسلك أن يزين مريد صالونه بصورة لشيخه، ولم نشاهد أرشيفاً من أولئك يجمعهم بعظيم أو كبير إلا فيما ندر وفي مجامع ومناسبات عامة.
أنا وإن كنت أبدو حائراً في هذا التبدل ولكني كما قلت أتفهم تقديرات التحولات فيه؛ إذ من المؤكد أن ثمة تكامل مفترض للأدوار بين الزائر والمزور، حيث أن كل يعضد الآخر؛ وليس الأمر كله شر كما أنه ليس كله خير؛ وبالمناسبة فإن هذا الأمر يتجاوز حتى الداخل إلى الخارج، إذ ظل الشيوخ طلبة السادة والقادة والعكس كائن على نحو امتد حتى للجبهة الثورية والتي على تشددها في تمييز نفسها كمكون، لا تضع الدين والمشيخة ضمن لوازم عملها، فإنها اضطرت للبحث عن فتوى بشأن جواز عراكها مع الحكومة وشن الحرب عليها.
الدكتور “يوسف الكودة” العائد من مضارب الجبهة عبر تأشيرات الحوار الوطني وضماناته كشف في حوار صحفي عن أن قيادة الجبهة الثورية طلبت منه (فتوى) بشأن جواز شن هجمات على الحكومة، وهو ما يعني أن الرجل يفترض أن للثورية مساعي لتثبيت هيئة رقابة شرعية على أنشطتها العسكرية أو ما شابه. وغض النظر عن صحة حديث “الكودة” أو مدى الدقة عنها فالثابت أن الحديث نفسه، يعني أن علمانيين مشتطين في الحالة السودانية يدركون حجم دور الشيخ، ولو كان الأمر محض نشاط لعضو قيادي بعمامة ولحية وقدرات إفتاء.
صراع “مالك عقار” و”جبريل إبراهيم” حول كرسي الإمامة والزعامة بمقام المتمردين السودانيين، يبدو في بعض جوانبه نشاطاً من ضمن أدواته الشيوخ والمشايخ، ولا أعني بذلك خرافات السحر والشعوذة ولكن أقصد البحث عن مباركين ومباركين – التهنئة للأولى والبركة للثانية- إذ أتوقع أن تكون قادم الأيام من ضمن أدوات تكييف النزاع وحسمه البحث عن بركات الموقرين في مشيخة الترابي التي يتهم بها “جبريل”، ويحارب الآن بسببها أو مشيخة أزرق طيبة التي تحسبه مرات على المعارضة وهكذا قس وقارن.
بالإجمال (الشيوخ) لاعبون مهمون في الوسط السوداني، واعتقد أن الشيخ الواعد يدرك هكذا وإن كنت للأمانة أدعوه لمنهجية ظهور أقل ضوءاً وضوضاءً مما أرى.