في أخطر حوار مع وزير الشؤون الهندسية الأسبق الدكتور "شرف الدين بانقا" لـ (المجهر)
– لا سلطة لأي والٍ على الأراضي وفق القانون
– بالخرطوم من ملكوا مئات القطع السكنية وشخص لا يملك قطعة واحدة
– الأراضي بالخرطوم مقيمة بأكثر من سعرها الحقيقي
– القضاء (للأسف) يناصر الدولة في نزع أراضي الفقراء لصالح الأغنياء، وعندما أنصفت فقراء عشش فلاتة قالوا عني (الوزير دقس)
– منهج ولاية الخرطوم الآن (تجاري) تبيع المواطن الأراضي السكنية والكهرباء والمياه
– هذه خفايا أموال وقطع أراضي المدينة الرياضية
– التخطيط بولاية الخرطوم يقوم به المواطن وتأتي بعد ذلك الدولة لتقننه
الدكتور “شرف الدين بانقا” الخبير الدولي في التخطيط العمراني ووزير الإسكان السابق بولاية الخرطوم، حائز جائزة الجمعية البريطانية لعلوم المياه… صاحب شعار (قطعة أرض لكل مواطن)..!
الوزير الذي قال عنه المرحلون من عشش فلاتة (الوزير دقس) لأنه أنصفهم في زمن لا يعرف فيه المواطن إنصاف الحكومة له
الدكتور “شرف الدين” هو خزينة أسرار أراضي الخرطوم … وكاشف أوراق المدينة الرياضية… (المجهر) جلست إليه في حوار الأسرار أدناه:
حوار: عماد الحلاوي-
{دكتور “شرف”… يدور هذه الأيام الحديث عن الحوار الوطني كمدخل لحل المشكل السياسي السوداني…كيف تنظر أنت لهذا الحوار وأنت الخبير في تخطيط المدن…؟
-إخفاقات السياسة وعدم مقدرتنا على إيقاف الحرب واحتواء المعارضة مما جعلها تستقوى بالأجنبي، كان أبرز نتائجها المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد الآن.
-السياسات الاقتصادية والاستراتيجيات القومية لم تساعد على استقرار الريف … فترك الناس الريف (مكان الإنتاج ) وأتوا إلى المدن.
{ولكن يا دكتور في المدينة أيضاً إنتاج.
-الخرطوم (المدينة) لا توجد بها صناعات، وحتى الصناعات القديمة فيها تعثرت… لذلك الهجرة إلى العاصمة عامل سلبي، إلا إذا استطعنا خلق إنتاج صناعي يستوعب تلك الهجرة.
-هناك مشكلة فالوضع في العالم كله يحابي المدن، مما جعل الناس يتركون المدن… فالإنتاج في الريف الأفريقي كله أصبح ليس ذا عائد.
{ولماذا لم تظهر هذه المشكلة (النزوح) في الدول الغربية؟
-الدولة هناك تدعم الزراعة، فالمنتج يجد عائداً كبيراً لا يشجعه على ترك الريف والنزوح للمدن…ومنتجاتنا أصبحت أيضاً لا تنافس هناك لأن أسعارها بسبب الرسوم الحكومية تكون عالية.
{البعض يرى أن الهجرة إلى الخرطوم ليست كلها من أجل البحث عن عمل وإنما من أجل الخدمات خاصة النازحين من الولاية الشمالية (دناقلة – شوايقة- محس)؟
-المتفق عليه أن النزوح إلى المدن يكون لتحسين الأوضاع، والقول إن النزوح من أجل الخدمات (تعليم – علاج- كهرباء ومياه)…قول غير منطقي، فالهجرة مطلوبة لزيادة الدخل.
{ألم يؤثر ذلك النزوح الكبير من الولايات إلى الخرطوم على البيئة الحضرية والمخطط الهندسي للعاصمة يا دكتور؟
-الخرطوم خضعت لـ(4) مخططات هندسية في الأعوام (58-76-91-2011م)…وبالتالي حظيت بدراسات هندسية وافية… ومشكلة المخططات الهندسية غياب الثقافة التخطيطية، فالمهندسون المعماريون والمدنيون يضعون المخططات والخرط ولكنها لا تجد من يفهمها من السياسيين والتنفيذيين فتفشل كما فشل المخطط الهندسي للخرطوم الآن.
{إذن من يخطط الآن؟
-المواطن…فالمواطن النازح يخطط لنفسه… فهو عندما يسكن عشوائياً (وفق وضعه) تأتي الحكومة لتخطط له…فالمواطن يسبق الدولة في التخطيط.
{وكيف يمكن أن نعدل تلك الصورة المقلوبة؟
-أولاً … هذا المواطن يجب أن لا يأتي نازحاً إلى الخرطوم…وثانياً إذا رأت الدولة أن يأتي ذلك المواطن يجب أن تهيئ له المكان بعد أن تخططه له.
{هذا عن النزوح إلى الخرطوم… وماذا عن النزوح إلى بقية الولايات؟
-للأسف لا توجد لدينا رؤى أو خريطة تخطيطية قومية تحدد مناطق النمو ومراكزه، لجذب السكان وتهيئة المسرح، وبالتالي تعمل الخرطوم خرطاً ومخططاتٍ بمعزل عن السياسات القومية التي تحدد لكل ولاية كيف تنهض.
{بالمناسبة يا دكتور… الأراضي بالعاصمة الخرطوم، هل هي ولائية أم اتحادية؟…والمتصرف فيها ولائي أم اتحادي؟
-قانون الأراضي السائد الآن يقول إنها ولائية، ومنح ثلاث جهات (فقط) سلطة التصرف في تلك الأراضي، (الوالي ليس منهم) وهم: (وزير التخطيط العمراني- مدير عام الأراضي- لجنة التخطيط العمراني).
-لجنة التخطيط العمراني في الولاية هي المسؤولة عن تغيير الغرض، وهي ذات سلطة في نزع الأراضي إذا لم تعمر لفترة من الزمن، ومن ناحية شرعية الأرض هي أرض استخلاف وليست ملكيتها ملكية قومية وإنما محلية، فالأرض في دارفور ملكيتها ومنفعتها لأهل دارفور، كذلك الأرض في ولاية الخرطوم لناس الخرطوم وليست لأهل السودان كلهم… فالخرطوم الآن تسمى ولاية وليست العاصمة القومية، والمشرع في قانون أراضي الخرطوم لم يغفل المفاهيم الشرعية.
{لكن المواطن تؤرقه قطوعات الكهرباء والمياه والتي لم تنتهِ (صيف- شتاء).
-مشكلة قطوعات الكهرباء والمياه نتاج للإخفاق الإداري في تلك الإدارات… فإمكانات الولاية المالية والفنية بما تملكه من كوادر فنية يجعلها قادرة على تطوير نفسها، فالمياه والكهرباء من الأشياء التي يجب أن لا تمنع عن المواطن وفق الشرع الإسلامي كما في حديث (ثلاث لا يمنعن).
•ولكن الحكومة تقول إن تكلفتها عالية وسعرها الحالي لا يتناسب مع التكلفة…؟
– الحكومة ذهبت في هذا الاتجاه مذهباً تجارياً وفي ولاية الخرطوم الآن الأرض السكنية والكهرباء والمياه كلها تباع للمواطن…وهذا ضد الدين…ولابد من تغيير المنهج والرجوع للمواطن صاحب الحق فيما يتعلق بالموارد.
•هل هذا ما يحزنك؟
-ما يحزنني أن هناك أشخاصاً ملكوا مئات القطع السكنية وهناك شخص لا يملك قطعة واحدة.
-هناك أراضٍ نزعت من مواطنين فقراء لصالح أغنياء بحجة تعميرها، وللأسف القضاء يقف في هذا الجانب ضد الفقراء بمبدأ (المصلحة العامة).
{ولكنك يا دكتور بذات الحجة أزلت عشش فلاتة؟
-ترحيل عشش فلاتة، كان في إطار برنامج متكامل لتحسين البيئة العمرانية، وإزالة التشوهات من خلال تحسين البيئة الحضرية، وتخفيف الكثافة السكانية.
– مواطن مدينة الإنقاذ، الآن مستقر، وحاصل على الحد الأدنى من الخدمات، وربما مرفَّه، ويبدو لهذا السبب قالوا (الوزير دقس)؟
ومقولة الوزير دقس تعبير عن ذهنية المواطن، الذي يعتقد أن الأرض هبة من الدولة يمنحها موظف أو مسؤول أو وزير… ولكن لا ضرر ولا ضرار.
{ماذا يحدث في سوق الأراضي الآن؟
-الأراضي السكنية بالخرطوم أصبحت سلعة يتضارب حولها التجار والبنوك بشراهة، فالبنوك قدمت التمويل للتجار والتجار حولوا كل أموالهم لشراء عقارات وأراضٍ، فالكثير من الأراضي بالخرطوم مقيمة بأكثر من سعرها الحقيقي… وقريباً سينهار ذلك السوق.
• أخيراً … حدثنا يا دكتور عن المدينة الرياضية؟
– المدينة الرياضية من ناحية تخطيط … لا يمكن أن تجعل النشاط الرياضي كله في مكان واحد، فلابد من توزيع الأنشطة على بحري وأم درمان.
– وبجعل النشاط الرياضي كله في مكان واحد تكون كررت تجربة مركز الخرطوم، وما تم فيها من تخطيط الآن كافٍ.
– من حيث التعمير …هناك بعض الأراضي بالمدينة نزعت من مواطنين لابد من تعويضهم ..
– لأن المدينة لم تعمر لمدة طويلة جعلت المحافظة عليها صعبة، فتمددت فيها جامعة أفريقيا، واقتطع منها لدار مصحف أفريقيا…وعوض بها بعض أصحاب الحقوق.
– بيعت بعض القطع بالمدينة الرياضية، ريعها استخدم في بناء الهيكل الخرصاني للإستاد.
– لو لم يتم بيع تلك القطع لما بني ما موجود الآن بالمدينة الرياضية، فالدولة لم تزد فيها من خزينتها (طوبة).
-ما بيع منها من أرض موجودة أوراقه على (دائر المليم) استلمتها وزارة الشباب والرياضة، واستخدمت بعضها في تطوير مجمع طلعت فريد …سلمت فلوسها بشيك للأراضي وهي الجهة المسؤولة عنها.
{محطات في حياة الدكتور “شرف الدين بانقا”
{النشأة والميلاد:
-ولد “شرف الدين إبراهيم بانقا” بقرية عسير جنوب غرب بركات بولاية الجزيرة عام 1946م.
{المراحل الدراسية:
-ود مقبول الأولية في العام 1953م الوسطى في العام 1957م، بالمدينة عرب (داخلية) أما الثانوي العالي فولج في العام 1961م، بأم المدارس (حنتوب الثانوية) ومن دفعته “كامل عبد الماجد” و”شمبول” وزير الطيران والشهيد “محمود شريف” و”إسماعيل الحاج موسى”.
-أما الجامعة فدخلها عام 1965م جامعة الخرطوم كلية الهندسة، لمدة (6) سنوات قسم الهندسة المدنية ومن دفعته “عمر البكري أبو حراز”، “شمبول عدلان”، “محمد تاج السر”، “علي الشيخ” وبروفيسور “يوسف حسن عبد الرحيم” مدير جامعة كرري الأسبق، “أبو شورة” وزير الري الأسبق، “تاج السر مصطفى” وزير الصناعة الأسبق والشهيد “محمود شريف” وإمامه في الدفعة محمد أحمد عمر.
{حياته العملية:
-في أواخر السبعينيات وكانت الظروف الاقتصادية صعبة وجاء موفدون من جامعة الكويت والحرس الوطني السعودي لإجراء «انترڤيو» لحاجتهم لتخصصات هندسة مدنية، فاختار السعودية وذهب إلى هناك وعمل في الحرس الوطني في تنفيذ مشروعات إسكانية تخص الحرس الوطني في جميع أنحاء المملكة، ومنشآت ذات (طبيعة خاصة) وذلك لمدة (5) سنوات وبجانب ذلك كان يعمل بالمركز العربي للإنشاءات الهندسية وخبيراً بالأمم المتحدة في العام 1985.
-بعد قيام ثورة الإنقاذ بأسبوع أي في أيامها الأولى حضر للسودان في إجازة وهنالك بعض من إخواننا المغتربين من الرياض أتوا إلى السودان لقضاء الإجازة وتم ترشيحه من قبلهم وعاد بعد انقضاء الإجازة وسمع باسمه من خلال أجهزة الإعلام فأخلى طرفه من المملكة وعاد للسودان وأكمل إجراءات تعيينه كأول وزير للشؤون الهندسية بولاية الخرطوم، وبقي في هذا المنصب منذ العام 1989م، وعلى مدى اثني عشر عاماً متصلة.
– كان التحدي الأكبر له تنفيذ الخطة الإسكانية المجمدة للعام 1973م، وإنزالها لأرض الواقع فرفع شعار (قطعة أرض لكل مواطن)..! ورغماً عن شح الإمكانيات ووضع العاصمة الشائك في أطرافها والمتمثل في السكن العشوائي، إلا أن ذلك لم يقف دون تحقيق الشعار آنف الذكر خاصة أن ذلك جُوبِه بعناد من أصحاب السكن العشوائي، إلا أن الدكتور “شرف الدين” بحنكته وزياراته الميدانية حل هذا الهاجس بسياسة يحسد عليها.
– جعل مكتبه في الوزارة تحت شجرة وفي الهواء الطلق وقصد من ذلك أن يختصر لكل صاحب مشكلة سكنية الطريق، ويكون أول وآخر نقطة يصلها مباشرة .. ثانياً كسب ثقته/ ثالثاً إزالة الحواجز بين المواطن والوزير بعيداً عن البروتوكولات، رابعاً السلوك الديني يقول من لم يهتم بقضايا المسلمين ليس منهم، فالعمل العام يجب أن لا تضع نفسك فيه في برج عاجي من المواطن إذا كنت مسؤولاً وتعامل معه بشفافية أو صدق أو شركه فكان أن سمع من المواطن ما يشغل باله في ذلك ويحمد الله أن كل من وقف أمامه وجد له حلاً (تحت الشجرة)، وكان يسمع دعواتهم له بالخير وهذه نعمة يفتخر بها وقلادة شرف طوقه بها كل مظلوم حل له مشكلته.