محليات الكشة.
سآخذ بالرواية الرسمية في حادثة حريق الوحدة الإدارية لمحلية الخرطوم بمنطقة أركويت، وهو ما نظم البعض بشأنه فرية أن امرأة غاضبة من العمال أحرقت المكان ! ولكن في الوقت عينه أقر بأن شكل تعاطي عمال المحليات وحكامها مع العامة من آكلي خشاش الأسواق والطرقات به كثير من أشكال الجلافة وانعدام الإنسانية وسوء الكيل؛ عمال المحليات وقادة الكشات هم الأولى بالكش! لو كنت صاحب قرار لجعلت تلك الوظائف خالصة لبشر لهم قلوب وتأهيل، ولدققت في معايير اختيارهم وكثيراً من أصادف بعض هذه الحملات فأتعجب من جهد الحكومة في مطاردة الناس، رغم أنه وبقليل ترتيب وتفاهمات ومرشدات يمكن أن يتحول هذا الجهد لصالح شراكة بين أولئك المطاردين والمحليات.
أمر آخر اعتقد أن المحليات نفسها بحاجة للنظر إلى شواغل أكثر من مجرد العلوق في شدة متابعة تلك الأنشطة الهامشية، ثم هموم ومطلوبات أكبر من الأمن للخدمات إلى التعليم كلها تبدو في درجة أدنى من سلم الأولويات. ذات الفرق والأتيام التي تنبش الأسواق لضبط بائعة شاي أو طعام أو ملاحقة (سريحة وفريشة)، يمكن باختصاصات أرفع أن تراجع المدارس وتتفقد الأقسام وأن تنشط في الأحياء بأكثر من مبادرة، لكن أن يصرف المعتمدون وقتاً طويلاً في درء آثار تلك الشجارات فهذا ما لا أستوعبه واعتقد أن الوقت قد حان للبحث عن معالجات يتم فيها تحويل بعض الإشكاليات إلى مظاهر إيجابية. يمكن تنظيم الأسواق والناشطين فيها بأكثر من طريقة وعمل بحيث يتم إحياء وسط المدينة تحديداً ومقار الأسواق، لتتحول إلى أماكن جاذبة باذلة للخير وليس مكاناً لاستمطار اللعنات على المسؤولين والحكومة.
ليس عملاً بطولياً أن تداهم مفرزة من العمال بائعة مسنة كبيرة العمر، ثم يحملون أدواتها وهي تتوسل إليهم وكذا الحاضرون ! وللأسف فإن بعض العمال ربما يجدون متعة في ممارسة سلطوية بتلك الحملات والتي واضح أنها عبارة عن دائرة مغلقة، لأن الحملات تأخذ الأدوات ثم تطالب الجناة بدفع غرامة لاسترداد ما لهم وهذا مؤشر يؤكد أن للأمر علاقة بكون الفعل نفسه القصد منه الجباية، وليس التنظيم أو حفظ جمال وبهاء الشارع العام، وإن كنت كذلك لا أعلم ما الجميل في جر عجوز إلى رئاسات المحليات والمخازن و(تلتلتها) وقصم ظهرها بالغرامات هذا إن لم يشمل الأمر أوامر محلية تجوز السجن والحبس ولو لبعض يوم.
اعتقد والله أعلم أن الدور المطلوب من المحليات والمعتمدين ومجالس المحليات أكبر مما نرى وأهم، وهم أساس العدل في المقام القاعدي فإن أضروا بالصورة العامة للحكم وهو ما يتطلب أن يكون هذا المقام عادلاً في غير تراخٍ وصارم بغير ظلم، وواعياً بدقة المكان وحساسية المرحلة وحق الناس في العمل والكسب الحلال في بلدهم.