السودان وإثيوبيا ..عزائم السياسة
السفير اللواء “عثمان السيد” من الشخصيات الموثوق في إلمامها بتفاصيل خلفيات تطورات العلاقات بين “الخرطوم” و”أديس أبابا”، ورغماً عن كثرة الناشطين في هذا الملف خبرة أو ادعاءً فإني كثيراً عند أي قول للسفير النابه، فما يقوله يجب دوناً أن غيره أن تصغي له الآذان ويكون في مقام التنبيه العام. وقد حملت صحف الخرطوم أمس تنبيهاً منه يشير إلى ما يمكن تسميته ضرورة إبداء اليقظة على صعيد واقع ومستقبل العلاقات بين البلدين الجارين، إذ بدت وتيرة النشر المثير الحامل لأخبار غريبة يتصاعد وهو ما تعجبت له، لأن وزير الدفاع السوداني قال أمس في البرلمان إنه لم يسمع بقتلى سودانيين على الحدود مع إثيوبيا! وهذا يشير عندي إلى أن هناك – وجرياً على العادة الجديدة – نشاط لإحداث توتر ولو مختلق يجر الجميع إلى مربع غير مناسب.
قناعتي أن التفلتات الحدودية الصغيرة لن تؤثر على علاقات “الخرطوم” و”أديس أبابا”، ويمكن تجاوزها عبر حكام الولايات والأقاليم. ومن خلال تناغم السياسات والمواقف بين المؤسسات الأمنية بالبلدين بمستوياتها القومية والولائية، والتواصل والتنسيق السياسي اعتماداً على منهج الحوار في معالجة كافة القضايا الأمنية بزواياها المختلفة، هذا في كل الأحوال، هدوءاً واضطراباً من أجل تفويت الفرصة على المتربصين بالعلاقات المتينة بين البلدين، لأن استقرار البلدين رهين بالاستقرار في كليهما. ولعل حالة السلام والتعايش التي امتدت لعقود على طول الشريط الحدودي تثبت هذا القول تماماً، إذ تحول المكان إلى شريط للمصالح والتجارة والشواغل التي ليس من بينها قط أي إجراء يتطلب حضوراً حكومياً بأي مستوى، لأن العلاقة تحولت إلى مسار وتيار شعبي ممتد بين المواطنين.
الحدود المشتركة الطويلة والممتدة ووجود أكثر من (11) اتفاقية للتعاون في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار والسياحة والإعلام، من المفترض بها أن تنقل البلدين نحو شراكة اقتصادية تستحق الاقتداء في النماذج الأفريقية التي أثبتت فشلها في تجارب أخرى، إلى جانب مصالح أخرى وثوابت روابط الدم والتاريخ وكثير يعزز حتمية تغلب الخير على الشر في هذه العلاقة. ولكن كل هذا لن يكون مثمراً طالما أن هناك أطرافاً وجهات ستسعى ما استطاعت لهدم جدار الثقة، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأطراف دولاً أخرى ولكن يمكن لأي متفلت وصاحب غرض، أن يحدث هذا ولو من مواطني البلدين، وهو ما يتطلب رفع مستوى الوعي بالتنوير والإرشاد للمواطنين خاصة في المواقع الحدودية، حتى لا يتسبب شجار شخصي في إحداث أزمة من العدم.
إن العلاقات السودانية الإثيوبية الراسخة فوق الشبهات تماماً وهي محصنة بالقدر اللازم من أي عوارض قد تتسبب في انتكاسة، ولكن هذا يجب ألا يصرف الناس عن ضرورة تحسس مواطن الضعف فيها وتقويتها. وقد قالت العرب من مأمنه يؤتى الحذر.