ميديا!
أخيراً، وبعد أن كتم الجميع أنفاسهم وظن البعض بأخوته الظنونا، نطقت وزارة الداخلية وتحركت الشرطة وبرأت ساحة قيادة الجمارك، ونزلت الداخلية بثقلها فيما أحسنت الشرطة توديع المدير السابق للجمارك واستقبلت خلفه، وخرج غير مسؤول بالزى العسكري والمدني ليقول إن ما أشيع عن فساد بهيئة الجمارك محض تخرصات وتدخلات (ميديا) وإن شيئاً مما أثير غير موجود. وبقدر ما أن البعض قد تنفس الصعداء فإن الواقعة أسقطت بضربة واحدة قصة اقتحمتها الصحافة المحلية وكادت أن تشارك (الواتس) وغيره إجراءات النشر بغير هدى أو تثبت.. منقصة “ندى القلعة” في الحوار الوطني إلى تعيين “مصطفى عثمان” سفيراً، إلى حكاية الجمارك التي نسفت أمس الأول– وهذه أمثلة من عشرات القصص المضروبة- فإن الراجح في المرويات الصحفية عدم الصحة فيما يبدو، مما يشير إلى وجود مشكل ما على الصحافة أن تتعامل معه بشكل موضوعي، ووفق إقرار بالحق ولو على نفسها، إذ يبدو انهيار بعض الأخبار كأنما يفسر قيامها خطأ وعلى أسس ضعيفة ومصادر لا يمكن الوثوق بها، وهذا إشكال مميت.
الأقبح من هذا انعدام ثقافة الاعتذار، يمكن القبول بإمكانية الخطأ والسهو أو بالإجمال أن يقع الصحفي في فخ التضليل من مصدر ما، لكن هذا يعني بالضرورة حال انكشاف الخطأ التقدم بكل شجاعة والاعتذار للشخص أو الجهة المتضررة، هذه ثقافة يجب أن تسود ومسلك من المهم أن يتم إقراره، لأن للنشر الضار حتماً ضحايا وأبرياء ربما تحصدهم رصاصات الكتابة والإعلام، خاصة من تمدد الإعلام نفسه بحيث صار بإمكان أي شخص أو مجموعة أشخاص طرح ما يشاءون من أقوال وآراء ومعلومات، وبلا معايير لدقة المطروح، وهو ما يجب أن تقف عنده الصحافة المطبوعة مائة مرة، فقواعد النشر عندها تختلف جملة عن النشر في وسائل التواصل الاجتماعي.
كثير من الشخصيات السياسية والعامة تم التجني عليهم بصفتهم الاعتبارية وبصفتهم الشخصية، وقد أهينت سمعتهم واتهموا في أخلاقهم ووطنيتهم، وطالتهم شبهات بالفساد واللصوصية دون أن يثبت الطرف الراوي وبصيغة منضبطة أسانيد صحيحة أو ذات إقناع أن ما تقدم به منقول أو طرح يستند إلى دليل ظاهر ومبين، وأغلب الذي يحدث، أن رواية سماعية تتحول بشكل ما إلى (قصة خبرية) ركيكة وغير مكتملة الأركان تتحول عبر المشاركة والتراسل والتمدد لتكون (رواية رعب) تنتهي آخر الأمر بضحية تلطم الأسافير بحثاً عن شخص قد يكون شبحاً واسماً (نيك نيم) بلا هوية!
يجب أن تكون كثير من الأخبار المضروبة التي صعدت مؤخراً هادياً للجميع من أجل تحري ضوابط كثيرة، مهنية وأخلاقية، فآخر ما ننتظره ونرجوه أن يتحول الوطن كله إلى ساحة لتبادل الاتهامات، فمن شأن ذلك هز روابط الثقة بين الجميع، حيث يتحول الكل إلى متهمين ومشتبه بهم، وهم أبرياء!