مجرد سؤال؟؟؟؟
لهذه الأسباب كنت أكثر حظاً
رقية أبو شوك
أكثر ما لفت انتباهي وأنا أؤدي شعيرة الحج هذا العام منظر الحجيج من مختلف دول العالم، بعد خروجهم من عرفات متوجهين إلى مزدلفة… منظر بهيج يحتاج إلى فنان بارع لكي يصوره ويوثقه …خرجوا في جماعات.. الأمر الذي جعلني أقف لأشاهد المنظر … وأنا أشاهده فإذا بي أجد أن مجموعتي التي كنت أسير معها للبص الذي يقلنا إلى مزدلفة قد سارت مسرعة، وتاهت مني وتهت منها . فعندما يتوه الحاج فإن هذا كما يقول أهل الدراية من علامات الحج المقبول، وكذا الالتهاب الذي يصيب الحجيج ، فهو من علامات الحج المقبول. والله أعلم.
في مزدلفة أعجبت أيضاً بمنظر الحجيج وهم يجمعون الحصى استعداداً لرمي الجمرات صباح أول أيام العيد بمنى …. مزدلفة منطقة مليئة جداً بالحصى، والذي أحسب أنه لهذه المهمة. فحتى أنك لا تستطيع أن تسير فيها حافي القدمين… جلست على الأرض، مثلي مثل غيري، وفي يدي قارورة ماء فارغة لأجمع بها الحصى. وكنت سعيدة جداً بهذا العمل الإيماني القوي، ونحن نعظم شعيرة الحج ..حسبت الحصى وزدت، لأنه ربما لا يصادف الشيطان الكبير، أو ابنيه وهنا يكون البديل الجاهز.
وأحسب أيضاً أنني كنت من أكثر الناس حظاً، فالغرفة التي احتضنتا في مكة، كانت تضم اثنين من المرشدات(د. أحلام ووفاء الطيب)، بالإضافة إلى شخصي وزميلتي فاطمة مبارك والدكتورة الخلوقة، بتول الطيب ..أصبحت ملمة بكل تفاصيل الحج، بالإضافة إلى أسئلة فقهية، كانت تلوح في رأسي ولا أعرف لها إجابة. ولكني سألت منها وعرفتها . فالإجابة كانت تأتيني سريعة من أخواتي الفضليات د. أحلام ووفاء… سألت دكتورة أحلام عن الحصى. فقالت لي هل تعلمين بأنه منذ أن فرض الحج ، وحتى الآن لم يرم حاج بحصى حاج آخر .فهذه حكمة يعلمها رب العباد . فقط نتخيل بأن الحصى بعد انتهاء الحج، يتم إعادته لمزدلفة للحج القادم. هذا ما كان في مخيلتي. ولكن لا. الآن أصبح يتم تدويره بباطن الأرض ليخرج في مكان آخر، بعد أن كان في الماضي يحمل في جرارات كبيرة ليرمى بعيداً، ومع تطور الأحداث تطور كل شيء … يا سبحان الله.
من طرائف رحلتي، ونحن في مطار جدة في طريقنا إلى مكة، قلت لأحد المسؤولين : (نحن تعبنا، والحج لسه ما بدا) قال لي: (منو القال ليك ما بدا ..العداد رامي من لحظة التحرك من الخرطوم، وهذه كلها حسنات ستكتب لنا، بإذن الله تعالى). ضحكت من الأعماق لهذا الرد المعبر. والذي أزاح التعب منى. وهنا أقول للأستاذ ياسر عجيب، مفوجنا: شكراً على هذا الرد الإيماني المقنع الذي أراحني من تعب الرحلة.
ونحن بمخيم منى تذكرت من يقول لك من الحجيج قبلي، وهم يحكون لنا (دي بت حجتي ،وهذا ود حجتي). وهذه حقيقة قد تجد أخوات لم تلدهن أمك، يسألن عنك إن غبت عن عيونهن. وإذا لم تأكل . وهل رميت الجمرات؟ وفى السودان ساكنين وين ومشيتوا السوق ؟ولا لسه وحتشتري شنو؟ وأنت تجيب على الأسئلة بكل أريحية، ونتبادل أرقام الهواتف لنتواصل في السودان . وقد لا أنسى عواطف التيجاني وسوسن وسامية وحنان والحاجة الكبيرة، أم الفقرا وحاجة ذكية والزهراء…هؤلاء كن جاراتي، ونحن في منى.
كنا نضحك لقفشات الدكتورة إحسان الغبشاوي، وهي تحذر النساء من الذهاب للشيوخ وتحذرهن من (خمشة) قروش الراجل الكتار من الجيب، ثم تذكرهن بعد ذلك بآيات النجاح والذرية والرزق وتقول لهن ضاحكة بأن ركن الحج الخامس هو باب شريف، وهنا يضج الجميع بالضحك، لأن الكل كان في نيته الذهاب لباب شريف في جدة، لشراء كل ما يريد فهو سوق به كل ما يشتهى، وبأرخص الأسعار.
وما بين تشدد وفاء الطيب ويسر دكتورة أحلام، وهن يقدمن الإرشاد البسيط حتى يدخل المخ بدون مشقة ، كانت هنالك مجادلات خفيفة الظل … استفدت كثيراً من حلقات النقاش التي كانت تتم بيننا حتى الساعات الأولى من الصباح وخرجت منها بحصيلة معلوماتية دنيوية وأخروية، جعلتني أسجلها على مفكرتي الخاصة بأحرف من نور.
من الطرائف، أيضاً، وأنا في الطائرة من الخرطوم إلى جدة كنت أذاكر في الحج وشعائره من ورقة سطرتها لي شقيقتي الصغيرة (نفيسة) بل (نوفا) كما أحب أن أناديها … حفظت أحكام الحج عن ظهر قلب، وتذكرت الحج ونحن بالصف السادس بالمرحلة الابتدائية، وهو كان من أصعب الأبواب بالنسبة لي … (ذاكرت) الورقة وبعد أن أديت العمرة تمتع، كنت أقول في نفسي خلاص تاني ماعندي حاجة إلا طواف الإفاضة والوداع، إلا أن شقيقي (محمد) قال لي، بعد أن زارني في مكة، (الحج بالنسبة ليك لسه ما بدا … حيبدا بعرفات)، قلت له أنا طفت وسعيت. قال لي: (لا دي عمرة وتاني حتطوفي وتسعي، لأنك تمتعتي). وزاد: (ومن تمتع بالعمرة إلى الحج) …أنسيتي هذه الآية فإنه يوجب الهدي أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة، إذا رجعتم وتلك عشرة كاملة. .. يا لها من شعيرة عظيمة.
فالذي يزور الأراضي المقدسة، يتمنى أن يذهب كل عام.
اللهم استجب دعوتي وأرزقني الحج العام القادم، وإن شاء الله المنادي تاني يناديني، لأزور البيت وأطوف وأسعى وأمشي المدينة، وأزور “سمح الوصوفو . فالشوق لعظيم الشأن كامن في الوجدان.