*السوريون بالسودان.. لاجئون أم ضيوف على أوضاع معيشية لاتطاق؟
*كلما تعقدت الاوضاع بـ”سوريا” زادت نسبة القادمين
*المفوضية السامية للاجئين: هم لاجئون رغم الصفة القانونية، التى منحتها لهم الحكومة
*الهلال الأحمر السوداني:لا نقدم أية مساعدات أو عون للسوريين، لأننا لا نعتبرهم لاجئين
تحقيق – هبة محمود
مع أن السودان يعتبر في طليعة الدول المستقبلة للاجئين، وظل كذلك طوال عقود،ألا أنه لم يمتنع عن استقبال المزيد، ففتح أبوابه، دون قيد او شرط لاستقبال اللاجئين، من جنوب السودان ،إثر اندلاع الحرب الأهلية فيه، مثلما استقبل اليمنيين ،ثم السوريين.
ولم يعمد السودان إلى إغلاق حدوده أو فرض شروط، كما فعلت أغلب الدول العربية والأفريقية الأخرى، بفرض تأشيرات دخول اليها، مثلما فعلت “الصومال” و”جزر القمر”، وغيرها للحد من تدفقاتهم.
ولم تكتف الحكومة السودانية بفتح حدودها أمام السوريين ، فحسب، بل أصدرت توجيهاتها بمعاملتهم كمواطنين،وهو ذات الاجراء الذي اتخذته فيما يتعلق بالجنوبيين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية في بلادهم، وبذلك ينتفي وضعهم القانوني كلاجئين، ويصبح سوق العمل مفتوحاً أمامهم ،وكذلك حرية التنقل والسكن دون قيد أو وصاية، من “الأمم المتحدة”، لكن ثمة تعقيدات أحدثها وضع أؤلئك اللاجئين، بمختلف جنسياتهم ،والسوريين منهم ، تحديداً ،ودون قصد منهم، ربما تسببت في خلق مشكلات واجهتهم ، ما ألح بفرض التساؤل: هل كان قرار معاملتهم كضيوف في مصلحتهم، أم كان يتعين معاملتهم كلاجئين ؟ خاصة ،فيما يعنى بمشكلات المعيشة ، والسكن والإيجار ، خاصة ، الذي اصطلى بناره كلا من الضيوف والمضيفين.
إشكالات غير متوقعة
بطريقة أو بأخرى تسبب القرار القاضي بمعاملة السوريين كضيوف وتسهيل دخولهم وإقامتهم وفتح جميع المدارس والجامعات لهم مجاناً على نفقة الدولة، في بادرة مباركة منها ودعم للجهد العربي لاستقرار “سوريا” وغيرها، تسبب في إشكالات لم تصب في صالح أغلبهم ،سيما أولئك الذين يشكون من شظف العيش، فقد أبدى معظمهم شكواهم من ارتفاع أسعار الإيجارات بالسودان، وأسعار المواد الغذائية ،كذلك، وفي المقابل كانت ذات الشكوى تنطلق من اوساط المؤجرين السودانيين . ففي البدء، استغل أصحاب العقارات تدفق اللاجئين وإقتدار بعضهم دفع ما يملونه عليهم من قيمة ايجار، ما أثر على الطرفين.
(المجهر) استطلعت عينة من السوريين المتضررين من ارتفاع الإيجارات وغيرها ، كان اول من التقت به منهم، “محمد التطري”، البالغ من العمر (29) عاماً ،والذي لم يفتأ يجرب كل أنواع العمل منذ وصوله السودان، حيث ، جرب كماقال ، أن يكون عامل مكواة (مكوجي) بمدينة بحري (شمبات)، وبدا متضجراً ، وهو يزفر الهواء الساخن عبر (المجهر) ،من سوء الأوضاع التي يعيشها بعد أن تركته زوجته، وفي معيته طفلين “يحيى وعبد الرحمن” وهما أبناؤه من زوجته الأولى، التي تركته أيضاً ، واختارت العيش بـ”الأردن”.
ارتفاع سعر الإيجارات
يقول محمد: كنت أمتلك محلات لبيع خضروات وفاكهة، قبل اندلاع الحرب بـ”سوريا” التي قلبت حياتنا رأساً على عقب، ومع تأزم الأوضاع لم أجد سوى السودان ، باعتباره البلد العربي الوحيد الذي تكرم بفتح أبوابه لنا.
لم يكن السودان كما يشتهيه “محمد” ويتمنى، فقد كان ارتفاع سعر الإيجارات أولى العقبات التي لاقته، وكان قد استأجر غرفة على السطح ، بمدينة بحري بمبلغ (1300) جنيه شهرياً، ومع ضيق ذات اليد التي يعاني منها، لم يتمكن من الاستمرار في الدفع سوى تسعة أشهر، لينتقل بعدها بالسكن مناصفة مع أحد الإخوة الموريتانيين.
وبتمنيات لا تشوبها شائبة، تمنى محدثي لو أنه كان تحت لواء الأمم المتحدة ومعسكراتها ، حتى تتكفل بكل منصرفاته والتي تتسيد قائمتها ،تعليم أبنائه، خاصة أن ابنه الأكبر ظل منقطعاً عن الدراسة لمدة عامين، ودخله من عمله بالمكواة (2000) جنيه شهرياً ،بالكاد يغطي منصرفاته من سكن ومعيشة، وامتعض في الوقت ذاته، من الارتفاع الذي وصفه بالرهيب لأيجارات المنازل بالسودان، لافتاً إلى أنهم كسوريين ، كانوا أكثر وقوفاً مع السودانيين المقيمين بـ”سوريا”، ففي الوقت الذي تبلغ فيه الإيجارات بسوريا (20) ألف ليرة سورية، مثلاً ، يتم تأجيرها للسودانيين بما يعادل (8) آلاف ليرة سورية، بحسب محدثنا، الذي أكد أن أكثر ما أعجبه في السودان هو تعامل المواطنين المحترم معهم.
تكفل بالإيجار
ويبدو ان مجال الأعمال الهامشية ، هو الوحيد ، المتاح للاجئين لأجل تأمين لقمة العيش لهم . فهناك التقينا مع “عبد الوهاب طبنجة”، واحد من السوريين الذين يتلظون بنار الأوضاع المعيشية في السودان، فهو يعمل نجاراً بشارع “عبد الله الطيب” بالخرطوم ،ويقطن بذات الشارع في منزل يبلغ ايجاره (2500) جنيه سوداني، مع أسرته المكونة من خمسة أطفال ،جميعهم خارج أسوار الدراسة.
وشكا “عبد الوهاب”،للمجهر ،من سوق العمل شبه متوقف، منذ عيد (الفطر المبارك) وحتى الآن، فهو بالكاد يتحصل على عمل، ما دفع بأحد معارفه المقيمين بـ”تركيا” ،أن يتكفل بإيجار منزله، فالأمور سيئة للغاية، على حد قوله ، والأوضاع المعيشية لا تطاق ،خاصة أن كل شيء باهظ الثمن، بحد وصفه.
عاطفة السودانيين
(عاطفة السودانيين معنا مبالغة)،قالها ، بلكنة سورية مزجت بلهجة سودانية، وذلك من واقع سنوات قضاها الرجل في بلده الثاني السودان، منذ عام 2000م. كانت تلك كلمات “محمد مازن أبو الخير” رئيس جمعية دعم وإغاثة العائلات السورية بالسودان، خلال حديثه للمجهر وهو يصف تعامل السودانيين وتضامنهم مع الإخوة السوريين في معاناتهم ، حتى ان بعض المتسولين، كماقال سعي لاستغلال هذه الحالة ، بادعاء انهم سوريون شردتهم ظروف الحرب ،ليستدروا بها عاطفة السودانيين، ويتكسبوا من هذاالانتحال.
“أبو الخير” طفق يشرح في حديثه لـ(المجهر) كيفية عمل الجمعية التي تكونت بمبادرة كريمة من بعض رجال الأعمال السوريين المقيمين، منذ سنوات بالسودان، لدعم القادمين من “سوريا” وتقديم المساعدات لهم وتأمين فرص العمل، وسد الفجوة ما بين الراتب والمنصرف ،ومحاولة تقليصها، وتغطية العلاج بالكامل، بجانب سلة غذاء شهرية مكونة من (أرز ـ عدس ـ سكر ـ عدس أبو جبة ـ زيت ـ مكرونة ـ شعيرية ـ سمنة ـ برغل ـ تمر ـ دقيق ـ صابون غسيل ـ فراخ أو لحمة ـ طحنية ـ شاي ـ عرديب)، كما تتكفل الجمعية بحوالي خمسمائة أسرة سورية ،وفقاً لأولويات الحاجة ،بعد عمل زيارة ميدانية للأسر عبر لجنة مكونة من أربع سيدات والوقوف على وضعهم، بجانب شروط تضعها الجمعية وهي ضرورة عمل رب الأسرة أو عمل ابنه.
تدفق المزيد
الإعداد في ازدياد، هذا ما قطع به “أبو الخير” الذي توقع تدفق المزيد من السوريين، لافتاً إلى أن عددهم الحالي بالسودان تجاوز الـ(105) ألف سوري، وهي إحصائية صادرة عن جمعيته في شهر رمضان الماضي، حيث يدخل عبر مطار الخرطوم حوالي ألف سوري شهرياً ، قادمين من “سوريا” بخلاف القادمين من دول أخرى، وقال: كلما زادت الأوضاع تعقيداً بـ”سوريا” زادت نسبة السوريين القادمين للسودان باعتباره الدولة الوحيدة ،التي تفتح أبوابها أمامهم.
وأرجع رئيس دعم وإغاثة العائلات السورية تدفق السوريين للسودان بنسب كبيرة ،رغم أن دولة “تركيا” أيضاً من الدول التي لم تفرض عليهم قيوداً تعوق دخولهم أراضيها، أرجعه إلى طبيعة المجتمع السوداني المحافظ ،التي تتوافق إلى حد كبير مع طبيعة المجتمع السوري، بحسب قوله.
طموح بالعودة
وضع السوريين تحت وصاية “الأمم المتحدة” ومعاملتهم كلاجئين بالسودان والعيش داخل معسكرات، وسحب جوازاتهم منهم، فكرة لم تلق استحساناً لدى السيد “أبو الخير” التي اعتبرها خطوة لا تتلاءم مع الشعب السوري، الذي يطمح ويتطلع للعودة قريباً إلى وطنه في يقين منهم أن الظلم لا بد من نهاية له.
واعتبر محدثي أن أهم المشكلات التى تواجه السوريين بالسودان ،هي ارتفاع أسعار السكن من قبل المؤجرين السودانيين، والتي فاقت حد استطاعة أغلب السوريين، دون تقديم مساعدات لهم من قبل الجمعية، سيما أنهم كجمعية بالكاد يستطيعون إعانة حوالي خمسمائة أسرة سورية ،دون تقديم دعم لهم من أية جهة بخلاف بعض المنظمات المحلية، التي تسعى من وقت لآخر للتعاون معهم وبعض المحاولات من بعض رجال الأعمال السودانيين.
ارتفاع أسعار الإيجار لم يتظلم منه السوريون فحسب، بل تلظى بناره مواطنون سودانيون أيضاً، بعد أن عمد معظم أصحاب العقارات إلى رفع أيجارات المنازل لهم ومطالبتهم للمستأجرين برفع القيمة قياسا بما يدفعه المستأجرون السوريون، أو إخلاء المنزل، ولعل السيدة “ناهد” صاحبة منظمة الأم ناهد، وهي إحدى سكان حي (كافوري) تعرضت لما يمكن تسميته بمحاولة ابتزاز من قبل صاحب العقار، الذي تقطنه بعدما طالبها برفع قيمة إيجار الشقة التي تقطنها إلى (3500) بدلاً عن (1800) جنيه!! ووصفت الأمر بالفظيع ، وطالبت بوضع حد لما يحدث.
توجيهات رئاسية
لم تفصح معتمديه اللاجئين بالخرطوم عن أعداد وإحصاءات رسمية للاجئين السوريين الموجودين بالسودان، وأكد مهندس “حمد الجزولي” معتمد اللاجئين في إفادات مقتضبة لـ(المجهر)، أنهم قاموا بتوقيع اتفاقية مشتركة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالسودان لتسجيل أعدادهم، وقال: نحن نتعامل مع ملف الإخوة السوريين بموجب التوجيهات الصادرة من رئاسة الجمهورية باستضافتهم.
جمعية (الهلال الأحمر السودانية) أيضاً أكدت تعاملها مع ملف السوريين الموجودين بالسودان من واقع التوجيهات الصادرة من رئاسة الجمهورية، وقال السيد “بشير النور” (إعلام الهلال الأحمر السوداني) لـ(المجهر): لا نقوم بتقديم أية مساعدات أو عون فيما يتعلق بالسوريين، لأننا لا نعتبرهم لاجئين ، وإنما مواطنون فرص العمل والسكن متاحة لهم.
رغم الصفة القانونية… لكن!
رغم توجيهات الرئيس “البشير” بمعاملة السوريين كمواطنين، إلا أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة بالسودان تصر على معاملتهم كلاجئين، وبحسب مصدر من المفوضية، فإن السوريين رغم الصفة القانونية التي منحتها لهم الحكومة السودانية، إلا أنهم ليسوا سوى لاجئين، وقال المصدر:” من يأتي إلينا نساعده ونقدم له الممكن”.