انضمام السودان لمنظمة (أوبك).. هل تحركه المنافع السياسية ؟
في انتظار كسب رهان التزكية السعودية : وزير النفط أكد تقديم الطلب
تقرير – نجدة بشارة
قد يبدو الطلب برمته للوهلة الأولى مثيراً للاستغراب ومدعاة للتساؤل!! من ناحية أن إنتاجية السودان لا تتجاوز الـ(130-135) ألف برميل ولا تكفي الإنتاجية الاستهلاك المحلي حتى أن الدولة مكرهة على استيراد كمية إضافية لتغطي الحاجة.
في هذه الأثناء تتقدم الحكومة السودانية بطلب رسمي للانضمام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (الأوبك)، والتي تضم (12) دولة تعتمد على صادراتها النفطية اعتماداً كبيراً لتحقيق دخولها.. ويعمل أعضاء (الأوبك) على زيادة العائدات من بيع النفط في السوق العالمي، وتملك الدول الأعضاء (40%) من الناتج العالمي و(70%) من الاحتياطي العالمي للنفط، أي ما يعادل ثلاثة أرباع المستخلص من البترول في العالم.
وتنتج أقل دولة عضو بالمنظمة ما لا يقل عن (1,500) مليون برميل يومياً، فيما تنتج دول أخرى ما يقارب الـ(8-13) مليون برميل يومياً، بينما لا يتجاوز إنتاج السودان قبل الانفصال الـ(550-600) ألف برميل.
وفي ظل تضارب الأحداث واختلاطها على أرض الواقع، اكتفى وزير النفط “د. محمد زايد عوض” بالصمت وألحق الغموض بالطلب بقوله (قدمنا طلباً بالفعل للأوبك وننتظر قراراً)، ولم تقدم الوزارة أي إيضاحات بشأن الغرض من انضمام السودان لمنظمة (الأوبك) وما الاستفادة من ذلك أو هل لدينا نفط يؤهلنا لنحلق بعيداً عن أرض الواقع؟.
وكان مسؤول دبلوماسي قد وصف الأزمة السياسية وما تحدثه من افرازات بأنها مثل كرة السلة في الهواء، لا يسمح لها بالسقوط، وقد لا تستخدم لتسجيل أهداف، ولكنها تساعد على إبقاء أنظار المشاهدين مشدودة إلى الكرة.
وهذا يفسر بعض المواقف التي قد تبدو غامضة بالنسبة للمتلقي العادي.. ولكن قد يرى بعض الخبراء بأنه لا مستحيل تحت الشمس، وأنه قد سبق فعلاً أن أرسل الرئيس النيجيري “أولوسيغون أوباسانجو” رسالة إلى السودان يدعوه فيها للانضمام إلى عضوية منظمة (الأقطار المصدرة للنفط)، وذلك إبان دورته الرئاسية للمنظمة في أواخر العام (2006م) فترة كان السودان دولة نفطية مصدرة ومتوسطة الحجم بحساب السوق، وقبل أن يحدث الانفصال ويذهب (70%) من الإنتاج إلى نصيب جنوب السودان، ولكن الآن أصبح الوضع مختلفاً كلياً ولا يخضع لحسابات كرة السلة، وأوبك كغيرها من المنظمات تسهر لرعاية مصالحها ولا تعمل بالكلام أو الطلبات المعلقة في الهواء.. خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن أهم أهداف منظمة (الأوبك) تتمثل في المحافظة على أسعار البترول ومستوى السلع المصنعة، وتعمل على استخدام الموارد المالية المتاحة للدول الأعضاء من أجل تحقيق تنمية اقتصادية، كما تسعى لإيجاد الوسائل التي تضمن استقرار أسعار البترول في السوق العالمي بالتنسيق مع الدول الأعضاء في السياسات البترولية.
ولكن قد تتغير الموازين وتنقلب رأساً على عقب إذا ما أولينا اهتمامنا بالتقدم الذي أحرزه السودان مؤخراً وتوقيعه اتفاقية بالعاصمة الروسية “موسكو” مع شركة (GTL) بالأكاديمية الروسية لاستغلال الغاز المصاحب للنفط بتحويله إلى وقود سائل يضيف ما بين (500-600) برميل يومياً في المرحلة الأولى.. وقال “د. محمد أبوزيد عوض” في تصريحات صحفية إن وزارته عملت على زيادة إنتاج البترول عبر استغلال الوسائل العلمية والتقنية، وأضاف أن الاتفاقية توفر للبلاد (100) مليون طن سنوي من الوقود الحيوي عبر استغلال الغاز وتحويله إلى وقود سائل.
وتوقع أن يحدث ذلك طفرة اقتصادية وعائدات تقدر بحوالي عشرة ملايين دولار شهرياً، كما توقع أن يضيف الاتفاق الذي تم مع الشركة الروسية لتحويل الغاز الذي تقدر قيمته بـ(400) ألف دولار إلى سائل، توقع أن يضيف (500-600) برميل يومياً جازولين وبنزين، بالإضافة إلى إنتاج عشرة آلاف أسطوانة غاز في اليوم.
ويرى الخبير الاقتصادي “د. عز الدين إبراهيم” أن حصول السودان على عضوية بـ(الأوبك) يعطي اعتبارات (جيو سياسية) ويصنع للدولة (أحلافاً) ووزناً سياسياً، وقال إن منظمة (الأوبك) لديها (صندوق للتنمية) قد يساعد السودان في حال حصوله على العضوية، وقال إن إنتاجية السودان الآن من البترول لا تتجاوز الـ(130) ألف برميل حتى إذا ما أضفنا الـ (500-600) برميل المتوقعة من الاتفاقية، فإن ذلك قد يكون رقماً بعيداً عن مقارعة الدول المنتجة والأعضاء الدائمين بالمنظمة، وأضاف ولكن المنافع السياسية قد تكون مطلوبة في حال حصول السودان على الموافقة.. ولكن حسب خبراء اقتصاديين، فإن (أوبك) مثلها مثل أي منظمة لها دور كبير هو المحدد لسياساتها في النهاية والمقرر عنها.
وإذا كانت الأنظار تتجه إلى “واشنطن” ووضعيتها في العالم كقوة عظمى، فإنه في حالة (أوبك) فإن السعودية تمثل القوة الأكبر لما تتمتع به من احتياطات ضخمة تمثل ربع الاحتياطي العالمي، إلى جانب تعدد منافذ تصديرها والأهم من ذلك احتفاظها بطاقة إنتاجية فائضة لا تقل عن المليون ونصف برميل يومياً، هذا يجعل البعض يصف “السعودية” بأنها البنك المركزي بالنسبة لسوق النفط.
وبناءً على الاختراق الذي حدث مؤخراً في العلاقات بين “السعودية” و”السودان”، فإن ذلك يصعد من فرص السودان لكسب الرهان بتزكية السعودية، وبالتالي قد يحصل على عضوية المنظمة.
هذا إذا لم تكن هنالك صفقات تمت فعلاً بين الدولتين وبعيداً عن أنظار (المتلصصين) لمبادرة السودان بطلب الانضمام لهذه المنظمة (ولغرض في نفس السعودية).
ولكن دعونا لا نتجاوز بتفاؤلنا سقف الواقع خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن النفط في السودان يقوم على مبدأ قسمة الإنتاج، أي أن هنالك شراكة بين السودان وشركات أجنبية تتحمل تكاليف التنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره.. وفي حالة قبول عضوية السودان وانضمامه للأوبك، فإن ذلك بلا شك سيعطي حصة إنتاجية محدودة تفرضها المنظمة تتماهى مع السوق العالمي خاصة وأن سوق النفط بالأسواق قد أصبح شبه منهار في الآونة الأخيرة، مما قد يتطلب إخضاع السودان لنسب إنتاجية معينة تعتمدها المنظمة سواء أكانت عالية أو منخفضة، أي نسبة تؤهله ليكون عضواً بها.
لكن خبيرا وطنياً في مجال البترول – فضل حجب اسمه – بدا أكثر تشاؤماً ، ورأى أن طلب السودان سيقابل بالرفض، وأرجع ذلك إلى وضعية السودان بعد الانفصال، وأنه أصبح دولة مستوردة وغير قادرة على الاكتفاء المحلي، وأضاف (فاقد الشيء لا يعطيه)، وقال ليس لدينا بترول لنصدر والإنتاج المتوفر الآن به كمية كبيرة ليست ملكاً للسودان وإنما ملك للشركات الأجنبية، وذهب قائلاً قد يكون سبق أن عرض على السودان الانضمام إلى المنظمة، بل وكان السودان مراقباً في (الأوبك)، ولكن الآن لتكون عضواً لابد أن تصل نسبة إنتاج معينة تتجاوز الـ (300) ألف برميل يومياً، كما حدث أن انضمت دول صغرى مثل (الجابون والإكوادور) ذات الإنتاجية نفسها، ثم عاودت الانسحاب مجدداً نسبة للاشتراطات الموجودة بالمنظمة والتي قد تكون أكبر من طاقتهما على توفيرها، وقال إنه حتى حق السودان كمراقب بالمنظمة تم سحبه عقب الانفصال.
وأعتقد الخبير أن سعي السودان للانضمام لن يضيف شيئاً للسودان الآن ولن يدعم إنتاج أو صناعة أو اكتشاف البترول بالبلاد، ويرى أن ما تحتاجه الدولة فعلياً هو تطوير صناعة البترول وإلى دول حليفة تساعد في الاستثمار أو التنقيب عن البترول بالسودان وزيادة الإنتاجية.
والجدير بالذكر أن الشروط التي تؤهل لعضوية (الأوبك) تنحصر في الفقرة الثالثة من القرار رقم (1-2) من مقررات وتوصيات المنظمة التي نصت على الشروط المطلوب توفرها في الدولة التي تنتج النفط وترغب في الانضمام إلى المنظمة، وتتمثل في مقدرة أي دولة لديها صافي إنتاج خام مصدر منها معقول ويعد في العرف المعمول به لدى المنظمة إنتاجاً تجارياً من الممكن أن يصبح عضواً بالمنظمة، ثانياً أن تحظى الدولة طالبة الانضمام على موافقة ثلاثة أرباع الدول كاملة العضوية في المنظمة مشتملة على أصوات الأعضاء المؤسسين للأوبك، وللمنظمة ثلاثة أنواع لعضويتها: أعضاء مؤسسون وهم من أسسوا المنظمة سنة (1960م)، أعضاء كاملو العضوية وهم جميع الأعضاء في المنظمة، أعضاء منتسوبون وهم الذين تؤهلهم ظروفهم لنيل العضوية.
من جانبه طرح الخبير الاقتصادي بروف “عصام الدين بوب” في حديثه لـ(المجهر) عدة تساؤلات عن ما وراء طلب السودان، وقال إن الطلب قد يكون سياسياً في مضمونه، وقال إن هنالك مفارقات لطلب الحكومة الانضمام لهذه المنظمة باعتبار أن الدول الأعضاء بالمنظمة هي التي شكلت لتنظيم أسعار النفط في العالم باعتبار أنهم منتجون لسعة لديها تأثيرها على الحركة الاقتصادية.. وإذا كان السودان ينتج (120) ألف برميل يومياً يستهلك حوالي (100) ألف برميل منها إذن ها هو حجم الصادر من هذه الكمية، وأردف” بوب” بأن السودان ليس له تأثير على السوق العالمي.
هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن دولة مثل “روسيا” تنتج حوالي (11) مليون برميل يومياً ولم تنضم للمنظمة، إذاً ما الجدوى الحقيقية من وراء طلب السودان؟ وهل حكومة السودان على استعداد للإعلان عن الكمية الحقيقية وأسعارها يومياً؟ وما القيمة من انضمامنا للأوبك؟.. وهل سيتم قبول السودان في المنظمة التي تضم عمالقة إنتاج البترول في العالم؟. كل هذه الأسئلة تفتح الأبواب على مصراعيها من وراء نية السودان الانضمام لمنظمة (الأوبك)؟.