تقارير

"الجنينة" تسهر مع "حمد الريح" وتمسح دموعها ليلة (الأربعاء)

مقتل القيادي “نافع” وبيانات تهدد بعودة الفتنة لغرب دارفور
جهاز الأمن ينزع فتيل احتقان دار أندوكا
“الجنينة” :   يوسف عبد المنان
تتذكر مدينة “الجنينة” وولاية غرب دارفور فاجعة الصراع القبلي الذي حصد في يوم واحد أكثر من (51) شخصاً من قرية صغيرة تقع جنوب “الجنينة” اسمها (ملي)، في تلك القرية بذرت الفتنة في تراب دارفور حينما هاجمت خيول عليها رجال (غلاظ) القرية التي كانت تقرأ قرآن الفجر،  وتغني بفرح طفولي.. وترقص على أنغام أفريقية وتأكل العصيدة وتشرب القهوة وتصلي بلسان عربي مبين، وتغني بلغة المساليت.. دفنت القرية في ليلة الشؤم حينذاك (51) من رجالها وشبابها ونسائها.. وبعد مضي ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ تلوح في الأفق بوادر فتنة جديدة، وإعادة لمأساة (ملي) القديمة، رغم أن جراح الجسد قد غطاها وكساها اللحم، ولكن جراح النفس تجددها الأحداث.. بدأت بوادر الفتنة بمقتل القيادي في القبائل العربية “نافع الدود” ، بطريقة مريبة حيث كان يؤدي العزاء في قرية لأهله من المساليت.  وقد عرف “نافع الدود” بعلاقاته الواسعة مع أطياف المنطقة وسعيه الدءوب لإطفاء أي بؤرة نزاع خاصة بين أهله من القبائل العربية والمساليت.. بعد أداء واجب العزاء امتطى “نافع” حصانه الأشقر، وقرر العودة لمدينة “الجنينة”، في ذلك المساء..انطلقت  بعض الرجاءات من المساليت بالمبيت خوفاً عليه من وعورة الطريق وسيول الخريف،  وبعض المتفلتين الطامعين في الخيول والحمير.. لكنه رفضها،  ظناً منه أن رسول السلام بلا أعداء في الأرض.. وأنه على علاقة طيبة مع الجميع.. صلى المغرب في نقطة شرطة، تبعد من “الجنينة” بضعة كيلومترات، وامتطى حصانه وهو يشق الحشائش والأشجار الشوكية التي اخضرت في فصل الخريف، بعد مغادرته نقطة الشرطة بدقائق سمع دوي صوت الرصاص باتجاه الطريق الذي سلكه، ولكن الظلام أخذ يتسلل للمنطقة.. ودوي صوت الرصاص في دارفور مثل دوي صوت الطائرات، في المدن الكبيرة.. كان ابنه في “الجنينة” يتصل به من حين لآخر.. للاطمئنان على صحته في غير العادة،  حيث ظل “نافع الدود” يجوب القرى والفرقان لبث رسالة السلام والتسامح، ولكن صمت هاتف “نافع” عن الرد.. وأخذ القلق يدب في أسرته التي هبت للبحث عنه في الظلام الدامس.. وعند بلوغ نقطة الشرطة أشار إليهم الرقيب قائد الشرطة، في تلك المنطقة للدرب الذي سلكه “نافع”،  وصوت الرصاص الذي (سمعه) بعد مدة قليلة من مغادرته.. عثر أبناء “نافع” على الحصان (يئن) من الألم، وقد استقر الرصاص في بطنه.. وعلى بعد أمتار من الحصان كانت جثة “نافع الدود” ملقاة على الأرض، وأمواله في جيبه وهاتفه بالقرب منه وبندقيته الجيم (3) بعيدة عنه.
للوهلة الأولى أدركت أسرة “نافع” أن الحدث اغتيال مدبر، وليس حادثة نهب.
{ روايات المشهد وشرارة الفتنة
تعددت الروايات بشأن مقتل القيادي “نافع الدود”، أكثرها منطقاً و رجحاناً هو أن جهة ما، اختارت أكثر القيادات حرصاً على السلام الاجتماعي، بين مكونات المنطقة، لبذر فتنة صراع جديدة بين القبائل العربية والمساليت.. وذلك بعد استقرار الأوضاع الأمنية في الولاية، من سنوات عديدة.. خاصة وأن التمرد يضعف جداً، حينما يتماسك المجتمع ويسود الاستقرار و(يتقوى) بالفتنة القبلية والصراعات الاثنية.. وفي هذا المناخ المشحون (بالتوترات) تنامت الشائعات، وصدر بيان من هنا.. وبيان من هناك.. ووزعت المنشورات في داخل “الجنينة”، كل طرف يتوعد الآخر بالويل والثبور. وقطع السلطان “سعد بحر الدين” مهمته في الخرطوم ليعود مسرعاً للجنينة، لدرء الفتنة ونزع فتيل الاحتراب الذي بات يطوق عنق المدينة.
{ مبادرة جهاز الأمن لدرء الفتنة
وإزاء تلك التطورات التي تنبئ بعودة الصراع المدبر بين القبائل العربية والمساليت بغرب دارفور،  أعلن مدير جهاز الأمن والمخابرات بولاية غرب دارفور، العميد “ياسر أحمد محمد نور”، عن مبادرة لدرء الفتنة . وذلك بعقد سلسلة اجتماعات مع السلطان “سعد بحر الدين” سلطان عموم دار المساليت،  القيادي البارز في المؤتمر الوطني ومعتمد “الجنينة” الأمير “الطاهر بحر الدين”، والأمير “شينيان” زعيم القبائل العربية، وعدد من الأعيان وزعماء القبيلتين، واتفق الجميع على طي صفحة الاتهام، ونزع فتيل الفتنة، ومعالجة الأزمة وفقاً للنصوص التالية.
1.    يدفع المساليت دية (عجاجية) في مقتل “نافع الدود” لقبيلة الرزيقات، أولاد زيد”.
2.    تدفع قبيلة الشقيرات الدية للمساليت في مقتل المرحوم “إدريس إسماعيل علي نمر”.
3.    أن تكون اللجنة في حالة انعقاد دائم لمتابعة الأوضاع.
4.    عدم المساس بالحق العام.
5.    التزام الهدوء وضبط النفس من جميع الأطراف.
 وبذلك نجحت جهود جهاز الأمن والمخابرات في إطفاء شرارة حريق سعت جهات عديدة في الداخل والخارج لإشعالها، من أجل إعادة دارفور مرة أخرى لسنوات الاقتتال التي خيمت عليها في أعوام 2003م و2004م و2005م، ولكن السؤال لماذا غاب دور الجهاز السياسي وحكومة الولاية عن أحداث، هي المعنية بها، أولاً؟
وقد تحملت الأجهزة الأمنية والعسكرية إخفاقات حكومة الولايات وعجزها عن القيام بدورها.. ووجدت تلك الحكومة من تتكئ عليه لينوب عنها في أداء صميم واجباتها.
{ “الجنينة” ترقص وتغني مع “حمد الريح”
كان لدرء الفتنة أثر  بالغ ،  في خروج الآلاف من الجماهير في ليلة (الأربعاء) الماضي، ووزارة الثقافة المركزية (تنظم) احتفالية جماهيرية بمسرح المدينة، ضمن أنشطة مشروع “الجنينة” عاصمة للثقافة السودانية.. حضور مدهش لجمهور عريض من مدينة تقع في تخوم حدود دولة تشاد، لكن “الجنينة” تغني مع “حمد الريح” (الساقية لسه مدورة) و(نحن جايين في المغيرب وتاني عايدين للمغيرب).. ووزراء الثقافة في الولايات يسهرون مع الجمهور،  حتى الساعات الأولى من الصباح، وحتى الوالي “خليل عبد الله” كان قريباً من الجمهور الوفي.. ومشروع “الجنينة” عاصمة للثقافة بدأ في العام 2011م، ولكن المشروعات الخاصة بالبنية التحتية تعثر تنفيذها.. ولم تجد المتابعة إلا بعد تعيين الوزير “الطيب حسن بدوي”، وتتمثل كبرى المشروعات في المركز الثقافي الذي أطلق عليه الوزير اسم الشاعر “محمد مفتاح الفيتوري”، وفاءً له.. ولتاريخه ولأن “الفيتوري”، ابن “الجنينة” الذي ينحدر من أب أصوله من ليبيا وأم من المساليت.. ودرس في “القاهرة” وتزوج من مغربية ومن سودانية، فأصبح “الفيتوري” يجمع شتات أفريقيا، والعرب شيئاً من هنا.. وآخر من هناك حتى (قبر) في المغرب، وشفتاه ترددان:  دنيا لا يملكها من يملكها، أغنى أهليها سادتها الفقراء
 العاقل من يأخذ منها في استحياء
والغافل من ظن الأشياء هي الأشياء..
والمركز الثقافي بالجنينة بات قريباً من الافتتاح في شهر فبراير القادم، إذا ما تدفق المال على الشركة المنفذة، وهي تعترف باستلام (4) مليار جنيه، وفي الأوراق بالمالية تقول الأرقام إنها استلمت (6) مليارات جنيه، ولا عجب إن تباعدت الأرقام، واختلفت.  وهناك نزاع حتى داخل وزارات حكومة غرب دارفور ما بين المالية والثقافة والإعلام، أيهما أحق بمتابعة تنفيذ المشروع . والدولة أنفقت ما قدره حتى الآن (40) مليار جنيه، على مشروع “الجنينة” عاصمة للثقافة، وكل المشروعات متعثرة، خاصة متحف السلطان “تاج الدين”، الذي يغيب المقاول (الأصلي) ويحضر الوكيل المحلي.. ومدير المشروعات “سنادة” يقول إن المبالغ التي استلمتها الشركة المنفذة لأعمال المتحف، قدرها (4) مليارات جنيه.. والوكيل يتهم حركة العدل والمساواة التي وقعت على السلام، بنهب محتويات المتحف وعرقلة العمل.. والبروفيسور “يوسف فضل” مدير جامعة الخرطوم الأسبق، يطالب بالتخصص العلمي في تشييد المتحف.. وبوادر نزاع داخلي تلوح بين أفراد من أسرة السلطان، تؤدي إلى عرقلة تنفيذ المشروع.. وتبرع أسرة السلطان السخي بمنزل تاريخي يقع في ربوة عالية في المدينة من خلالها يراقب السلطان ما يجري في المدينة، هذا المنزل التاريخي اتخذته الحكومة من قبل (مسكناً) لمتمردين قادمين من الغابات.. ويحيط بمشروع “الجنينة” عاصمة للثقافة (شبهات) فساد في عهد الولاية السابقة، حيث تقارب المبالغ التي أنفقت حتى اليوم الـ(40) مليار جنيه، وحتى السيارات الأربع التي تم شراؤها من أجل المشروع، بعضها معطوب وآخر في الخرطوم وأخريات لا يعرف أين هي الآن وعددها (4) سيارات. وربما لهذه الأسباب وغيرها من المسكوت عنه، قال الوالي “خليل عبد الله” وهو يزور السجناء في “الجنينة”، أنتم مشكلتكم بسيطة، بعض إخوانكم من المسؤولين السابقين سينضمون إليكم قريباً ليضمهم جدران هذا السجن.
{ إشراق الغد
طاف الوزير “الطيب حسن بدوي” وهو يعيد الروح لمشروع “الجنينة” الذي كاد أن يموت ويتعهد بإكمال مسرح مدينة “الجنينة”، الذي تكفل به والي الخرطوم السابق د.”عبد الرحمن الخضر”، حينما كانت ولاية الخرطوم تمد بصرها بعيداً عن أرجلها وتتكفل بمياه الشرب في “لقاوة” ومسرح في “الجنينة” وتشييد مدرسة ومنتزه “الجنينة” العائلي في غضون ثلاثة أشهر، في الأرض التابعة للغابات، ولكن النازحين من فواجع الحرب قد تناثرت خيامهم في تلك الأرض، وهم يطمعون في التعويض أو إثارة قضية وغبار في وجه الحكومة، التي لا تتعلم من أخطائها ولا تنسى شيئاً.. وقد تعهد الوالي “خليل” بترحيل النازحين حتى ينهض المنتزه  الذي يجعل “الجنينة” تتنفس طبيعياً.. وتحصد ثمرات مشروع الثقافة، بنيات تحتية  ومسارح وليالي ثقافية وتواصلاً بين المركز والأطراف من أجل سودان قادم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية