مسألة مستعجلة
فوضى حتى الموت !!
نجل الدين ادم
من أخطر ما حملته الصحف السيارة أمس (الثلاثاء) كان خبر رصد (21) حاوية نفايات إلكترونية (مسرطنة) قابعة بميناء بور تسودان، والغريب في الأمر أن الجهة التي تتبع لها البضاعة مجهولة!، هذا ما قالت به لجنة الصحة بالمجلس الوطني بعد أن زارت ولاية البحر الأحمر، في إطار دورها الرقابي، حيث أشارت إلى أن الحاويات ظلت قابعة بالميناء لستة أشهر قبل اكتشاف محتواها بسبب الإجراءات!!.
لم يرق لي بأن سلطات الميناء لا تعرف لمن تتبع هذه الحاويات واكتفت بأنها مجهولة، وهذا الحديث لا يصدقه عقل مهما كان، لأن التسليم بهذه الفرضية يعني أن العمل في الميناء لا تحكمه أي ضوابط، فكيف لجهة أن تستورد بضاعة وتستخرج التصاديق الرسمية اللازمة وتشحن البضاعة على ظهر البواخر وتصل الميناء، عندها يختفي أصحاب هذه (الكونتينرات) التي تحمل الموت للميناء!،.
والمزعج أن حقائق أخرى تكشفت للجنة البرلمانية وبحسب اعترافات هيئة الموانئ البحرية أن هناك بضائع خطرة تعدت فترة السماح القانوني بالميناء، والمؤسف أن بعضها تتبع للحكومة والمنظمات وجهات دبلوماسية.
بالله عليكم هل من فوضى وإهمال أكثر من هذا؟!، ميناء يدار على طريقة سوق أم دفسو الذي تكون الغاية فيه البيع والسلام، لا يهم أصحاب البضاعة إذا كان ما يبيعونه موتاً بطيئاً للناس أو سريعاً فقط المهم هو التكسب.
صحيح أن هيئة الموانئ البحرية شكت من بعض المعوقات لكن بالتأكيد هذا لا يعفيها والجهات الأخرى ذات الصلة، من أن يكون هناك دور رقابي صارم لكل بضاعة تصل الميناء، وفي حالة المواد الخطرة يفترض للحكومة أن تتبع سياسة الفحص المسبق للسلع في بلد المنشأ قبل أن يتم رفعها عبر البواخر، فهذه فيها حماية للتاجر وحماية للبلد وللمواطن الذي يمكن أن يكون ضحية لأي إهمال.
هيئة الموانئ البحرية وحسب متن الخبر ذكرت أنها قامت بتغليف تلك الحاويات ونقلها لميناء جاف وتحرير خطابات لوزير المالية الاتحادي لتوفير المبالغ اللازمة لترحيل تلك الحاويات، لدول تمتلك محارق مطابقة للمواصفات للتخلص منها. والمحزن والمبكي أن المبالغ المطلوبة لإنجاز هذه المهمة ما تزال تحت الدراسة!.
ومن أبرز شكاوى هيئة الموانئ أن البضائع التي تصل إلى الميناء بصورة عامة بخاصة التي تبقى قابعة لفترات طويلة، باتت مشكلة بالنسبة لهم لجهة أن قانون الميناء يمنع التصرف فيها بالبيع بعد انقضاء فترتها وتسمى (مهملة). وذكر بأنهم لا يستطيعون هبشها.
وهنا أيضاً يظهر عجز القانون في معالجة مثل هذه الإشكالات. قصة النفايات الإلكترونية المسرطنة يفترض أن لا تمر مرور الكرام، لأن الأمر خطير. البرلمان مطالب بأن يقوم بدوره الرقابي على أكمل وجه ويمضي في اتجاه إثبات تبعية هذه (الكونتينرات) التي تحمل نفايات مسرطنة، من خلال تبني لجنة فنية من عضويته للتقصي في القضية، ومحاسبة ضعاف النفوس بأشد العقوبات دونما رحمة أو شفقة، وأن لا تكون هناك حصانة لأي مجرم يثبت تورطه في هذه الجريمة التي لا تقل عن الخيانة العظمى للبلد.
المسألة الأخيرة وفي شأن التشريعات فإن هيئة الموانئ البحرية بحاجة لسلطة، تمكنها من التعامل مع البضائع التي تتجاوز فترة السماح في الميناء، والله المستعان.