حوارات

(المجهر) في حوار الجرأة والصراحة مع العميد (م) "يوسف عبد الفتاح" (1-2)

هناك غيرة وحسد في أعلى مستويات النظام.. لذلك تم إبعادي!!
“الناس عايزني” لكن أصحاب القرار لا يريدونني.. لأنهم لا يحبون الناجحين!!
تم اعتداء على المال العام في اتحاد الكرة.. وهذه تفاصيله !!
هذه أسباب خلاف العميد “عثمان أحمد حسن” مع “الترابي”
الجميع بمن فيهم الرئيس يتحملون أخطاء (نيفاشا) وليس “علي عثمان” وحده!!
“يوسف عبد الفتاح” (رامبو) أحد أبرز وأنشط قادة الإنقاذ في أيامها الأولى، لكنه رويداً رويداً غادر المشهد الإنقاذي، ما جعل كثيرين يتساءلون عن أسباب تخلي الحكومة عن رجل بكل هذه الطاقة والمقدرة على العمل.. (المجهر) جلست إليه وحاولت استنطاقه حول كل الملفات، فلم يبخل علينا بقدر غير متناهٍ من الصراحة والجرأة، فاتحاً نيرانه في كل الاتجاهات، ومقدماً النصح لإخوانه تارة أخرى.. الحديث عن ما قال الرجل قد يفسد بعض التفاصيل.
حوار- عقيل أحمد ناعم
{ (رامبو) كان من أبرز وأنشط قادة الإنقاذ.. لماذا ابتعدت أو أُبعدت؟
– صراحة أنا حزين، وكنت أتمنى أن يكون هذا اللقاء مبشراً في بداياته، لكن دعنا نضع النقاط فوق الحروف.. للأسف هناك غيرة وحسد شديد في هذا النظام تعمل على إبعاد كل من يلمع ويمتلك رأياً و شخصية قوية، وهناك نماذج كثيرة أبعدت (غازي، عبد الرحيم حمدي، شرف الدين بانقا، قنيف والطيب سيخة).. عموماً كل من له شخصية ويقول رأيه بوضوح غير مرغوب فيه ويتم إبعاده ويبقى فقط من (يقولون نعم).. وللأسف شعارات من شاكلة (لا ولاء لغير الله) وغيرها لا تتوافق مع ما تم تطبيقه فعلياً، والدليل الانقسامات التي حدثت وتمثل صراعاً حول السلطة.. وللأسف أيضاً قيم الدين غائبة وغابت قيم الزهد والإيثار، وسادت حظوظ النفس.. وللعلم لو كانوا يعتمدون خيار القواعد فأنا في آخر مؤتمر تم اختياري بالإجماع رئيساً للمؤتمر الوطني في  الحي.
{ هل تعني أن هناك أعداء للنجاح داخل النظام؟
– نعم بالتأكيد، موجودون، ولا يحبون الناجحين.
{ هذا الحسد والعداء للنجاح الذي تتحدث عنه مستشرٍ في كل مستويات النظام أم هو محصور في مستويات دنيا؟
– للأسف هو منتشر على أعلى المستويات في النظام.

{ كانت تسريبات قوية تتحدث عن اختيارك والياً للخرطوم ثم من بعد كانت هناك إرهاصات أنك ستكون ضمن طاقم حكومة الولاية.. ولكن كل هذا لم يتحقق.. لماذا في رأيك؟
– رغبة الناس والمواطنين فيني حتى الآن قوية جداً، وهذه واحدة من الحسنات التي اكتسبتها من الإنقاذ، وأعطتني سمعة طيبة جداً، وأنا خدمت الناس وما زلت مستعداً أن أخدم الشعب. لكن الشعب (عايز حاجة والمسؤولين عايزين حاجة تانية)، فهم لا يحبون الناس الناجحين، ولا يحبون الناس الذين يحبهم الشعب.. (المسؤولون يحبون ويرغبون فقط في الناس البيحبوهم هم).. الشعب والقاعدة الجماهيرية معي وتريدني، لكن من بيدهم الأمر لديهم رأي آخر.. لذلك يجب توجيه هذا السؤال للمسؤولين الذين يتخذون القرار.
{ هل هذا الأمر ذاته تعرض له أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين ابتعدوا باكراً العميد “عثمان أحمد حسن” و”فيصل مدني” وغيرهما؟
– ناس “عثمان” هم الأساس في الثورة والذين جندوا الآخرين، وقد أُبعدوا لأنه كان لديهم رأي.
{ عفواً.. ما هو الرأي تحديداً الذي على أساسه أُبعد “عثمان” أو ابتعد؟
– كان لديه موقف واضح بأن يقف السودان مع الكويت عندما تعرض للغزو العراقي، باعتبار أن الكويت من أكبر الداعمين للسودان وأنشئت كثير من مشاريع البنى التحتية، وباعتبار أن العراق دولة غازية، لكن الرأي كان أن نقف مع العراق.
{ مع من اختلف “عثمان” تحديداً في هذا الموقف؟
– اختلف مع (شيخ حسن) بالذات، وقد كان الشيخ حينها له تأثيره الكبير في الحركة الإسلامية، فاضطر “عثمان” أن يغادر النظام.
{ هل كان رأي “الترابي” أن يتم تأييد العراق؟
– ليس شيخ “حسن” فقط- حتى نكون صادقين- هذا كان موقف المكتب القيادي في ذلك الوقت (المجلس الأربعيني)، وأنا كنت عضواً فيه، وهو الذي كان يقرر في شؤون البلاد. وكان رأي المكتب أن العراق أكثر دولة دعمت السودان عسكرياً خلال حرب الجنوب، وفي زيارة الشهيد “الزبير” للعراق أعلن “صدام” دعمه للسودان وأعطانا دبابات وأسلحة مختلفة، في حين أن كثيراً من الدول لم تدعم السودان.
{ هل يعني هذا أن السودان كان يؤيد دخول العراق للكويت؟
– للتاريخ، كان رأينا واضحاً أننا ندين دخول العراق للكويت، باعتبار أن الكويت دولة لها سيادة، وكان قرار المكتب القيادي أننا ضد غزو العراق للكويت.. وفي ذات الوقت ضد دخول الأمريكان في المنطقة، وأن تحل المشكلة في الإطار العربي.
{ سعادتك.. على ذكر “الزبير محمد صالح”.. أنت كنت قد ذكرت في حوار سابق أنه لو كان “الزبير” موجوداً لما كنت قد ابتعدت عن الإنقاذ.. ما تفسير هذا الأمر؟
– نعم.. لأن “الزبير” يُقدر الرجال الذين يعملون، وكان يشيد بي إشادة خاصة.. وقد كانت تأتيه شكاوى من البعض ضدي، فكان يواجههم، فهو رجل يحب الحق، وله ثقة عالية في نفسه، وزاهد جداً في السلطة، ولم يكن يطمع أو يهيئ نفسه ليصبح يوماً رئيساً للبلاد كما يفعل البعض.
{ هل تعني أن هناك من يطمعون ويهيئون أنفسهم ليتولوا الرئاسة؟
– نعم، هناك البعض يعمل في الدولة ويهيئ نفسه ليصبح رئيس الجمهورية بدل الرئيس، بعض منهم ذهب، وآخرون ما زالوا موجودين يهيئون أنفسهم ليحلوا محل الرئيس.. لكن “الزبير” وهو نائب رئيس لم يكن يفكر إطلاقاً في أن يصبح رئيساً أو غفيراً.
{ بصراحة يا سعادتك.. من أضر أكثر بالإنقاذ.. العسكريون أم المدنيون الذين ينتمون للحركة الإسلامية؟
– لا أستطيع تحديد أياً منهما الأكثر إضراراً بالإنقاذ، فبعض العسكريين كانت مواقفهم سلبية ومضرة، وبالمقابل بعض السياسيين من الحركة الإسلامية لهم أدوار سلبية خاصة في اتفاقية “نيفاشا”.
{ ما هو الدور السالب المتعلق بـ”نيفاشا”؟
– هناك أشياء تمت في “نيفاشا” أنا غير راضٍ عنها، وقلناها في حينها، إن “نيفاشا” تكرس للانفصال، خاصة في ما يتعلق بإقرار الاتفاقية ووجود ثلاثة جيوش (الجيش السوداني، جيش الحركة وجيش مشترك)، لأن سيادة الدولة في الجيش الواحد. بجانب أننا أعطينا البترول الذي أخرجته الدولة كاملاً للجنوب الذي كان عبئاً على ميزانية البلد، وكان يجب أن ننص في الاتفاقية على أن يبقى البترول مشتركاً عشرين عاماً أو أكثر.. هذا خلاف القنابل الموقوتة في ملف أبيي وترسيم الحدود.
{ من يتحمل مسؤولية أخطاء “نيفاشا”.. هل هو الطاقم المفاوض حينها؟
– لا، ليست هناك جهة واحدة تتحمل المسؤولية.. نعم كان هناك فريق بقيادة “علي عثمان” قاد التفاوض، لكن المسؤولية يتحملها الجميع بدءاً من رئيس الجمهورية فهو كان يعلم كل صغيرة وكبيرة، والرئيس غير معفى من هذه المسؤولية.. أنا لا أحمّل المسؤولية لجهة بعينها، فالنجاح له أسياد كثر وكل الناس تتبناه، لكن الفشل تتم نسبته لشخص واحد.. لكني أقول إنها مسؤولية الجميع، بما فيها المكتب القيادي للحزب، وبقية الأحزاب الأخرى التي تمت مشاورتها.
{ لماذا تم تمرير أخطاء “نيفاشا” خاصة موضوع الجيوش المتعددة؟
– ما كان ظاهراً أن هناك وعوداً خارجية متعلقة بإعفاء الديون، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وغيرها لم تكن مرئية، لكن للأسف رغم أن من أشرفوا على “نيفاشا” سياسيون محنكون كانوا يعولون على أن هناك وحدة جاذبة، وأنا كنت على علم أنه لن تكون هناك وحدة، وهذه من الأشياء (الدقسوا فيها)، بدليل أن “سلفاكير” وهو النائب الأول للرئيس كان يأتي لاجتماعات الرئاسة من جوبا ويعود إليها ولم يزر أية ولاية شمالية.
{ لماذا وأنت عسكري لم تتحدث في حينها عن مخاطر وجود ثلاثة جيوش؟
– تحدثت في حينها وصرحت للصحف باعتراضي على وجود ثلاثة جيوش، وذهبت لدكتور “غازي” في منزله وأوضحت له رأيي وتحفظي كعسكري، فأجابني بأنه رفع مذكرة لرئيس الجمهورية حول هذا الموضوع، وبعدها التقيت “غازي” وأخبرني أنه تقدم باستقالته.
{ هذا يفرض سؤالاً حول دور قادة الجيش والعناصر العسكرية.. هل كانت مغيبة أيام “نيفاشا”؟
– لا لم تكن مغيبة، لكن هذا الموضوع سياسي أكثر من كونه عسكرياً.. العساكر يقولون رأيهم لكن في النهاية رأيهم غير ملزم.. والحرب يعلنها الرئيس وليس الجيش.
{ هل قال الجيش رأيه حول هذا الأمر؟
– رأي الجيش لن يظهر للناس، فهو ليس مؤسسة سياسية تتم فيها مشاورة أفراد وضباط الجيش حول ما إن كانوا يقبلون بثلاثة جيوش أم لا. والجيش لا يشاور بهذه الطريقة، وهو عمل سياسي.. والجيش في النهاية يأتمر بأمر المؤسسة السياسية.
{ سعادتك.. ادعت الإنقاذ أنها جاءت لإنقاذ البلد وتحسين معيشة الناس وحماية الأرض والسيادة.. بعد أكثر من ربع قرن الآن هل فعلاً أنقذت السودان؟
– صراحة (من ناحية أنقذت فهي أنقذت)، قبل الإنقاذ لم يكن المواطن يأمن على بيته ولا عرضه وكادت تتقطع أوصال البلد، وفي الجنوب كانت كل يوم تسقط مدينة، وكان الجيش بلا سلاح ولا حتى ملابس ويمضي نحو الانهيار، والأحزاب تتصارع حول اقتسام البلد، لولا مجيء الإنقاذ لاحتلت الحركة الشعبية كل البلد. أقول إن مجيء الإنقاذ كان مهماً جداً، لكن لم تمض الأمور كما كنا نشتهي، وللأسف لم تتحقق كل أهداف الإنقاذ بعد مرور أكثر من (25) سنة.. والموجود الآن ليس طموحنا.
{ لكن الواقع يقول إن السودان الآن انفصل والجنوب الذي كنتم تقاتلون من أجل بقائه سلمتموه بالكامل للحركة الشعبية.. فأي أهداف متعلقة بسيادة البلد حققتها الإنقاذ؟
– الواقع حينها كان يقتضي مجيء الإنقاذ، وحتى السياسيين في ذلك الوقت عبروا عن عدم تمسكهم بالنظام القائم، وقال “الشريف الهندي”  حينها (الديمقراطية دي لو شالها كلب ما ح أقول ليه جر).. هذا خلاف أحوال الناس المعيشية السيئة، والبطالة، واعتمادنا على الإغاثات، وافتقار البلد لأية إرادة.. لكن نحن لم نكن نعلم الغيب، أنه سيأتي يوم وينفصل الجنوب
{ بصراحة هل ترى أن وضع البلد الآن أفضل من الوضع الذي أتيتم لإنقاذها منه؟
– نعم أفضل، أفضل كثيراً.. أولاً في ما يلي ثورة التعليم، عندما أتت الإنقاذ كانت هناك ثلاث أو أربع جامعات فقط، الآن أكثر من خمسين جامعة، وكانت تمضي الأسابيع وليس هناك كهرباء.. حتى في الصحة أحسن من قبل الإنقاذ، زيادة كبيرة في المستشفيات والمراكز الصحية.. سابقاً كان الخبز بالصفوف، ولا يوجد وقود، كنا نمنح العربة جالونين بنزين في الأسبوع، لدرجة أننا كنا نعلن في الأعياد عبر التلفزيون أننا سنمنح أية عربة جالونين إضافيين، حتى أن أحدهم قال لي مازحاً: (أيامنا كلها بقت أفراح معاكم، نلقى جالون بنزين نفرح أو عيشة زيادة نفرح).
{ هناك قضية مالية في اتحاد كرة القدم عندما كنت وزيراً للرياضة.. ما تفاصيلها؟
– تم فساد في الرياضة وتحدثت عنه ولم يتم حسمه، وبعدها طلبوا مني أن أذهب والياً لسنار فرفضت.
{ ما هو هذا الفساد الذي حدث في الرياضة؟
– وأنا مسؤول عن الشباب والرياضة كانت هناك مخالفات في الاتحاد العام لكرة القدم.. وقفت ضد هذا الفساد، و”عملت تحقيق” وكانت قضايا واضحة جداً، لكن المحكمة حكمت بأنني وزير غير مختص بقانون الرياضة وأنا رئيس للمجلس الأعلى للرياضة،  والقضية لم تحكم حتى الآن.. أنا تركت منصبي بسبب وقوفي ضد الفساد، وكان يمكنني أن أبقى وزيراً للرياضة.
{ ما هي القضية بالضبط؟
– القضية هي أن اتحاد عام الكرة تغوّل على المال العام.. وأقسم بالله العظيم جاءني في مكتبي أمين خزينة الاتحاد حينها “عيسى كباشي” وأطلعني على أن رئيس الاتحاد في تلك الفترة يعتدي على المال العام، وطلب مني عدم توريد أي مال للاتحاد، فخاطبت رئيس الإتحاد وطلبت منه أن يأتيني في المكتب وأخبرته باتهامات أمين الخزينة، فرد بأن كلام أمين الخزينة غير صحيح، فطالبته بأن يأتي لمقابلتي فلم يحضر، وأنذرته بأنه إن لم يأت سأجري تحقيقاً حول الأمر.
{ كيف تم الاعتداء على مال الاتحاد؟
– كانوا يتحدثون عن وجود (15) ألف دولار في البنك الأهلي، ولكن يأتي البنك ويكتب “أن القروش دي ما جاتنا ولا شفناها ولم يرجع  الشيك (آر دي)”. وأيضاً موضوع عن إرسالهم (5) آلاف دولار عبر الـ(دي إتش إل) وعندما سألنا الـ(دي إتش إل) قالوا إن الاتحاد لم يرسل أي خطاب.. وكل هذا الكلام موجود.
{ وهذه القضية لم تُحسم حتى الآن؟
– القضية لم تحسم حتى الآن، وعندما تحدثت وطالبت بحسمها  طلبوا مني أن أذهب والياً لسنار فاعتذرت.. والمحكمة قالت إني وزير غير مختص، لكن جاء وزير للرياضة بعدي هو “حسن رزق”، فلماذا لم تنظر المحكمة في القضية؟ وأنا أتحدث الآن عن هذا الموضوع ولو كان كلامي غير صحيح (خليهم يمشوا يفتحوا فيني بلاغ إشانة سمعة لو كانوا فعلاً عندهم حق وأقوياء) لكنهم ما ح يقدروا.. أنا بقول الكلام ده عشان ما يجي زول يقول لي (ليه من زمان ما اتكلمت عن الفساد) أنا تكلمت، مع أنه كان ممكن أمشي (ألبد) والي في سنار وأجي بعدها والي للخرطوم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية