من وحي الأخبار

اهتمامات

ألم أقل لكم إن السياسة تراجعت ويبدو أن السودانيين في الطريق للتعافي منها؛ غالب الكتاب السياسيين كتبوا أمس عن الهلال والمريخ وزاحمت تصريحات الكوتش “محسن سيد” أخبار الحوار الوطني والجريمة! ولم يعد من حديث لقيادي بارز بحزب معارض أو حاكم يفتح شهية أحد للمتابعة أو التركيز.
حالة انصراف شعبية كاملة عن السياسة؛ نشطاء المعارضة لا أحد يهتم بأخبارهم؛ لم يعد حادث اعتقال يلفت نظر أحد أو بكائيات الديمقراطية تجذب مناصراً؛ نشطاء الحكومة بدا خطهم أكثر تحرراً تجاه نقد الواقع؛ لم تعد الشعارات النبيلة تثير حماسة أحد منهم! تقدمت للأمام قضايا الخدمات وشواغل العيش اليومي فلم يعد مهماً هل انشق هذا الحزب أم التأم شمله الأسري.
الأمر حتماً لم يكن انصرافاً (ساكت كدا)، إذ من الواضح أن هناك حالة إحباط سوداني جمعي من الأحزاب وهي الوجه الآخر لمعني السياسة،  إذ تواجه الآن بحالة عصيان؛ والناس محقون فبعد عقود وتأملات على مختلف الحقب وبالتركيز على الأعوام العشريات الأخيرة، لم يكن هناك من أنموذج قد أحرز نصف النمرة ناهيك عن النمرة الكاملة؛ ثمة إحساس كبير أن جل مصابهم الاقتصادي والأمني إنما تسبب فيه حزب معارض أو جماعة حاكمة.
هذا الواقع كأنما هو ما عبر عنه الشيخ الدكتور “حسن الترابي” بقوله  عشية لقاء جمع كل القوى الحزبية بأن الولاءات للأحزاب ضعفت، وهو قول أهمله السامعين ليلتها وربما حان وقت استبانته الآن؛ لذا فإن التعصب الفاشي في الطرقات للهلال والمريخ و(داعش) و(ابرما ابرما) قد تكون تمظهرات لحالة الانصراف الجماعي من كل الفئات.
الجيد في أتون كل الظاهرة أن الولاء للوطن لم يتأثر لذا صار هدفاً في شباك خصم باسم السودان يسعد ويفرح بشكل هستيري، وبالمناسبة لا أحمل كثيراً حتى على قسوة المناكفات، فهي وإن جنحت مرات لخارج النصوص فإنها آخر الأمر مزاح وإن كان خشناً فظ القافية والبيان، لكنه لن يوقع الدماء والثأرات بين الفصائل كما هو الحال في السياسة، حيث القطيعة لدرجة أن قوى تزعم الوطنية ترفض حتى مبدأ الحوار الوطني، هكذا دون أي مسوغات موضوعية إلا التشدد المفضي لتعميق الأزمة ثم يتساءلون لماذا يكرههم الناس.
إن الوقت لم يفت بعد وبإمكان الساسة والأحزاب عبر الحوار الوطني وغيره استدراك أمرها بأن تكون قوى تلامس هموم الناس في الشارع، وهي هموم قوامها عيشوا ودعونا نعيش في وطن متماسك حتى لا يضيع ويلحق السودان بأقطار أخرى أفسدتها فرق السياسة، فلا الحكومة حكمت ولا المعارضة سادت بل بادت شعوب وأهدرت كرامة شعوبها في يابسة التسول ومحيطات البحث عن وطن بديل لن يجدوه، لأن من يهدر بلده لا يملك حق استبداله فتلك أشياء لا تشترى.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية