تقارير

تضارب مواقف الحركات الدارفورية من المبادرة التشادية لدعم الحوار الوطني

 العاصمة التشادية “انجمينا” تجمع مجدداً الحكومة ومسلحي دارفور
الخرطوم – وليد النور
في خطوة مفاجئة حطت طائرة مساعد رئيس الجمهورية “إبراهيم محمود حامد” بمعية وفد آلية الحوار الوطني (7+7) في العاصمة التشادية “انجمينا”، يوم أمس الأول، وسلم رسالتين من الرئيس “البشير” إلى نظيره التشادي “إدريس دبي”، للمشاركة في الحوار الوطني. وتجيء الزيارة في إطار جهود يبذلها الرئيس “دبي” لإقناع مسلحي دارفور للمشاركة في الحوار الوطني الذي سينطلق في العاشر من هذا الشهر. وتربط تشاد علاقات جوار مع ولايات دارفور التي تحتضن الحركات المسلحة  منذ نشأتها في العام 2003، والتي بدأت بحركتي  العدل والمساواة برئاسة دكتور “خليل إبراهيم” وحركة تحرير السودان برئاسة “عبد الواحد محمد نور”، قبل أن ينشق عنه “مني أركو مناوي” في مؤتمر حسكنيتة. وقد ظلت العلاقات تتوتر، أحياناً، بين “الخرطوم” و”انجمينا” بسبب وجود  تلك الحركات إلى جانب  حركات تشادية معارضة، تنشط على الحدود المشتركة بينهما، وهو ما أدى إلى تعكير صفو العلاقات بين البلدين  بالاتهامات المتبادلة، وتأرجح العلاقات بين البلدين، بين مد وجزر،  تبعاً لثيرموميتر الأحداث الحدودية،  إلى أن تم توقيع اتفاق في العام 2008 بين الدولتين في العاصمة السنغالية “داكار”، لمنع الحركات المسلحة من الانطلاق إلى أراضيها. وقد لعبت تشاد في أثناء ذلك أدواراً مهمة في الوساطة بين الأطراف السودانية لإنهاء حرب دارفور، عبر العديد من المبادرات والتي نتجت عنها العديد من اتفاقيات السلام. وكانت آخر تلك المبادرات اللقاءات التي تمت في “أم جرس”، قبل أكثر من عام  برعاية الرئيس “دبي”.
ومن المتوقع أن يسعى الرئيس “دبي”، مرة أخرى، لجمع الطرفين، الحكومة وحركات دارفور، في لقاء يتوقع أن يتم يوم غدٍ، في العاصمة “انجمينا”. 
وأكد الناطق باسم حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق الدوحة للسلام “الصادق يوسف زكريا” في حديثه لـ(المجهر) أن ثلاث من الحركات المسلحة  قد وصلت، بالفعل، إلى “انجمينا”،  في ذات وقت وصول وفد الرئاسة بقيادة المهندس “إبراهيم محمود”، للمشاركة في اللقاء الذي دعا له الرئيس التشادي “إدريس دبي” . وتتمثل في حركة تحرير السودان برئاسة “أبو القاسم إمام”، وحركة تحرير السودان جناح الوحدة برئاسة “عبد الله يحيى” وحركة التحرير الديمقراطي. وأكد “الصادق” بأن لدى  الرئيس التشادي رغبة أكيدة في تحقيق السلام والاستقرار بدارفور، الشيء الذي ينعكس على استقرار شرق تشاد،  بجانب الثقة التي يتمتع بها “دبي” وسط  قادة الحركات المسلحة، فضلاً عن العلاقات الأزلية والتاريخية بين السودان وتشاد والمصالح المشتركة التي تجمع  بين شعبي البلدين .
بيد أن بعض الخبراء قللوا من أثر العلاقة العاطفية التي تربط الحركات المسلحة السودانية  بتشاد، والتي لم يعد لها- في تقديرهم – قيمة تذكر، إذ أن الأمر تجاوز حدود الدولتين، خاصة بعد قرار مجلس السلم الأفريقي الأخير، الذي حدد مدة (90) يوماً لوقف العدائيات بين أطراف الصراع في دارفور والمنطقتين. لكن  المحلل السياسي الأستاذ “عبد الله آدم خاطر” في حديثه لـ(المجهر)، يرى أن العلاقة العاطفية والأخوية وحسن الجوار، ورغبة تشاد الأكيدة في أن يكون السودان آمناً ومستقراً، هو الدافع الرئيسي في قبول الرئيس التشادي “إدريس دبي” بالوساطة وهو الطريق الوحيد لتجاوز الأزمة السودانية، عقب قرار الاتحاد الأفريقي واللجنة العليا للحوار الوطني الذي ينطلق في العاشر من الشهر الجاري.   غير أن “خاطر” استبعد، مع ذلك، حدوث أي اختراق عبر الأبواب الخلفية لتشاد، في إقناع الحركات المسلحة للدخول في اتفاقيات،  مشدداً على أن الطريق الوحيد هو قرار الاتحاد الأفريقي،  بإلزام الطرفين بالدخول في مفاوضات. وقال  ربما تكون هنالك مفاوضات تمهيدية تسبق عملية الحوار الوطني بين الحركات والحكومة.
وكان السودان، بناءً على تجارب سابقة، قد  طلب رسمياً عون تشاد، بالتدخل، والسعي لإقناع الحركات المتمردة في دارفور، بقبول مبادرة الحوار الوطني ووثيقة سلام الدوحة. وقد تسلم الرئيس التشادي “إدريس دبي”، (الأربعاء) الماضي، رسالتين من نظيره “عمر البشير” سلمها مساعد الرئيس الذي حط في “انجمينا” لساعات بمعية ممثلين لآلية الحوار الوطني المعروفة اختصاراً بـ(7+7).
وقال مساعد الرئيس “إبراهيم محمود حامد” في تصريحات، إن (السودان يسعى الآن لعون الرئيس “دبي” في إقناع بقية الحركات للانضمام لركب السلام خاصة لوثيقة الدوحة للسلام في دارفور والانضمام للحوار الوطني).
وتشير التقارير الواردة حتى الآن إلى غياب   حركة العدل والمساواة برئاسة “جبريل إبراهيم”، وحركتي تحرير السودان بزعامة “مني أركو مناوي” و”عبد الواحد نور”، وعدم وصول ممثلين عنها للعاصمة التشادية، لحضور اللقاء المرتقب مع الوفد الحكومي. ولم تبدِ تلك الحركات أي حماس للوساطة التشادية، حيث سارعت لنفي الأنباء التي تحدثت عن توجيه الرئيس التشادي الدعوة لقادة تلك الحركات، لإجراء مشاورات في “انجمينا” بالتزامن مع  زيارة الوفد الحكومي.  فيما أكد زعيم حركة تحرير جيش السودان للعدالة “الطاهر أبو بكر حجر”، مشاركته في تلك  المشاورات، قالت حركة العدل والمساواة، (الأربعاء)، إنه ليست لديها أي خطة أو نية للقاء أي مسؤولين يمثلون الحكومة السودانية بتشاد.
في المقابل أكدت حركات دارفورية أخرى أنها ستلتقي الرئيس التشادي في إطار مشاورات سابقة، كانت ابتدرت لحل الأزمة في إقليم دارفور، لكنها أكدت أيضاً أن تلك الاجتماعات المرتقبة لن تعقد بحضور مسؤولين من الحكومة السودانية. وأفاد من ناحيته، “إبراهيم محمود” بعد لقائه “دبي” وتسليمه، رسالتين من “البشير”  الذي عبر في الأولى عن تقدير السودان للجهود التي يبذلها الرئيس التشادي لتحقيق الأمن والاستقرار في السودان، وتقوية علاقات التعاون المشترك بين السودان وتشاد في مجال توفير الأمن خاصة على الشريط الحدودي. مثلما عبر في الثانية عن  تقديره لمساعي ونجاح نظيره التشادي في إقناع الكثير من قيادات الحركات المتمردة للانضمام للسلام عبر بوابة وثيقة الدوحة، قال “محمود”، إن اللقاء تطرق إلى الأوضاع الأمنية في كل من السودان وتشاد وليبيا، حيث تم التأكيد على ارتباط الأوضاع الأمنية في هذه الدول ببعضها البعض. وأضاف أنه  (تم بحث أوضاع دول المنطقة الأمنية والتعامل مع المجموعات الإرهابية مثل (داعش) وغيرها)، مشيراً إلى وجود توافق حول كل هذه الأمور. وطبقاً لمساعد الرئيس فإن الرسالة الثانية، التي نقلها للرئيس التشادي تضمنت دعوة من الرئيس “البشير”، للمشاركة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل المنعقدة في العاشر من أكتوبر المقبل بالخرطوم.
وضم الوفد الذي زار العاصمة التشادية بجانب مساعد رئيس الجمهورية كلاً من الوزير برئاسة مجلس الوزراء “أحمد سعد عمر”، ورئيس مكتب متابعة سلام دارفور “أمين حسن عمر” والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي “كمال عمر” ورئيس حركة التحرير والعدالة “بحر إدريس أبو قردة” ممثلين لآلية الحوار الوطني.
في غضون ذلك أعلنت آلية الحوار الوطني (7+7) عن لقاء يجمعها بالرئيس “عمر البشير”، الأسبوع المقبل، لتنويره بشأن آخر ترتيبات انطلاقة المؤتمر العام للحوار الوطني، المزمع انطلاقه في العاشر من شهر أكتوبر المقبل.
وقال عضو الآلية “بشارة جمعة أرور” في تصريحات صحفية، إن اجتماع الآلية المقرر له  بعد غدٍ (الأحد)، سيناقش الترتيبات النهائية لقيام المؤتمر توطئة للقاء “البشير”، كما سيقف الاجتماع على تقارير اللجان الخاصة بالاتصالات والمشاورات، بجانب الاستماع للأمانة العامة للحوار حول الإعداد والترتيب النهائي للمؤتمر.
وقد اتسمت مواقف الحركات والجبهة التي تجمعها بالتناقض والاضطراب، ما قد يدفع بها للانقسام والتشرذم.
وكان رئيس حركة تحرير السودان  “مني أركو مناوي”، نفى مشاركته في المشاورات، بينما أكد “أبو القاسم إمام” المشاركة.
فيما أعلن  “الطاهر أبو بكر حجر” قائد حركة تحرير السودان للعدالة ـ جناح “كاربينو”، أنه تلقى دعوة من الحكومة التشادية لمواصلة مشاورات سابقة، جرت في ديسمبر الماضي بانجمينا حول عملية التفاوض والسلام بدارفور.
ودعا “حجر” في تصريح لـ(سودان تربيون) قادة الحركات الدارفورية لتوحيد المنبر حول القضية في اتجاه واحد، وخص بدعوته كلاً من زعيمي حركتي تحرير السودان “مني أركو مناوي” و”عبد الواحد محمد نور”، ورئيس حركة العدل والمساواة “جبريل إبراهيم”. فيما قال  المتحدث باسم حركة العدل والمساواة “جبريل آدم بلال”، إن (الخبر عارٍ من الصحة تماماً، وليس للحركة خطة أو نيّة للقاء النظام في “انجمينا” أو غيرها من العواصم، ولم يتم مجرّد الاتصال بها في هذا الخصوص).
وأضاف “بلال” في بيان: (حسب معلوماتنا المتواضعة، لن تكون حركتا تحرير السودان بقيادة كل من القادة “مني أركو منّاوي” و”عبد الواحد محمد نور” طرفاً في اجتماعات “انجمينا” المزعومة).
لكن المراقبين يتوقعون مشاركة الحركات الدارفورية المسلحة في الحوار الوطني،  نتيجة  الضغوط التي أصبح يمارسها  المجتمع الدولي من أجل إنهاء الحروب في السودان، عبر الحوار والتفاوض، ودعمه لمبادرة الحوار الوطني  ولخارطة الطريق الأفريقية، ورفضه لانتهاج العنف كسبيل لتغيير النظام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية