سلطة مفسدة
تمددت قصة زوجة المسؤول الدستوري والتنفيذي التي أحدثت جلبة بمطار الخرطوم لرفضها إجراءات عادية ومعتادة بالتفتيش للمسافرين، وطارت المجالس والأسافير ووسائط الإعلام الجديد بقصص شتى وروايات متعددة، ولا أدري هل وصل الأمر للصحافة الورقية أم أنها تحاشت الخوض في هكذا قصص لتجنب إشكالات عديدة، ولكن الثابت أن القصة وهي تمضي لتكون حقيقة وإن قامت على أطرافها غابات الإضافات فإنها الآن تحولت إلى شيء آخر أغرب ما فيه أن الجهات الرسمية تصمت صمت القبور! فلا مجلس الوزراء أصدر إيضاحاً ولا الشرطة قالت شيئاً رغم أن الأمر كان يمكن أن ينتهي أو تتضح ملامحه ببيان قصير أو تصريح إما ينفي الواقعة جملة فيكسب الوزير وأسرته راحة البال أو أن يثبتها وفق طريقة الوقوع مع تقديم الإيضاحات المناسبة حول موقف كلا الطرفين، ولكن هذا لم يحدث فكثر مطلقو النار وتعددت أنواع القراءات !
غض النظر عن فرضية الصحة من عدمها فالواجب التأمين على أن نشاط الشرطة أو أي أجهزة مختصة في موقع مهم وحساس مثل المطار إنما هو نشاط يتساوى فيه الجميع وأمامه، الوضع الدستوري والرتبة المميزة وإن كانت تعني معاملة وفق البروتوكول متفق عليها لكنها لا تسقط الالتزام بالقانون واللوائح، وأن تجري الأمور حال وجود مخالفة وفق ما يحفظ حقوق البلاد وهيبة سلطاتها، لأنها في هذه الحالة أكبر من قيمة الفرد الواحد مهما علت مكانته وكانت حصانته، وآي اختلال في هذه الوضعية سيرسل رسالة معنوية سالبة لأولئك الرجال الذين يفترض أنهم مؤتمنون على الجميع من كان في السلطة أو من عموم كرام المواطنين.
أمر آخر وأولى به الدستوريين ومن ينتسب إليهم وهو ضرورة تحقيق مظهر القدوة وتفعيله فإن كان صاحب السلطان هو أول من يخرق القانون ويزري به، فماذا ترك هؤلاء للبسطاء من الناس واعتقد والله أعلم أن ثمة ثقافة سالبة الأبعاد في هذا الجانب في الحالة السودانية، وهو مظهر أن السلطة دوماً كأنما تجعل حامل أختامها وميزتها فوق الجميع، وهذا تصور خاطئ يجب أن يصحح ويرد إلى مساره الصحيح حتى لا يقترن الأمر بفوضى رأسها وأساسها من كان عليهم الإحسان وتقديم الأنموذج بالتطوع، حتى إن منحتهم القانون أفضلية بالوقوف في الصفوف وانتظار تعليمات ضابط الصالة وجنوده وهذا للأسف لا يحدث كثيراً.
إن هذه ظاهرة يجب أن تحسم، وأذكر أني كنت في أحد صالات المناسبات خواتيم الأسبوع الماضي، وحزنت وشعرت بالغضب ونظامي برتبة مهولة يضع سياراته ليغلق الطريق وحينما أتى الجندي الذي يرتب الوقوف وينظم السير رفض سعادته تصحيح وقوفه، لا لشيء إلا لكونه (كمندان كبير). وقد أحدث الموقف حالة استياء عامة خاصة عند الجندي الذي شعر بالحرج ولم يخرجه منه إلا تلطيف المدنيين الحاضرين للأمر، وظهور بعض الضباط الآخرين الذين هونوا الأمر على الفتى وطلبوا منه أن يريهم مواقفهم وأن (يشتغل شغله) دون التقيد بموقف الرجل الكبير المخالف.