تقارير

انتهت زيارة "موسفيني" و"مشار" للخرطوم

ماذا سيفعل الرجلان بما تم الاتفاق عليه خلف الأبواب المغلقة؟
تقرير – نزار سيد أحمد
فتحت زيارة الرئيس الأوغندي “يوري موسفيني” للخرطوم الأسبوع المنصرم الكثير من الأبواب المغلقة لعدد من القضايا المعلقة بين السودان وأوغندا من طرف وبين السودان ودولة الجنوب من طرف آخر وبين “موسفيني” وزعيم المعارضة الجنوبية “رياك مشار” من طرف، فإذا كانت الزيارة قد حققت الكثير من التفاهمات بين السودان وأوغندا نجدها كذلك عملت على تقريب وجهات النظر ولو بقدر يسير بين “مشار” و”موسفيني” مما يعني أن أزمة جنوب السودان تلمست طريق الحل. كل هذا وذاك ربما تكون له ثماره في المستقبل القريب، سواء أكان على مستوى العلاقات السياسية بين البلدان الثلاث (السودان، أوغندا، جنوب السودان) أو على مستوى الأمن في المنطقة أو حتى على مستوى العلاقات الاقتصادية بنظرة بعيدة لما يمكن أن يحدث في المستقبل .
لا مفر من السلام
نائب رئيس  الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” قطع في حديثه بمدينة “كادقلي” أمس (السبت)، بأن لامجال أمام الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة سوى الاستسلام لنداء الحوار والجنوح للسلام، بعد أن وقعت الحكومة تفاهمات أمنية مع كل من جنوب السودان وأوغندا، قضت بتحريم انطلاق الأنشطة المعارضة للسودان من أراضيها. وجدد التأكيد على أن الحوار الوطني لن يكون مدعاة لأي تدخل خارجي وأنه سيكون (سودانياً خالصاً). ودعا “حسبو” أمام حشد جماهيري بمدينة “كادقلي” حاضرة ولاية جنوب كردفان حاملي السلاح، إلى الانصياع لخيار السلام والحوار الوطني الشامل. وقال (لا مفر إلا للسلام.. نحن وقعنا اتفاقاً مع أوغندا بمنع العمل المعارض، ووقعنا اتفاقاً مع جنوب السودان أيضاً لطرد الحركات…وعليكم بالحوار). وجدد “حسبو” على أن مبادرة الحوار الوطني التي تقودها الحكومة لن تسمح بأي تدخلات أجنبية. وأضاف (لا نريد حواراً يحقق أجندة خارجية.. سيكون سودانياً خالصاً يحقق العدل والمساواة والتقسيم العادل للسلطة والثروة).
حلول رهينة
على صعيد السودان وما يمكن أن يجنيه من مكاسب من زيارة “موسفيني” يرى سفير السودان بأوغندا “عبد الباقي كبير”، أن الملفات الأمنية ومشاكل السودان مع أوغندا ستظل قائمة إلى أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، بين حكومتي البلدين برئاسة “عمر البشير” و”يوري موسفيني” خلال زيارة الأخير للخرطوم. وبشأن انعكاسات الزيارة على الدولة الوليدة قال “عبد الباقي كبير”، إن زيارة “موسفيني” للسودان جاءت تلبية لدعوة “البشير” لدعم العلاقات الثنائية ومساندة الجهود الإقليمية لإحلال السلام الشامل بدولة جنوب السودان، مشيراً إلى أن موقف السودان المحايد من أطراف النزاع بدولة جنوب السودان وجد استحساناً من الأطراف الإقليمية والدولية، وشجع الرئيس الأوغندي على زيارة السودان،  لكنه قال إن الزيارة تعتبر فاتحة خير لمناقشة جميع القضايا بين “الخرطوم” و”كمبالا”، سيما إيواء أوغندا لبعض القيادات بالحركات المسلحة.
ضمانات مفقودة
وحول مدى تأثير زيارة “موسفيني” للسودان على الأوضاع في السودان من النواحي الأمنية والاقتصادية والسياسية،  يقول اللواء دكتور والموجه بالأكاديمية العسكرية “عبد الرحمن أرباب” في حديثه لـ(المجهر)، إن الخلافات بين السودان وأوغندا طويلة ومتجذرة وأنه جرت فيها العديد من التفاهمات لكنها لم تثمر نتائج إيجابية. ويعتقد أنه ليس هناك ضمانات في أن تمضي التفاهمات التي تمت بين الرئيسين أثناء الزيارة في الاتجاه الصحيح، ويرى أنه لابد من التعامل بحذر مع أوغندا. ويمضي “أرباب” ويشير إلى أن السودان في حاجة كبيرة لطي صفحة الحرب، لذلك فإن استمرار الصراع الجنوبي الجنوبي وما ينتج عنه من خلافات بين السودان وأوغندا له انعكاسات على الأوضاع في السودان من النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية والاقتصادية. ويضيف “عبد الرحمن أرباب” أن تقريب وجهات النظر بين “موسفيني” و”مشار” يصب في صالح السودان، هذا بجانب كونه يمنح السودان قوة إضافية ويضعه في خانة الدولة الوسيطة التي تسعى إلى حسم الصراعات في المنطقة، بدلاً من تصنيفها كدولة تعمل ضد السلام والأمن في المنطقة. وحول حديث “مشار” بشأن منعه للحركات المسلحة السودانية من القيام بأي نشاط معادي للسودان من أرض الجنوب بعد تسلمه لمهامه نائباً لسلفاكير، أشار اللواء “عبد الرحمن أرباب” أن حديث “مشار” لا يعدو كونه استهلاكاً سياسياً ليس إلا. وقال إن هناك كثيراً من التقاطعات الدولية والإقليمية التي تحول دون تنفيذ هذا الأمر، لكنه يرى أي أرباب أن بإمكان “مشار” دفع الحركات المسلحة إلى القبول بتوقيع سلام مع الحكومة السودنية من أجل السلام في “جوبا” قبل السلام في السودان، باعتبار أن التمرد في أي دولة من الدول الثلاث أوغندا والسودان وجنوب السودان، له تأثيراته على المنطقة. فيما يرى المحلل السياسي اللواء دكتور “محمد عباس الأمين” أثناء حديثه لـ(المجهر)، أن علاقات السودان وأوغندا أثرت فيها القضايا الإقليمية والتداخل القبلي، حيث ظلت أوغندا داعمة لحركات التمرد ضد السودان منذ وقت بعيد وحتى بعد انفصال الجنوب. ويرى “محمد عباس” أن أوغندا تريد الآن أن تتحصل على فاتورة دعمها للجنوب، ولذلك لا يمكن أن يكون تأثير زيارة “موسفيني” للخرطوم جيداً بالنسبة للسودان. 
مباحثات ناجحة
وقال زعيم التمرد بدولة جنوب السودان “رياك مشار”، إن اتفاق السلام الذي وقعه مع الرئيس “سلفا كير” سيحول دون استمرار الحركات المسلحة السودانية في العمل المسلح، ورأى أن إنفاذ الاتفاقية وإنجاحها سيحقق السلام في الجنوب وفي الشمال على حد سواء. وتابع (الحركات المسلحة السودانية بعد الاتفاقية ستجد صعوبة في كيفية الاستمرار في العمل المسلح كطريقة للتعبير أو للوصول للسلطة). ومضى ليقول إن المباحثات التي أجراها مع الرئيسين “عمر البشير” و”يوري موسفيني”، أسهمت في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء بجنوب السودان. وأشار إلى أن “موسفيني” يعد جزءاً من الأزمة بدولة جنوب السودان، مشيراً إلى أن لقاءه به في اليومين الماضيين بالخرطوم، تطرق لوجود القوات الأوغندية بجنوب السودان وإمكانية مغادرتها. وأكد أن اتفاق السلام الذي تم توقيعه أخيراً سيحقق الاستقرار بجنوب السودان إذا تم تنفيذه بالكامل.
قلق وارتياب
وسط ترقب وحذر تابعت حكومة “سلفاكير” ما يجري في “الخرطوم” من لقاءات جمعت “موسفيني” بالبشير وجمعت “مشار” بموسفيني، لكنها بالمقابل لم تعلق على الزيارة من قريب أو من بعيد، لكن على صعيد الحركات المسلحة السودانية التي تتخذ من “جوبا” و”كمبالا” ملاذاً لها بدت وكأنها تخشى ما يمكن أن تتمخض عنه تفاهمات الحكومة السودانية مع الرئيس موسفيني. وبحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية أن قيادات جنوبية أشارت إلى خوف وتذمر كبيرين في أوساط الحركات المتمردة «الجبهة الثورية» عقب زيارة الرئيس الأوغندي “يوري موسفيني للسودان”. وقال عضو اللجنة الإشرافية لأبيي السابق جانب الجنوب “روبرت دينق مجوك”، إن الحركات المتمردة عقدت اجتماعاً مطولاً خلال اجتماعها الأخير بباريس أبدت فيه تخوفها من نتائج الزيارة، قائلة إنها لا تصب في مصلحتهم. وزاد “مجوك” أن “مالك عقار” أبدى تخوفاً ملحوظاً من نجاح زيارة الرئيس اليوغندي واستعادة العلاقات مع السودان، وما يمكن أن ينتج بطردهم خارج جنوب السودان الذي سيتراجع عن إيوائهم ودعمهم.
من واقع ما تم خلال زيارة “موسفيني”، و”مشار” للسودان الأسبوع المنصرم، يبدو أن تغييراً كبيراً سيحدث على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، لكن متى سيحدث هذا التغيير؟ وكيف سيتم حدوثه، هذا هو مربط الفرس الحقيقي لتقييم ما تم من تفاهمات بالخرطوم. فإما نجاح تكون نتائجه ظاهرة للعيان، وإما فشل يضاعف مشكلات المنطقة السياسية والأمنية والاقتصادية، ربما بصورة أكبر مما تشهده في الوقت الراهن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية