من وحي الأخبار

منشقون

تصاعدت منذ فترة ظاهرة الانشقاقات المتكررة والمتوالية لانشقاق أجنحة وجماعات من حركات التمرد الدارفورية، حيث نالت حركة العدل والمساواة وفي غضون ثلاثة أشهر نحو انشقاقين تلتها حركة “مناوي” ثم جماعة “عبد الواحد نور” وتقريباً يمكن اعتبار أن العدل والمساواة ثم حركة تحرير السودان (مناوي ونور) هي القوى الرئيسية الحاملة للسلاح على الأرض بدارفور، ولها حضورها وأذرعها الخارجية من خلال التمثيل في مكون ما يسمى بالجبهة الثورية. وفي تقديري أن الضربات العسكرية الساحقة لتلك الجماعات في (قوز دنقو) ووادي البعاشيم وشرق جبل مرة، قد قللت تماماً من حضورها الإعلامي وأثرت بشكل كبير في حجمها ووزنها، ضمن محاصصة توزيعات القوى وتحالفاتها الأخرى، حيث لم يعد لها كبير وزن إلا ما يأتي في سياق أنشطة العلاقات العامة لمتمردي قطاع الشمال التي توظف الآن أسماء جبريل إبراهيم ومني أركوي وعبد الواحد نور أكثر من اعتمادها على حقيقة حركاتهم ميدانياً.
بالنسبة لأهل دارفور والسكان المحليين لم تكن تلك الحركات في المبتدأ محل سند، لأنها قامت على تأسيسات عشائرية وقبلية صادمت قاعدة التسامح المشاد عليها البناء القاعدي لتلك المجتمعات، فعزلت تلقائياً حركات التمرد نفسها وكان هذا السبب الأول ضمن أسباب أخرى لكل الانشقاقات التي طالت الحركات التي ظلت في دست القيادة، دائرة مغلقة في كل حركة للرئيس وأفراد عائلته وأبناء عمومته ممن يحظون بعوائد النضال في الميدان بالرتب والمقامات القيادية، فيما تمتد الحظوة والعوائد لأموال الدعومات الخارجية وأنواع المساعدات التي انتهت لشركات مسجلة بدبي وأعمال تجارية لأفراد بجنوب السودان وإثيوبيا !
لم يكن هناك من قضية أو مصلحة لأهل دارفور أو الإقليم واكتشف كثير من القادة والذين انتموا للتمرد، أن كل الأمر مرارات شخصية و(بزنس) باسم النضال ثم عنصرية وجهوية انتهت بكل القيادات، مثلاً من غير آل إبراهيم في العدل والمساواة إلى المحاكم الميدانية وأعمال القتل والتشريد إما بتهم خيانة ثورة الهامش أو اتهامات التغويض، فضلاً عن ذلك ظلت كل الحماقات والأعمال العسكرية المتهورة مخصصة لإحراق بعض القادة وجرهم إلى حتفهم على نحو ما حدث في (قوز دنقو)، وما يحدث الآن بليبيا من تأجير لبنادق الحركات الدارفورية المسلحة.
طبقاً لكل هذا صار من الطبيعي أن يكون الاتجاه العام داخل الحركات إيقاف هذا اللعب والعبث، إذ وضح أن خيار القتال والعمل المسلح لم يعد له من أنصار أو بيئة محلية أو حتى إقليمية مساندة. وقل الزخم المصاحب حتى لمشكلة دارفور وجرت تطورات مختلفة كلها رسمت واقعاً جديداً، لم يعد بالإمكان معه التعويل على حلول لن ينتظرها أحد بالسلاح، ولذا انشقت الجماعات واحدة تلو الأخرى لتكون شاهدة على زيف المتاجرين بقضايا أهلهم ومعاناتهم.
إن إعلان الانشقاق لأي فصيل وبأي مسمى ليس حدثاً في حد ذاته، ولكن الحدث سيكون في قدرة القادمين الجدد على التغيير والفعل الايجابي. فقد انشق من قبل العشرات من النيل الأزرق إلى جنوب كردفان ثم دارفور نفسها، وظهروا في الإعلام ثم سرعان ما انتهوا إلى خبر في أرشيف الصحف. وشخصياً لو كنت من الناصحين لقلت إن على كل المنشقين وطالما أنهم آمنوا والتزموا خيار العمل السياسي السلمي، فعليهم الاتحاد وتكوين كتلة واحدة قوية ذات أثر وقيمة والأهم قضية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية