يبقى لحين السداد ..جثمان !
شعرت بالغصة والحزن المقيم وأنا أتسقط أخبار ومنقولات واقعة احتجاز أحد المستشفيات لجثمان متوفى أو متوفية، ثم وضع (الابنة) كرهن إلى حين إكمال سداد مبلغ حسب ما نشر أنه (5000) فقط خمس آلاف جنيه (سوداني) ! وهو مبلغ أثق في أن المشفى الذي شهدته الحادثة كان يمكن أن يعده في باب العون للأسرة المكلومة، لأنه دفع أم لا فإنه لا يساوي شيئاً بقياسات الدنيا الفانية التي تفني الناس والمرضى فيما يظن ملاك المستشفيات أنهم آمنون من ذاك المصير. والشاهد أن هذه القصة تكررت أكثر من مرة وبروايات مختلفة وتفاصيل تنتهي كلها إلى تمسك غالب المشافي الخاصة بعدم خروج جثمان أي متوفى عليه بقية حسابات أي يبقى لحين السداد !!
هذا سوء تخلق لا يقره دين أو عرف، بل و(رجالة ساكت) لا يمكن اعتبار أن هذا التصرف من أي جهة مسلكاً مقبولاً أو مستساغاً، والأمر بصورته هذه بحجة لاستحداث معالجة إجرائية وإدارية تستدرك هذا التردي المريع، وصحيح أن بعض تلك المؤسسات تقدم خدمات عالية الكلفة في رعاية المرضى ومن حقها الحصول على مقابل يغطي التكلفة والفواتير، ولكن ثمة مئة طريقة يمكن عبرها التوصل إلى تفاهم حسن لا يتضمن إطلاقاً احتجاز جسد مريض توفي لرحمة مولاه، لأن دلالة هذا المسلك تحول الرعاية الصحية من مشروع إنساني وأخلاقي لتكون عملية تجارية جافة وبلا مشاعر أو ماء على وجهها.
الأمراض والطارئات الصحية لا تتخير المواقيت وإنما تحدث فجأة وفي لحظات يكون الهم مصوباً فيها على إسعاف المضطر وصاحب الحاجة، ولا تسمح هذه الوضعية للأهل والمعارف بتدبير حالهم، لذا يكون من الأوفق إقرار أي صيغة تحفظ للمشفى حقوقه وفي ذات الوقت تمنح الميت – لا قدر الله – خروجاً لائقاً وكريماً وهو يغادر الدنيا إلى مليك مقتدر. وأظن أن لوزارة الصحة الاتحادية والولائية والدواوين الحكومية وأخلاقيات أهل الطب حيز للتدبير والتوصل إلى معالجة ما، تمنع مثل هذه الأحداث التي كثر تكرارها، فمن لم يقرأ عن واقعة عاصر أخرى أو سمع بها مما يعني أن الأمر ليس جديداً وأنه (فايت أضان) السلطات التي لم تستدرك الأمر. وأخشى أن يقع أمر جلل يوماً لأنه في مثل هذه اللحظات قد يقدم أحدهم على تصرف ينقل معه آخرين من الحاضرين إلى خانة الموتى مع فقيده.
ليس من الحكمة في شيء أن تشير عملية الاستثمار في الخدمات الصحية بالبلاد إلى أنها غير محكومة بقواعد الأخلاق والذوق، وللأسف فإن الراجح الآن حول هذا الأمر يشي بسلبيات عريضة كلها للأسف تركز على الاهتمام بالجانب المادي حتى على حساب الخدمات، إذ تبدو كثير من المؤسسات العاملة في هذا المجال عليها ملاحظات كثيرة وكبيرة من البيئة إلى طريقة التعامل الجافة والتجارية. ومثل هذه القصص والأحداث ترسخ لصورة شيطانية غير كريمة.