رأي

الحركة الإسلامية من المهد إلى النظام الخالف (الأخيرة)

على السيد المحامى


إنّ نزعة الجمود والتقليد خلقت فراغاً فكرياً أفسح المجال للثقافة الغربية الرأسمالية والثقافة الماركسية الشيوعية أن تمد خيوطها اللا مرئية لتنسجها بين المجتمعات الإسلامية، نتيجة لذلك الجمود أو التقليد، لهذا وجب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحاً كما سبق من قبل، وأن يقوم علماء المسلمين باستنباط الأحكام الشرعية الجديدة كضبط المسائل الدستورية المعاصرة بما يتواءم وروح العصر من أصول الأحكام الإسلامية الكلية مثل الشورى، الحرية، المساواة، العدالة، التكافل الاجتماعي ومسؤولية الحاكم. صحيح أنّ الفساد والفوضى في القرن الرابع الهجري أدى إلى قفل باب الاجتهاد كما هو معروف، إلا أن قفل باب الاجتهاد غير مجمع عليه من المذاهب كافة، ويرى معظم الفقهاء المتقدمون والمحدثون أن الأسباب التي أدت إلى قفل باب الاجتهاد قد زالت، ولا يوجد ما يدعو لقفل هذا الباب.
يرى البعض أنّ انصراف الفقهاء عن البحوث الدستورية، أي تلك البحوث المتعلقة بأمور الحكم في الدولة، يُعزى إلى النظام الاستبدادي الذي ساد أداة الحكم الإسلامي في كثير من الأحيان منذ عهد خلافة الأمويين، فالفقه الإسلامي لا تثبت بذوره إلا في أرض حرة. ويكفي أن نشير إلى فقيه يكاد أن يكون من أكبر فقهاء السياسة الإسلامية القدامى وهو “الماوردي” الذي عاش في العهد العباسي وتوفي سنة 540هـ، إذ وضع مؤلفاً شهيراً هو (الأحكام السلطانية)، وهو أول كتاب جاء فيه ذكر لنظام الحكم في الإسلام، يذكر عن “الماوردي” أنه بعد أن انتهى من مؤلفه هذا أوصى أن لا ينشر إلا بعد موته، وهكذا نرى أن بعض الباحثين المسلمين المجتهدين في الميدان السياسي كانوا يكتبون في جو من الخوف والرهبة، بينما يكتب البعض الآخر بدافع الزلفى والرغبة، ويبدو أن الأمر امتد إلى عصرنا هذا، فلا نجد إلا القليل من العلماء من رجال الفقه الإسلامي الذين يكتبون في البحوث الدستورية الإسلامية كما هو شأن علماء القانون الدستوري الوضعي في العصر الحديث.
إن مسألة البحث عن النظريات السياسية الدستورية على قدر كبير من الخطورة، إذ إنّ ذلك يتعلق بنظام الحكم في الدولة وبيان حريات الناس وحقوقهم الأساسية، يضاف إلى ذلك الأوضاع والملابسات التي تمر بها الجماعة الإسلامية والأمة بشكل عام، والاتهامات التي تصفها بأنها أمة إرهابية ومتخلفة، ويرجع ذلك إلى عدم فهم بعض الجماعات الإسلامية لروح الشريعة الإسلامية وأحكامها الكلية، والتعصب القائم على الجهل.
صحيح أن الفكر السياسي الإسلامي المعاصر يجتاز أزمة خطيرة، ويدخل في تجربة مريرة، ويواجه موقفاً بالغ الدقة والتعقيد، الأمر الذي يوجب تمهيد الطريق لأولئك المشرعين والباحثين الذين يحاولون أن يقيموا أو يستنبطوا في العصر الحديث نظاماً سياسياً إسلامياً، مطابقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، نظام يتواءم مع الواقع، ويتجاوب مع الراهن، ويراعي مطالب العصر، ويساير مقتضيات الحضارة الحديثة ومجابهة أحداث اليوم، فكل عصر جديد يتطلب أنظمة جديدة، كما يتطلب أيضاً التخلص من الأنظمة والنظريات التي أصبحت متخلفة عن الواقع ومتعارضة مع الراهن.. وكما ذكرت، فإن حل الأزمة يكمن في الاجتهاد لأنه المصدر الوحيد الذي يسمح بالملاءمة بين أحداث الحياة المتجددة ونظم ونظريات السياسة الإسلامية، وعن طريق الاجتهاد يمتلك الإسلام الوسائل التي توفق بين أصول عقائده الثابتة وحاجات المجتمع المتغيرة، ونشير هنا إلى اجتهاد الحركة الإصلاحية التي تزعمها المفكر الإسلامي الشيخ “محمد عبده” تلميذ “جمال الدين الأفغاني”، وهي حركة تدعو للاجتهاد والتجديد والتحرر من قيود التقليد، لأن الإسلام يستطيع دون حاجة للتقليد الأعمى للحضارة الغربية أن يساير العصر والتطور والتقدم.
إن القضية المحورية في العالم الإسلامي اليوم تدور حول كيفية تداول وانتقال السلطة سلمياً، وهذا يتطلب أن تعلن الجماعات والحركات والمنظمات والأحزاب الإسلامية صراحة قبولها التعددية والحزبية وإيمانها بحل هذه المشكلة التي تشكل تهديداً للعالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية