القنبلة
تشهد الساحة السياسية حالة من السكون؛ وكأنما الجميع يعكفون على تحسس أوراقهم خاصة بعد قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي تعاملت معه الحكومة بمنهجية الكرة (المصرجة)، فلا هي استلمت ومررت ولا هي (طفشت) بينما اعتبرت الجبهة الثورية الأمر وعدته نصراً لها وهو قول يدخل في باب معتاد مواقفها التي تقوم مرات على انطباعات تضخم ولا تقوم على وقائع وحقائق. وهكذا غير قليل من القوى الحزبية إذ طالعت نقداً للقرار من حزب البعث قرأته عشر مرات فلم استبن موقفاً أو إفادة سوى أن المنشور يهجو “أمبيكي” هجاءً مراً مريعاً، وهو مسلك غير لائق ويفتقر للحصافة وكذلك هناك أحزاب أخرى مثل الإصلاح اكتفت بالتهويش مثل الإصلاح الآن المتسارع نحو اصطدام مفترض منه والسلطات مع توصيف بديع أسماه الاعتقال الإنهاكي لنشطاء من الحزب الصغير نزلوا إلى مواقف المواصلات يمارسون السياسة !
اقتصادياً لا يزال وزير المالية “بدر الدين محمود” يخوض معركة الإيصالات الالكترونية التي هدأت جبهاتها فيما يبدو بعد أن أغلظ رئيس الجمهورية القول وتحسس النائب الأول مسدسه بشأنها، فآثر المعوقون التراجع وفي ذات الحقل يبدو أن معركة القمح قد انتهت بالتراضي الوطني إذ سرعان ما طويت الرايات وخلت الساحة من التهارش الإعلامي الذي يحمد للحكومة فيه لزومها الصمت الجميل وهو صمت أتوقع أن يدوم في شواغل الاقتصاد قراءة لمخرجات زيارة الرئيس الناجحة جداً للصين والتي يبدو أنها تؤسس اقتصادياً لأوضاع تقوم على طفرات هائلة في أكثر من صعيد وهذا مبحث نعود إليه بعد امتلاك خفايا الكواليس وأوراق المخرجات.
هذه الأوضاع بالجملة أربكت الساحة الإعلامية والصحفية فصعد شأن العرض الرياضي للقضايا والأحداث التي انتقلت من الصفحة الداخلية قبل الأخيرة، لتكون مانشيت ومن ذلك مثلاً حادثة التجمع السلمي لجمهرة من مشجعي المريخ تم فضهم بواسطة الشرطة وتوقيف بعضهم قبل أن يسرحوا آمنين، والحقيقة أن مع حالة الركود العام للأحداث وخفوت صوت البندقية والهدوء السياسي العام تبدو ثمة تفلتات مريعة في الخطاب الإعلامي الرياضي القائم على تناوش فظ يصل حد تجاوز كل الألوان، إذ لا يرعي شيئاً فدخل للمنازل ومس الآباء والزوجات وتعرض لسيرة الآباء الراحلين غمزاً ومهاترة وهو ما يوغر صدور من مس أحبائهم فيكون الرد بذات العيار والمعيار !
الصحافة الرياضية تصنع – بالتشديد- كميات من المتفجرات من خلال نهج التهييج العاطفي وصحافة المشجعين التي قوضت حتى القواعد المهنية المتعارف عليها للخبر والرأي وثوابت تعريفات المانشيت ! وهذا تنزل مباشرة لحالة احتقان عريضة في الشارع الرياضي تمثلت في مظاهرة الأمس التي تعد بدعة سودانية بامتياز .
لم يعرف في العالم أن مشجعين لنادي تجمهروا ضد قرارات للسلطة القانونية للرياضة ولكن المريخاب فعلوا لأن الصحافة غذتهم بأن فريقهم مظلوم ومستهدف لأن الحكام هضموا له ضربة جزاء وتعاموا عن هدف به شبه مخاشنة من مهاجم هلال الأبيض ومدافع لفريق المريخ، وحدث هذا رغم أن بعض الدول هبطت فيها أندية عالمية للدرجات الدنيا بقرارات محكمة ولم يغضب أحد أو يتظاهر.
علة هذا الوضع المأزوم أن الكل والجميع لا يمارس في هذه الدولة شيئاً سوى الانتظار إلى أن تقع مصيبة ثم يتم التحرك بالإجراءات المتأخرة، وبعد أن يصطدم الجمهور وأول هذه السلطات مجلس الصحافة وبعض الجهات التي تملك بالقانون حق ردع هذا النهج في الإثارة الضارة، ولذا سادتي أدركوا هذا الوسط المستثار قبل أن يرتكب ضربة جزاء في حق الوطن والجمهور.