من وحي الأخبار

المضياف

هزت صورة الطفل السوري الرضيع الذي قضى على أحد السواحل التركية وإن كانت بعض الروايات تشير إلى سواحل أخرى هزت صورته العالم، ولفتت النظر بشكل مباشر وكبير لمعاناة الشعب السوري جراء الانقلاب الكبير في أوضاعه وانتقاله من حالة السلم إلى حرب لا تنتهي ولا يعرف فيها القاتل المقتول، وهي الوضعية التي حملت المئات من الأسر والعائلات للبحث لها عن ملاذات آمنة في الجوار القريب أو البعيد، حتى أتت الفاجعة وصعدت  مأساة الطفل المصورة لتكون منصة لإطلاق الاتهامات بين الحكومات والبرلمانات وجماعات الضغط. ومارس الغرب نفاقه العريض في مثل هذه المواقف ذلك أن ذات الجماعات التي تنوح وتلطم الآن هي نفسها التي تضايق المهاجرين وتطالب حكوماتها بالتشدد معهم وتعزلهم اجتماعياً وتستغلهم، كما امتد الأمر للآخرين في الشعوب العربية والتي وجدت في الحالة مربداً للشعر والرثاء وطرح جديد أشعار العويل. 
إن ما حدث لذاك الطفل البريء مأساة بلا شك، ووصمة عار في جبين الإنسانية وذنب يتحمل وزره أهله وحكومته وأمته وكل العالم، ولكن في ذات الوقت يجب الاعتراف بأن ليس كل الدنيا أشراراً ففي الوقت الذي يموت فيه المهاجرون على قوارب الموت بالبحر الأبيض وأنفاق الجسور وشاحنات النقل الأوربية  ظل السودان مثلاً بلداً مفتوحاً بلا محاذير للأجانب، واللاجئين اللائذين بأهله وشعبه أو الباحثين عن منافذ أخرى بكونه بلد معبر. استقبلت بلادنا أفواج الارتريين والإثيوبيين في مواقيت عثرتهم وها هي تفتح دورها وجامعاتها ونظامها التعليمي والخدمي للأشقاء من سوريا واليمن بلا من أو أذى، وقد التقيت بعدد من أولئك الأحباب فما وجدت منهم إلا عظيم الثناء على الشعب السوداني الذي استقبلهم وحفظ عروضهم وحرص على أنفسهم وأموالهم ولم يشعرهم بالغربة.
استقبلت بلادنا وسبقت الفلسطينيين ووفد إليها الأوغنديون والتشاديون واستقر فيها الصوماليون الذين كانت أول إذاعة خاصة بهم ترسل صوتها وبثها من (أم درمان)، وهكذا كنا كنفاً ألفه المعسرون الذين لم ينكرهم أو يوجس منهم  أحد ومواطن، لم يمت على حدود السودان الممتدة على مر السنين طالب جوار أو باحث عن ملاذ ومستقر، ولم تسجل مضابط السلطات خرقاً طال أجنبياً في دمه وماله إلا فيما ندر. وفي سياق السلوك البشري العابر وبعد كل هذا احتفظ شعبنا وكل الحكومات المتعاقبة به بفضيلة التقدير وحكمة عصمت الجميع عن الامتنان على شعب أو لاجئ، وحتى بعد أن تنصلت الأمم المتحدة ومنظمات الهجرة عن القليل المستحق تلك الجموع من العابرين والواصلين، ظلت بلادنا وفية لمن أحسنوا الظن بها فما تضجرت السلطات أو سوقت الأرقام والبيانات في محافل الحشود الدولية التي تبحث ظواهر الهجرة، ولم تضع محاذير أو اشتراطات لاستقبال لاجئ رغم أن بعض البلدان إن قصدتها لدعوة من رئيس الحكومة تتحرى وتستوثق وقد لا تمنح تأشيرة !!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية