رأي

"الأمير" ويمة الحنينة الشوق غلب!!

تجانى حاج موسى

أخي الأصغر الفنان الشفيف والمطرب العفيف “محمود تاور”.. قلبي معك ولهفي عليك في فقدك الجلل الأليم والدتنا “الرضية” يرحمها الله رحمة واسعة.. وأعزي إخوتي شقيقات في الوالدة.. وأعلم علم اليقين فداحة فقدكم.. كلنا لها وإنا لله وإنا إليه راجعون.. تفاصيل كثيرة وذكريات خاصة بالراحلة أجترها الآن وفي خاطري أغنيتك التي نظمتها وأنت مغترب بالسعودية “يمة الرضية الشوق غلب ليك يا حنينة وللبلد لي كل زول في الدار، هناك للخالة للعم للولد” وكسوتها حلة لحن أخاذ أطرب ويطرب كل من يستمع لها، فصارت أغنيتك توأماً لأغنيتي التي نظمتها لخالتك المرحومة أمي “دار السلام” التي رحلت قبل “الرضية” بعامين لك الله، أسأله أن يهبنا جميعاً الصبر والسلوان، فحرقة الحشا بفقد الأم لا يدركها إلا من فقد أمه.
و”محمود تاور” شقيق أصغر لي لم تلده أمي وشقيقه الأصغر المرحوم “أحمد” الذي رحل في صباه محتضناً آلة الجيتار ومتوسداً نوتات مؤلفات الموسيقى لأساطين غناء البلوز وموسيقى الجاز والبوب ميوزك.. كلاكما كان مشغولاً بالموسيقى والغناء لدرجة الاستغراق.. تذكر يا “محمود” حينما كنا ننهرك وأنت تسترق السمع لبروفات أغنيات الراحل “زيدان” قبل أن تضع حقيبة المدرسة.. ولما غلبنا فيك سمحنا لك بحضور البروفات.. وأنت في ذاك الزمان سمعتنا “طال هجري يا أم در أمان بي بعادي حكم الزمان” وأغنيتي لـ”زيدان”.. منذ بداياتك لم تكن مقلداً فقد حباك الله بصوتك وحدك به رقة وحلاوة أداء كأنه من حرير وفيه شجن وحزن شفيف.. المهم كنت تعد العدة لمشروعك الإبداعي بأدواتك وأشيائك الخاصة.. وكانت الراحلة والدتك حاجة “الرضية” تشد من أزرك وتوصينا عليك “ولدي التجاني خلي بالك من أخوك الأمير” هكذا كانت تناديك بجدك الأمير “محمود ود أحمد”.. لذا كنت أميراً في مظهرك وجوهرك.. ولعلك الفنان الوحيد من جيل الواعدين الذين حظوا باهتمام كبار الموسيقيين والملحنين.. وكم صاحبوك بالعزف وأنت تغني مشاركاً في حفلات أهلنا بـ(حي العباسية)، ذاك الحي الذي يشبه كثيراً حي (هارلم) لأنه ضم أساطين الكفر والوتر والشعر والأدب والسياسة، فلا غرابة أن تتأثر نتأثر جميعنا المهتمين بالثقافة بذلك النفر الكريم من النجوم – الرحمة والمغفرة لمن رحل والعمر المديد لمن هو على قيد الحياة.. هل تذكر تلك الحلقة التي تشرفت بتقديمها لك من فندق (قصر الصداقة) ببحري.. أنكر ناس التلفزيون وقتها أن أقدمك في حلقة كاملة ثم اقروا وأشادوا بالحلقة بعد بثها وإعادة بثها.. واختارك المايسترو المؤلف الموسيقي البارع “محمد آدم المنصوري” والذي يدرس علوم الموسيقى بدولة (قطر) الشقيقة – ردَّ الله غربته – فقد ألف لك لحنين كبيرين.. “لما شفتك” كتب كلماتها صديقي “د. عمر محمود” و”السماح” من كلماتي، وقد أحرزت الأغنيات مراكز متقدمة في مهرجانات الثقافة القومية التي كانت تقام في ثمانينيات القرن الماضي أيام ازدهار الثقافة.. أيضاً من الموسيقيين البارعين “د. يوسف حسن الصديق” حينما أهداك لحنه الرائع لنظمي في أغنية “قول صباح الخير وأبدأ يومك بالتحية”، تلك الأغنية التي غنيتها مع الأطفال وسجلتها للإذاعة وتحسب في رصيدك الإبداعي لموضوعها المحرض على نقول صباح الخير ونبدأ يومنا بالتحية ونهش ونبتسم ونطرد الهم والآسية ونحضن الناس بي عيون ضاحكة وندية.. ولم تكتف بألحان كبار الملحنين الذين أهدوك ألحانهم، بل خضت تجربة التلحين فولجتها وشهد لك الكبار قبل أقرانك بموهبتك في الألحان.. “ما طولوا الغيبة لسه العشم فيكم.. الناس في وادي بعيد ومكاني واديكم”.. لحن توافق وأنسجم مع مضمون النص الذي نظمته لك هو و”طفل بصرخ في البوادي، دابو في سن الفطام.. طفل طول الليل ينادي يلا نديهوا الطعام.. وقبلما نديهوا لقمة، نفتح الأحضان نضموا، شان يحس طعم الأمان، شان نعوضوا فقد” أذكر أنك حرضتني لكتابة تلك الأغنية في سنوات المحن حينما ضربت المجاعة بلادنا في سنوات الله لا يعيدها.. ونزح أهلنا من الأرياف ليستقروا بالعاصمة وضواحيها.. وأذكر دفاعك عن أغنية اخترتها من غناء أهلنا (الغرابة) على لسان فتاة حُبس فتاها في قضية “طيري يا قمرية.. وركي فوق الزنكي واتصنتي القضية، الزول التحت الزنكي، حابسنو غير جنية” من أغنياتك المحببة لي.. طبعاً لن أنسى ثنائيتك مع الفضلى الشاعرة الكبيرة “حكمت يس” شفاها الله وعافاها، فقد قدمت أغنياتها في طبق من شلال موسيقي عذب وردد تلك الأغنيات العشاق والمحبون.. وبالطبع هذا دأبك منذ أن ضمنا الحي الجميل “حي العباسية” تبحث عن الجديد من الأشعار وأنت ناظم جيد وتعرف أن قدرك هو أن تغني لأهل السودان وتلون حياتهم بالحب الشجي وهمك رسالي والتزام تجاه أمتك في كونك فناناً.. أتمنى أن تسمح لنا الظروف لنوثق حياتك الإبداعية ونتحدث عن مشروعك الفني كفنان سوداني بدأ مشواره منذ منتصف السبعينيات.. أعتقد أنك ستقدم أنموذجاً لفنان ملتزم تجاه فنه وجمهوره.. وأتمنى للذين ولجوا ساحات الغناء السوداني من الأجيال المعاصرة والذين أتوا بعد جيلك أن يقفوا على تجربتك إذ فيها الكثير المفيد.. الله يوفقك ويديك الصحة والقدرة على العطاء.. أما ثنائيتك مع صديقي الجنرال “حمدون” فهذه عجب “أهي دي الشمس غابت وينو القمر طيب”؟!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية