من وحي الأخبار

رفقاً بالتلاميذ

إن كل أب وولي أمر في هذه البلاد بحاجة لمناشدة عجلى لوزارة التربية والتعليم– هل هذا اسمها أم تغير– لرفع أثقال من المواد والمقررات المفروضة مثلاً على تلميذ في الصف الأول أساس وعمره في السادسة، أحد هؤلاء الآباء حضر إلى مكتبي وحينما عرض فقط المقرر على نجله في (الحفظ) من السور وبعض التكاليف الأخرى تعجبت وأشفقت على الصغير، فهو إن امتلك ناصية ومهارة الحفظ فقطعاً لن يدرك أصول المعاني والتفسير وبعض هذه السور كانت تقرر في أزمان ماضية على تلاميذ أكبر سناً، وفي مراحل دراسية فوق الصف الأول أساس بمراحل!
لست أعلم الحكمة في مثل هذا الحشو، فهي ثماني سنوات لمرحلة الأساس كافية لتوزيع مقرر مريح ومنهج مفيد للعملية التعليمية على المتلقي، خاصة أن الأمر يجب ألا يكون تلقيناً وإنما أخذاً بيد طفل تدرجاً عبر شروحات في السلوك والأنشطة المدرسية، إلى جانب مهارات التعلم، وهذا كله قطعاً وحتماً يترافق مع معلم مؤهل صاحب خبرة خاصة في مرحلة مدخل التعليم في عمر دقيق في أول الطفولة.. والغريب أن السودان صاحب تجربة ثرة وكبيرة في مجال تطوير المناهج، وأعتقد كذلك أن وزارة التربية من الوزارات المهمة التي ظلت تحتفظ بكونها حقيبة خالصة للتربويين والوزراء النابهين، ومن ثم لست أدري سبب الإصرار والمكابرة في القول إن المنهج الحالي لمرحلة الأساس هو الأفضل.. وصحيح أن هذه الأفضلية تكون للوزارة فيها مقاييس مختلفة، لكن ملاحظات أولياء الأمور أيضاً وربما بعض الأستاذة من اللازم وضع اعتبار مناسب لما فيها من حرص مؤكد على مستقبل التلميذ.
هذه المقررات القاسية التي تعتمد على التلقين ومع حالة الضغط الكبير على التلاميذ والصغار ستجرهم حتماً إلى إشكالات نفسية بسبب كثرة الامتحانات، وما يرافقها من متابعة وبحث عن سبيل للتفوق أو في الحد الأدنى تجنب وصمة الفشل.. هذا مقروءاً مع ظروف التعليم نفسه الذي صار هاجساً اقتصادياً مكلفاً للآباء، بحيث صار الأصل هو تأمين أقساط الدراسة مما يربك بشكل كلي قدرة الأسر على عون صغارها أو حتى الجرأة على إبداء الملاحظات، لأن الوالد قد يكون واقعاً تحت مؤثر تعثر في دفع قسط أو خلافه فتتحول حتى فترة الامتحانات نفسها إلى هاجس ضغط للكبار والصغار، خاصة إن ترافق ذلك مع قرار بالمنع والتقييد عن الدراسة لظروف عدم السداد. 
ذاك في المدارس الخاصة.. أما في مدراس الحكومة، فلا تعجبوا أن اضطر مدير مدرسة لدعوة أولياء الأمور رجالاً ونساءً للقيام بنفير تبرع فيه البعض بشراء مراوح (تربيزة) وآخرون (حافظات مياه)، إذ اكتشفت شخصياً أن بجوارنا مدرسة (منكوبة) تماماً، وقد عجبت لها أن ينجح تلميذ منها ويتأهل لمرحلة أخرى في الدراسة، إذ إن وضعها يغري بعملين إما ترك الدراسة جملة أو الاستمرار من باب أن الأمر ابتلاء!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية