مآلات الأزمة المفتعلة بين القضاة والمحامين
المحامي والخبير القانوني /أسامة صالح علي رحمة
تصدرت واقعتا محكمة الجريفات وأم دوم ومحكمة النظام العام بحري اهتمامات الحقوقيين بالسودان وتبادلتها مواقع التواصل الاجتماعي والصحف السيارة بروايات مختلفة، ولكن وبغض النظر عن صحة تفاصيل الروايات من عدمها ينبغي أن ندق ناقوس الخطر للحفاظ على شعرة معاوية بين المحامين والأجهزة العدلية، والوقوف على كل واقعة بمعزل عن الأخرى والتشخيص بحيادية دون عصبية مهنية والنظر بجدية لبروز بوادر أزمة بين القضاة والمحامين، خشية أن تلقي هذه الأزمة بظلالها السالبة على حقوق وثقة المتقاضين في الأجهزة العدلية. إن المحامي والقاضي توأمان أنجبتهما كلية القانون وهما وجهان لعملة واحدة وهي العدالة، وكثير من القضاة أنجبتهم المحاماة وكثير من المحامين أنجبتهم القضائية وغالبية قضاة الدول ومحكمة العدل الدولية عملوا بالمحاماة وهما جناحا العدالة يعملان جنباً إلى جنب والمحامي هو عون القاضي في إظهار الحق وتحقيق العدالة، وهذا العون والتعاون لا يتأتى إلا بالاحترام المتبادل لسيادة حكم القانون لأن قوام العلاقة بين المحامين والقضاة الاحترام المتبادل، فيجب على المحامي إبداء الاحترام الواجب تجاه السلطة القضائية والدفاع عن استقلالها وهيبتها وكرامتها وعدم استفزاز القضاة أو استدراجهم أو ممارسة أي تأثير شخصي على القاضي. وهذا الاحترام لا يعني الخضوع والتملق والاستعطاف وعلى المحامي في حالة عدم كسبه لدعواه إبداء الاحترام والقبول الكامل لأحكام القضاء والاحتفاظ بمبادئه وبأخلاق المهنة، وأن يوظف جهده لاستخدام الوسائل القانونية للطعن في الحكم الذي شابه القصور، وأن يتسم طعنه بطابع الاعتدال والموضوعية بعيداً عن التجريح والإساءة وعلينا عدم زعزعة ثقة المتقاضين في القضاء بتصغير القضاة والتقليل من شأنهم وقدراتهم وإمكانياتهم والتشكيك في نزاهتهم، حتى لا يلجأ المتقاضون لأخذ حقوقهم بأيديهم وتعم الفوضى وينتشر الفساد. إن العدالة المنشودة لا تتحقق إلا بتضافر الجهود والتعاون بين الأجهزة العدلية وعلينا في قبيلة المحامين أن نبدأ مسيرة الإصلاح بأنفسنا سلوكاً وتدريباً وتأهيلاً وممارسة، ثم نطالب بإصلاح الأجهزة العدلية. لابد للمحامين من مراجعة ضوابط وشروط قبول المحامين والعمل على منع قبول المفصولين من الشرطة والقضاء ووزارة العدل قبل التحقق من أسباب فصلهم وإمكانية إضافتهم للمهنة وانخراطهم واندماجهم وانصهارهم مع قبيلة المحامين وولائهم للمهنة، ومراعاة أعمارهم والتزامهم بقضاء فترة تدريب كافية للتشبع بقيم وآداب وأعراف مهنة المحاماة، وعلينا في مسيرة الإصلاح الاهتمام بالمظهر اللائق والسلوك القويم الذي نص عليه ميثاق أخلاقيات مهنة المحاماة وقانونها والاهتمام بالتدريب والتأهيل، وحث المتمرنين على قيم وآداب وأعراف المهنة والتحلي بالحكمة والصبر والاحترام في التعامل مع الأجهزة العدلية والمتقاضين، والابتعاد عن النعرات الاثنية والعقائدية والسياسة وتذكيرهم بأن الناس سواسية أمام القانون وأن الحصانة المنصوص عليها بالمادة (٤٨) من قانون المحاماة حصانة إجرائية لا تمنع العقاب ولم تشرع لحمايته في كل ما يقع منه في الجلسة على الإطلاق، بل لحمايته حتى لا يشعر أثناء قيامه بواجبه أنه محدود الحرية ولم توضع للتشجيع على عدم احترام سيادة القانون وهيبة القضاء وأكل أموال الناس بالباطل، وعلى نقابة المحامين التحقيق مع منسوبيها للتحقق من صدق ادعائهم في واقعتي الجريفات والنظام بحري ومناصرتهم ومساندتهم عند ثبوت انتهاك حقوقهم وتوقيع أقصى العقوبات التأديبية عليهم في حال فشلهم في إثبات صدق ادعائهم، وذلك حفاظاً على هيبة السلطة القضائية، وعليها تنقيح سجل المحامين والعمل على تطهير عضويتها ومراقبة تطبيق ميثاق أخلاقيات المهنة والعمل على تنظيم مهنة المحاماة حتى لا تصبح مهنة المحاماة مهنة من لا مهنة له لتستعيد المحاماة وقارها وبريقها وهيبتها. وهذا التعاون أيضاً يستوجب على القاضي إتاحة الفرصة الكاملة للمحامي للدفاع عن موكله والقيام بواجباته المهنية بالطريقة التي يراها مناسبة وفي حدود القانون، وعدم التعامل مع المحامي بدونية أو النظر إليه باعتباره صاحب مصلحة مادية مع استصحاب قانون المحاماة في كل قراراته وتوجيهاته للمحامي، والعدل كما قيل (لا يستقيم إلا من قاض يؤمن بالحق دستوراً وكياناً فإذا ترافع أو حكم كان العدل غاية وعنواناً). على القضاة والمحامين الانتباه لبوادر الأزمة وتجنب تأجيجها وتصعيدها وبناء جسور التعاون بين الأجهزة العدلية ووأد أي خلاف فردي في حينه لإعادة الثقة وبناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل، وإقامة ندوات وورش للوصول إلى فهم مشترك للمواد (٤٦– ٤٨ ) من قانون المحاماة تعديل ٢٠١٤ والمادة (٧١) من قانون الإجراءات المدنية والمادة (١١٦) من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١، وذلك من أجل خلق مناخ صحي يساعد على إنبات بذور الإصلاح التي غرسها البروفيسور “حيدر أحمد دفع الله” رئيس القضاء.